لو قال لك قائل: سأمنحك ملكا عظيما.. وسلطانا كبيرا.. ومالا وفيرا.. وتظل ملكا علي مملكة من ممالك الأرض.. في نعيم.. وسلطان.. وجاه.. لديك القصور والمنتجعات.. الحدائق والفيلات.. السيارات والطائرات.. تظل حاكما.. آمرا.. ناهيا.. مطاعا.. مجابا.. سيدا علي ملايين البشر.. انت الرجل الأول.. والأوحد.. الزعيم والقائد.. صاحب الرأي المسموع.. وصاحب الكلمة العليا.. وتكون زوجتك.. هي السيدة الأولي.. تنحني لها جباه الرجال.. ويسير خلفها الحراس والأتباع.. أما ولدك, فهو خليفة ملكك.. وولي عهدك.. ووريث عرشك.. لو قال لك القائل ذلك.. ثم سكت.. ولاذ بالصمت.. ونظر وانتظر.. وتأملك لحظات مرت كساعات.. ثم أكمل عرضه الخيالي.. الذي لا يصدر إلا عن مارد انشقت عنه الأرض.. أو خرج وانطلق من زجاجة قذفتها أمواج البحر.. قال: ستنعم بكل هذا النعيم.. نعيم الدنيا.. ستنعم ثلاثين عاما.. كاملة غير منقوصة إلا ما شاء الله.. ولكن.. تنبه.. احذر.. فكر.. تذكر.. أن لكل بداية نهاية.. ستنتهي المدة.. وينقضي الزمن.. ويمر سريعا.. وتقترب النهاية.. ليتها كانت بالموت.. ولكنها نهاية مفجعة.. دامية.. قاسية.. سيحدث لك حدث عظيم.. وخطب أليم.. وأمر خطير.. لا مهرب منه ولا مفر.. سكت القائل.. وانتظر الرد.. وطال انتظاره.. ثم سمع همسا وصل إلي أذنيه بصعوبة.. ما هو الأمر الخطير الذي سيحدث؟! قال القائل: سيدي.. سيكون إن شاء الله.. أحد أمرين.. لا ثالث لهما.. إما أن تسجن سجنا طويلا في سجن مظلم تحت الأرض.. لا تري فيه شمسا ولا قمرا.. ولكن تري فقط أطياف أعمالك التي ساقتك إلي السجن. وتري أشباح ضحاياك الذين أزهقت أرواحهم.. وعذبتهم حتي الموت في معتقلات التعذيب التي يقوم فيها رجالك بتنفيذ أوامرك وأكثر.. لإرضائك.. ونفاقك.. النهاية الثانية.. وليس لك حق اختيار النهاية.. الأولي والثانية.. فهو أمر خارج عن إرادتك.. أقوي من رغبتك.. لأن الشعب قد أقام منصة الحكم.. ورفع ميزان العدالة فوق المنصة.. وصدر الحكم.. ليس له نقض ولا إبرام.. هو حكم نهائي جزاء وفاقا لما قدمته يداك الملطختان بدماء الشهداء.. هل عرفت الحكم.. إنه الإعدام شنقا.. أو ربما بالرصاص لأنك عسكري.. هذه هي النهاية الثانية.. فما رأيك سيدي؟! هل تقبل هذا العرض المغري؟!.. هل توافق؟!.. هل أدعك لتفكر؟!.. هل تقول نعم؟.. أم ستقول لا؟.. هل تؤمن بالمثل القائل:( إحييني النهارده وموتني بكره). فتقبل.. وتوافق.. أن تعيش ثلاثين عاما في هذا النعيم.. وهذا الملك.. ولا تهم النهاية؟! أم هل تؤمن بمقولة:( العبرة بالخواتيم) فترفض.. وتمتنع.. ولا تقبل هذا العرض؟ ربما يهمس هامس في داخلك:( الآخرة خير وأبقي) هذا العرض مقدم لكم جميعا بني البشر..!! سيدي.. أنت تعلم علم اليقين.. بل عين اليقين.. أن الموت حق.. وهو قادم لا محالة.. قادم.. قادم.. لا مفر منه.. وتعلم أن الدنيا زائلة.. ذاهبة.. وتعلم أن في القبر عذابا.. وفي الآخرة حسابا.. وإما جنة وإما نار.. سيدي.. إن كنت تعلم عين اليقين كل ذلك.. وأنت بكل يقين تعلم.. وإن كنت لا تعلم.. فأنت الخاسر الأكبر.. تخسر الدنيا والآخرة..