لم تحظ أى من روايات نجيب محفوظ بمثل هذا الجدل، والشدّ والجذب، كما حظيت رواية «أولاد حارتنا».. والتى مازال الجدل مشتعلا حولها حتى الآن. عن تلك الرواية يدور موضوع الكتاب الذى نعرض له الآن.. وهو كتاب» محاكمة أولاد حارتنا».. من تأليف المحامى الدكتور أحمد السيد عوضين، الذى كان محاميا عن نجيب محفوظ فى تلك القضية. والواقع أن الكتابات عن نجيب محفوظ، وإبداعه الأدبى، لا حصر لها.. لكن هذا الكتاب مختلف فى مادته؛ فهو يقدم إحاطة شاملة لقضية هذه الرواية المثيرة للجدل. ويبدأ الكتاب بتحليل لشخصياتها، ورد فعل مؤسسة الأزهر عليها، وكذلك خطباء المساجد، ومجمع البحوث الإسلامية، والصحفيين وكتّاب الأعمدة.. ثم يعرض للمحاكمة نفسها، وما انتهى إليه الحكم من براءة الكاتب الكبير من تهمة ازدراء الأديان.. مما مهّد لطبع الرواية فى مصر. ولقد تمت محاكمة أولاد حارتنا، منذ نشرها فى الأهرام عام 1959 أكثر من خمس مرات؛ بعضها علنى، والبعض الآخر محاكمات سريّة. وكانت المحاكمة الأولى محاكمة سياسية، عقب نشرها مباشرة، حيث اتهموا الرواية بأنها تنتقد السلطة القائمة وقتها، وقيل إن شخصية الجبلاوى فى الرواية هى رمز للزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. ولولا وجود الأستاذ محمد حسنين هيكل على رأس الأهرام فى ذلك الوقت لما نشرت الرواية فى مصر. ثم كانت المحاكمة الثانية فوق المنابر، حيث هاجمها خطباء المساجد، وزعموا أن الجبلاوى رمز للذات الإلهية.. وأما المحاكمة الثالثة فكانت محاكمة سرية من المتطرفين المتشددين الذين قضوا بضرورة اغتيال الكاتب المبدع.. وهو ما تمت محاولته بالفعل فى 14 أكتوبر 1994 إلا أن رب العرش نجّاه. وجاءت المحاكمة الرابعة من جانب الكثيرين من أصحاب الأقلام والكتّاب ورجال الدين.. واستمر ذلك سنوات.. ومازال! .. ثم كانت المحاكمة الخامسة محاكمة جنائية أمام محكمة جنايات المنصورة فى عام 1995 واستمرت خمس جلسات.. وتولى الدكتور المحامى أحمد السيد عوضين- مؤلف هذا الكتاب- مهمة الدفاع عن نجيب محفوظ، فقدّم دفاعا مجيدا، أقنع المحكة بإصدار حكم البراءة على محفوظ.. والكتاب يعج بالمثير والشائق عن تلك المحكمة.
الكتاب: محاكمة أولاد حارتنا المؤلف: د. أحمد السيد عوضين الناشر: دار المعارف 2014
