دمياط..سورها حلوى وكلابها غنم، هكذا قال ابن بطوطة عن دمياط، فى وصفه لها بعد أن طاف بها ومكث فيها، حيث قال إن دمياط هذه حديثة البناء، والمدينة القديمة هى التى خربها الإفرنج فى عهد الملك الصالح، وأنها مدينة أرضها رملية، فسيحة الأقطار، متنوعة الثمار، عجيبة الترتيب، وهى تقع على شاطئ النيل، وأهل الدور الموالية يستقون منه الماء بالدلاء، وكثير من دورها بها دركات ينزل فيها إلى النيل، وشجر الموز بها كثير، يحمل ثمره إلى مصر فى المراكب، وغنمها سائمة هملاً بالليل والنهار، ولهذا يقال فى دمياط، سورها حلوى، وكلابها غنم، والطير البحرى بهذه المدينة كثير، متناهى السمن، وبها الألبان الجاموسية التى لا مثيل لها فى عذوبة الطعم وطيب المذاق، وبها الحوت البورى يحمل منها إلى الشام وبلاد الروم ومصر، وبخارجها جزيرة بين البحرين والنيل تسمى البرزخ، هكذا كانت دمياط كما وصفها محمد بن عبد الله بن محمد اللواتى الطنجى الملقب بَابن بطوطة. أما فى منتصف عام 1219 وقبل ولادة ابن بطوطة ب 77 عاما، فقد تعرضت دمياط إلى مجاعة كبيرة، بسبب حصار الحملة الصليبية التى وصلت دمياط فى 27 مايو 1218، عندما عجزت الحملة عن دخول المدينة لقوة تحصيناتها ففرضت طيلة عام ونصف العام حصارا قاسيا عليها، ولتخفيف معاناة أهل دمياط أرسل السلطان العادل عرضا للحملة بفك الحصار مقابل صلح لمدة 30 عاما، فرفض البابا أونوريوس الثالث العرض. يقول عبد العزيز حبة، الباحث فى التاريخ والتراث الشعبى والفنان التشكيلى، إن أهالى دمياط، ابتكروا أساليب لإدخال الغذاء فذهبوا تجاه مدينة المنصورة، وأحضروا الجمال وذبحوها، وأفرغوها من لحمها، ونظفوها من الداخل، ثم وضعوا اللحم والأرز وكل غذاء يحتاجونه داخلها، ثم خاطوها بدقة ورشوا على جلدها رائحة نفاذة كريهة، وألقوها فى النيل ليجرفها تيار نهر النيل إلى دمياط، وعندما كانت تمر بين اسطول الصليبيين، كانوا يبعدونها عنهم بسبب الرائحة النفاذة الكريهة، ويظل تيار النهر يجرف الجمال إلى دمياط، فيستقبلها أهالى دمياط بالزوارق أمام منطقة عزبة اللحم، والتى كانت تقع فى أطراف مدينة دمياط فى هذا الوقت، وكان بها " شرم" منحنى كبير تختفى فيه الزوارق، فيستخرجون الأرز واللحم والدقيق من بطون الجمال، ويوزعونها عليهم فى هذا المكان، وهو ماكان يعطى قوة وصمودا لأهالى المدينة، وهذا هو سبب تسميتها بعزبة اللحم، لان اللحمة كانت من اشهر المأكولات التى كان يتم توزيعها، ولهذا لا يأكل أهالى دمياط لحم " الجمال" حتى الآن. وبعد هذه الحملة الصليبية ب 29 عاما تم هدم دمياط على أيدى أمراء مصر، وذلك فى نوفمبر سنة 1250 خوفا من دخول الفرنجة إليها وغزو مصر، على نحو ما تم فى مدينة تنيس، التى تم هدمها فى وقت سابق، ولكن قام الظاهر بيبرس ببنائها من جديد، فى سنة 1260، وبالرغم من ذلك ظلت منطقة عزبة اللحم الواقعة على النيل كما هى وبعيدا عنها مسجد عمر ابن العاص، لتظل عزبة اللحم سلة الغذاء لدمياط، وهى الآن أكبر سوق لبيع كل مايلزم من غذاء، وذلك لوقوعها على حدود مدينة دمياط، وبجوارها عدة قرى ملاصقة، مثل شط جريبة والجواهرة والبصايلة، وأهم المنشآت الحكومية القريبة منها جدا، كمديرية الأمن وبعض كليات جامعة دمياط، كما يحدها عدة احياء كبيرة مثل حى الاعصر وحارة البركة والشهابية.