كنا ثلاثة ورابعنا أبوالهول العظيم كاتم أسرار مصر والشاهد الوحيد الباقي عبر أكثر من خمسين قرنا عددا علي كل ما جري وكل ما يجري وكل ما يدور من يوم أن أشرقت شمس الحضارة المصرية نورا وعلما وأدبا وتأدبا ودينا ودنيا وخلقا وخلاقا وجمالا وإبداعا وفنا وتفننا.. يسر الناظرين ويهدي التائهين ويعانق الحائرين ويقبل جبين المحبين ويكسر شوكة الظالمين ويرفع راية الحق والخير والعدل المبين.. أولنا الصديق سمير متري جيد خبير المحطات النووية الذي تولي مهمة إخراج كتابي عن اكتشاف رفات النبي يحيي بن زكريا المعروف عند أقباط مصر ومسيحيي العالم باسم القديس «جون بابتس» الذي فقد رأسه في مكيدة غانية اسمها سالومي.. وقد كان لي شرف رؤية الرأس رأي العين مدفونا في قبو تحت المسجد الأموي العظيم بدمشق قبل الخراب المستعجل الذي مزق سوريا الجميلة العظيمة وأصابها في مقتل! وثانينا أو قل ثانيتنا ذلك الوجه الجميل المشرق دائما المتحفز دائما.. فقد كان للأديبة الدمشقية نوران الجمل التي قالت لي إنها تكتب في عدد من الصحف اللبنانية والخليجية.. ثم كاتب هذه السطور.. أنا جالس فوق حجر من أحجار الهرم يعلو ثلاثة أحجار لا أكثر عن سطح الأرض وظلال الهرم الأكبر تملأ الساحة أمامي.. وإلي جواري يجلس الصديق المهندس سمير متري.. وغير بعيد عني وعنه.. كانت تمشي الهويني الأديبة الدمشقية ذات الشعر الغجري المجنون كما وصفها نزار قباني.. والعينين اللتين لا تهدآن لحظة ولا تتوقفان عن اللف والدوران والتوهان في مخلوقات الله.. ودنيانا التي تدور بنا حتي تعبت وتعبنا معها.. بعد أن عبث بها العابثون من وحوش الظلام والظلمة.. ومازالوا يعيثون بها وبنا ويخفون لها ولنا في صدورهم وفي قلوبهم نار الله الموقدة.. ولكننا نقف بالمرصاد لها.. وإنا لقادرون عليها وسوف نرد شرورهم إلي نحورهم حسب تعبيرها هي أقصد الأديبة المتوهجة نوران الجمل.. أدركت من أول كلمة.. من أول عبارة.. أنني أتحدث إلي امرأة عاشقة لمصر ولتراب مصر وأهل مصر... هي تقول: أنا في انتظارك.. تعال لا تتأخر.. فإنني أحيا علي وقع خطواتك.. علي عذب كلماتك.. لا تدعني أنتظر حتي يمل الانتظار مني.. ولم تحضر بعد.. قم يا مصري.. قم يا رجل.. اصعد إلي قمم الجبال.. إلي ثمار النخيل.. اقطفها من أجلي.. وتذوق معي كم هو طيب مذاقها.. بل قل كم هو طيب لقاؤك.. أنت يا زارع الحب.. دع العصافير تزقزق لحضورك.. دعها ترفرف فوق كتفيك.. أيها المصري كريم العنصرين.. صانع السعادة.. عاشق الحرية.. عظيم المجد.. نصفق معا سمير متري وأنا للشاعرة الحزينة القادمة من بلد حزين مزقته الحروب ولعبت به الأقدار وأصبح شعبه أو نصف شعبه مشردا.. وأصبح أهله في العراء.. أو في مخيمات الإيواء في دول العالم الصديقة.. وتحكي لنا نوران كلمات الممثلة الأمريكية أنجلينا جولي التي قابلتها وهي تزور مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان قالت لها: إن قلبي يتمزق لمشهد الأطفال الصغار.. لم يعد في عيونهم براءة الأطفال.. لم أجد طفلا واحدا يبتسم! .................. .................. مر من أمامنا فوج سياحي يا دوب نحو خمسين سائحا وسائحة.. سألت مرشدتهم: من أين جاء القوم؟ قالت: من بلاد القيصر.. تقصد القيصر بوتين كما يسمونه هناك في روسيا الصديقة التي تقف إلي جانب مصر وشعب مصر بقوة وحب.. فاجأتني الأديبة السورية التي تشبه حبة الكريز التي تنمو في أشجاره فوق جبل قسيون في قلب دمشق بقولها: ألا تعرف يا عزيزي ما فعله القائد المصري العظيم تحتمس الثالث الذي يسمونه في الغرب أعظم قائد عسكري في التاريخ.. عندما انتصر علي الحيثيين في الشام.. وأسر ملوكهم وأبناء ملوكهم وأتي بهم إلي مصر؟ قلت لها: ماذا فعل يا حبة الكريز السورية؟ قالت: عفي عن الملوك السجناء الأسري عنده وأولادهم.. وألحق الأولاد والبنات بالمدارس المصرية ليدرسوا علي يد الكهان والعلماء والفلاسفة المصريين أمثال ستب حتب وآني.. ثم أعاد الأبناء بعد أن تعلموا في مصر إلي بلادهم كحكام لها من قبل الفرعون تحتمس الثالث! قال سمير متري: كما تفعل أمريكا وبريطانيا وفرنسا معنا الآن.. تأخذ أبناء الملوك والسلاطين والحكام ليدرسوا في جامعاتها.. ويعودون ليحكموا بلادهم بفكر وعلوم وفلسفة دول الغرب! قالت نوران: لقد أعجبني رئيسكم القائد السيسي في أمرين.. اسمحوا لي أن أسردهما علي مسامعكما؟ لم نقاطعها.. واصلت هي كلامها بقولها: أول شيء.. إن مصر لم تنتظر رد العالم ولا مجلس الأمن علي تلك المذبحة التي راح ضحيتها 21 من شباب مصر القبطي.. الذين ذبحتهم جماعة داعش الإرهابية في مشهد أبكي العالم كله الذي شاهده كأنه فيلم من أفلام الرعب.. ذبح 21 شابا لا ذنب لهم ولا جريرة إلا أنه ترك بلده.. وراء لقمة عيشه.. لكي يطعم أسرة وزوجة وأطفالا زغب الحواصل لا ماء ولا شجر.. كان رد قائدكم ضربة عسكرية موجعة أعقبتها ضربات أخري جوية. شفت غليل أهل مصر كلهم! قال سمير متري: هكذا الجزاء من جنس العمل! ...................... ...................... انحدر قرص الشمس وتواري خلف الهرم الأكبر.. ربما لكي يحتمي به.. خجلا وربما إعلانا لغضبة الشمس من تلك الهجمة الشرسة علي الإسلام والمسلمين.. كما تفعل الجماعات الإرهابية في شمال سوريا والعراق.. والتي وصل صداها إلي فرنسا والدنمارك ودول أوروبية وإفريقية أخري مثل نيجيريا التي تذبح فيها جماعة «بوكو حرام».. الأطفال والنساء وتحرق القري ويرتدي أفرادها بردة الإسلام.. وما هم بمسلمين وما هم بموحدين.. فالإسلام في الأصل دين الرحمة والمغفرة وليس دين القتل والإبادة وإغراق الدنيا بأنهار من دم النساء والأطفال! فاجأتني نوران الشاعرة السورية بقولها: ألم تدرس أنت زمان عندما كنت صغيرا في سنة ثانية أو ثالثة ابتدائي في مدارسكم أن الملك مينا نارمر موحد القطرين وأول من حكم مصر في التاريخ المصري.، وفي التاريخ الإنساني كله قبل نحو خمسين قرنا عددا.. من خلال أول حكومة مدنية عرفتها الدنيا.. وكان عنده وزير للداخلية للأمن الداخلي.. ووزير للجيش للدفاع عن حرية الوطن.. وكان يعقد اجتماعا وزاريا لوزرائه في قصره أول كل شهر فرعوني قبل أن يتحول إلي شهر قبطي.. قلت لها: أيوه أمشير وطوبة وبئونة وبرمهات.. وهي شهور الزراعة في مصر منذ خمسين قرنا وحتي اليوم! قالت: ألم يدرسون لك يا عزيزي في المدارس أن هذا الملك العظيم يوم جلس علي عرش المملكة المصرية الموحدة.. أصدر أمرا ملكيا بالعفو عن كل خصومه.. وكل من حاربوه.. بل إنه أمر بالإفراج عن كل المساجين من الملوك والجنود الذين حاربوه.. وأفراد الشعوب التي وقفت ضده.. وأوصلهم إلي بلادهم وبيوتهم سالمين! قال سمير متري: وهكذا فعل الرئيس عندما قال أخيرا: إنه بصدد الإفراج عن المحبوسين في السجون من الشباب.. ودراسة حالة كل شاب وكل مسجون فى البلاد حتي لا يبقي خلف الأسوار إلا من صدر ضده حكم قضائي نهائي! تصفق نوران قلب سوريا الدامي وتقول وهي ترفع يدها للسماء: عقبال فك أسر سوريا كلها! ......................... ......................... تمسك الشاعرة نوران بيدي وتنزلي من فوق حجر الهرم الأكبر وهي تقول لي: انزل واسأل صديقك هذا: ماذا يقول لنا الكتاب المقدس الذي يجمع التوراة والأناجيل ورسائل بولس الرسول إلي أهل الأرض عن المرأة.. لقد قرأت زمان أمثالا هزتني من الأعماق؟ سمير متري يتكلم قبل أن أسأله: في سفر الأمثال في الكتاب المقدس: «المرأة الجاهلة.. سحابة حمقاء.. ولا تدري شيئا..« وفيه أيضا: «الابن الحكيم يسر أباه.. والابن الجاهل حزن أمه..» «لا تخاصم إنسانا دون سبب.. إذا لم يكن قد صنع معك شرا..» ثم: «الحكماء يرثون مجدا.. والحمقي يحملون هوانا..» وفي الإصحاح السادس: «لا تستخفون بالسارق.. ولو سرق ليشبع.. فهو جوعان..» قلت: يا عزيزي سمير متري لقد نسيت أعظم الحكم في سفر الأمثال في الكتاب المقدس.. يسألني: ذكرني بها؟ قلت: «كنوز الشر لا تنفع.. أما البر فينجي من الموت» .................... .................... تسألني الشاعرة السورية وآخر شعاع شمس يترك مجلسنا ويتسلل إلي الحقول الراقدة في سلام عند الأفق البعيد: كم مرة ذكر الله اسم مصر في كتابه العزيز؟ قلت: لقد قال لي بعضهم خطأ إنها سبع عشرة مرة.. ولكن الزميل الباحث فكري عبدالرشيد قال: فيها تسع مرات: 1 لقد وردت في قصة سيدنا يوسف: «وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته ...» يوسف آية 21. 2 ووردت في قصة سيدنا يوسف عليه السلام أيضا عندما صار «عزيز مصر».. عندما أحضر إليه أبويه واخوته.. وقال: «فلما دخلوا علي يوسف آوي إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين...» سورة يوسف آية 99. 3 ولما اشتدت المعركة بين موسي وفرعون.. استنفر فرعون قومه وقال لهم: «ونادي فرعون في قومه قال: يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون..» سورة الزخرف آية 51. 4 في قصة موسي بعد ما آمن السحرة لسيدنا موسي عليه السلام.. وهددهم فرعون.. وفي السياق وردت: «وأوحينا إلي موسي وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين..» سورة يونس آية 87.. ..................... ..................... وليس هناك؛ أجمل كما قالت الشاعرة السورية نوران من كلمات الفيلسوف الألماني جوته: «كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي»..{ لمزيد من مقالات عزت السعدنى