تعتبر ندرة مصادر الطاقة الكهربائية في مصر إحدى أهم المشاكل الحالية التي توجه الحكومة وتثير استياء جماهير المصريين. كما أنها أحد معوقات النمو العمراني والتوسع في الصناعات المستقبلية. وفي نفس الوقت تشكل عملية الإضاءة أحمالا ثقيلة على الشبكة الكهربائية بحيث تستحوذ على حوالي 30 % من إجمالي الطاقة الكهربائية المستهلكة في مصر، وتزداد هذه النسبة بزيادة عدد السكان الناتج من النمو العمراني. ويواجه مصر تحديان يتعلقان بكيفية تقليل استهلاك الطاقة الكهربائية المستخدمة في الإضاءة باستخدام مصادر بديلة تعمل بكفاءة عالية، ووضع استراتيجية أو خطة قومية لعملية الإنتاج المحلى. وتعرض هذه المقالة لكيفية مواجهة هذين التحديين. تعتبر كفاءة اللمبات العادية ولمبات الفلوروسنت اللولبية (التي يطلق عليها في مصر اللمبات الموفرة) منخفضة الكفاءة في تحويل الطاقة الكهربائية إلى ضوء. ويصل الفاقد في الطاقة الكهربائية المستخدمة إلى أقصاه لإضاءة اللمبات العادية حيث يبلغ حوالي 80% في صورة حرارة، والتي تقوم بدورها برفع حرارة المكان وبالتالي زيادة الأحمال اتوماتيكيا في الصيف على أجهزة التكييف (إن وجدت). وتعد لمبات اللد (LED) هي الأحدث عالميا في مجال تكنولوجيا الإضاءة ذات الكفاءة العالية والتي تحل محل كل من اللمبات العادية والفلوروسنت المستخدمة حاليا. فهي تعمل بكفاءة لا تقل عن ضعفي اللمبات الفلوروسنت وخمسة أضعاف اللمبات العادية، أي أنها تستهلك كمية أقل كثيرا من الطاقة الكهربائية مقارنة بالتكنولوجيا المستخدمة حاليا للحصول على نفس كمية الإضاءة. هذا بالإضافة إلى أنها لا تحتوى على الملوثات السامة الموجودة بمثيلتها من اللمبات الفلوروسنت كالزئبق ولا تسبب حملا حراريا. ومن المتوقع زيادة حجم الاستثمار في مجال صناعة لمبات اللد عالميا لتتعدى 100 بليون دولار في السنوات القادمة.وفي مصر، يصل الحمل على الطاقة الكهربائية إلى الذروة مع بداية غروب الشمس، والذي يؤدى بدوره إلى الانقطاع المتكرر للكهرباء بسبب تجاوز القدرة التشغيلية لشبكة الكهرباء وعدم القدرة لسد الطلب المفاجئ على الطاقة. وتعتبر عملية إحلال اللمبات العادية واللمبات الفلوروسنت ولمبات الصوديوم ذات الضغط العالي واستبدالها باللمبات اللد أفضل الوسائل المقترحة لتغطية العجز في قدرة الشبكة الكهربائية وتقليل الطلب المحلى بحوالي 5 جيجاوات، أي ما يمثل أكثر من ضعف القدرة الإسمية للسد العالي. ونرى أن السوق المصري يستطيع أن يستوعب ما يقرب من بليون لمبة لد تستخدم لإضاءة المنازل والشوارع ومراكز التسوق. وعلى الرغم من ارتفاع تكلفة إنتاج هذه اللمبات بالمقارنة بالتكنولوجيا المتاحة، إلا ان استخدامها يطيل من العمر الافتراضي للمبة الواحدة بحوالي 20 عاما. وتتجه مصر الآن إلى استيراد لمبات اللد بما يتناسب وهذه المرحلة الأولية للاستخدام، لكن يجب أيضا أخذ خطوات جادة ومخططة لإنتاج هذا النوع من اللمبات محليا واستبدال المنتج المستورد تدريجيا بمثيله محلى الصنع. ويحتاج هذا إلى وضع خطة قومية مستقبلية لإنتاج معظم هذه اللمبات المستخدمة (LED) ومكوناتها محليا في مدة زمنية قدرها خمس سنوات على سبيل المثال. والواقع أنه لا يمكن الاعتماد في مصر كلياً على الاستيراد نظرا لحجم السوق الحالي والمحتمل للمبات اللد والذي قد يتعدى 5 بلايين دولار. ففي الدول المستوردة للبترول لإنتاج الكهرباء مثل مصر، ونظرا للفاقد في الطاقة الذي يبلغ حوالي 80% في صورة حرارة عند استخدام اللمبات العادية في عملية الإضاءة، لذلك لا ينبغي استبدال عملية استيراد البترول بعملية استيراد لمبات اللد في الوقت الذي يمكن تصنيع نسبة كبيرة منها محليا. وتتكون لمبة اللد من عدة أجزاء أساسية : (1) الوحدة المضيئة المصنوعة من أشباه الموصلات وفيها يتم إنتاج الضوء؛ (2) المكثف؛ (3) الهيكل؛ (4) والدويل. والجزء الذي يحتاج إلى تكنولوجيا عالية التصنيع هو الوحدة المضيئة التي تمثل 30 % من تكلفة اللمبة الكلية. وهذا الجزء يمكن استيراده في المرحلة الأولي للتصنيع، بينما يتم التصنيع المحلي وبصورة تدريجية لما يمثل 70 % من المكونات الأخرى (2،3، 4) التي لا تتطلب تكنولوجيا عالية. تأتى المرحلة الثانية بعد ذلك من خلال عملية شراء رقائق الوحدة المضيئة وتقطيعها محليا إلى مكعبات صغيرة ثم تصفيحها بمعدن وتغطيتها بطلاء ضوئى. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فهي عملية تصنيع الرقائق محليا. وفى هذا المضمار يجب الاستعانة بالجامعات ومراكز الأبحاث والصناعات الالكترونية المحلية لتصنيع مكونات اللمبات اللد محليا. ومن المنتظر أن يزداد الطلب على طاقة الإنارة في مصر بما يتعدى 10 جيجاوات خلال العقود القادمة وذلك نتيجة الزيادة السكنية المستمرة والنمو العمراني وما إلى ذلك، ومن ثم احتياج متزايد ومستمر للإنارة. وهنا ستجد الحكومة أنها أمام جبهتين في مجال إحلال اللمبات المعتادة واستبدالها بلمبات اللد؛ الأولى: دعم الجهود الأولية الحالية لإنتاج وتصنيع لمبات الد محليا بواسطة الربح الناتج عن ترشيد استهلاك الطاقة باستخدام هذا النوع من اللمبات؛ والثانية: إضافة شرط إنشاء نماذج إرشادية لمصانع إنتاج لمبات اللد في مصر على عقود الشركات الأجنبية المصدرة لهذه اللمبات. ويمكننا الاستفادة من التجربة الصينية على سبيل المثال، فقد قامت الصين منذ أكثر من 10 سنوات باستيراد كمية كبيرة من القطارات الأوروبية فائقة السرعة، بشرط الحصول على مخططات التصميم لهذه القطارات. والآن أصبحت الصين تقوم بتصدير هذا النوع من القطارات إلى مصر وعدة دول أخرى. أستاذ هندسة الطاقة - جامعة ولاية نورث كارولينا لمزيد من مقالات د. صلاح بدير