قرأنا جمعيآ واقعة الاعتداء التي اختلقها النائب أنور البلكيمي ليخفي بها في حقيقة الأمر رغبته في إجراء عملية تجميل في الأنف. لا شك أن قصة الاعتداء أمر أثار مشاعر المصريين بجميع انتماءاتهم السياسية وطبقاتهم الاجتماعية, خاصة في ظل الانفلات الأمني المشهود. ولا شك أيضا أن حزب النور لم يكن بوسعه أن يفعل غير ما فعله, وهو فصل النائب حفاظا علي كيان الحزب ومصداقيته. لكن لهذه القصة, شبه الخيالية, دلالة أخري خطيرة جدا. لقد وصلت الضغوط الاجتماعية والدينية في مجتمعنا إلي أن المواطن المصري يضطر إلي اختلاق قصص والكذب ليفعل في نهاية الأمر ما هو من حقه الطبيعي. كل إنسان له الحق في أن يجري عملية جراحية, حتي وإن كانت هذه الجراحة تجميلية. لقد تحدثنا كثيرا عن موضوع البلكيمي وسودنا صفحات ومضينا ساعات نناقش هذا الأمر في الفضائيات, لكن هل سألنا أنفسنا لماذا اضطر هذا النائب إلي اختلاق هذه القصة؟ أري أن طرح هذا السؤال علي المجتمع المصري من الأهمية بمكان في عصر ما بعد الثورة لم يكن مقصورا علي إسقاط نظام ليحل محله نظام آخر, وإن كان أكثر عدلا. إن الضغوط الاجتماعية والدينية أصبحت ثقيلة جدا في المجتمع المصري, نتحدث عن إعفاء اللحية بين قوات الشرطة وعن ضرورة فرض الحجاب علي المرأة بقوة القانون وغير ذلك من المسائل الخلافية, كما لو كان الدين يقتصر علي هذه المجموعة من الطقوس. أين جوهر الدين من سماحة وتقبل الغير وحسن معاملته ومساعدة الآخر وتقديم المصلحة العامة علي المصلحة الشخصية. لقد حدت هذه الضغوط بالنائب, الضحية والمذنب في آن واحد, إلي الكذب واختلاق القصص. أليس الإنسان حرا في تعديل شكل اي عضو في جسده إذا كان لا يرضي عن مظهره, أو إذا كان هذا العضو يسبب له مشكلة نفسية؟ أليس الكذب ذنبا كبيرا, أكبر حتي من ذلك الذنب الذي حاول إخفاءه هذا النائب, هذا إذا افترضنا أن هذه الجراحة ذنب من أساسه. اندفع الناس للاستعانة علي الحلال بالحرام؟ لا شك في أن انتماء هذا النائب إلي حزب ديني قد منعه من الجهر بهذه العملية التجميلية التي يري البعض أنها تناهض أصول الدين وتخالف أحكامه. نريد أن نعيش في مجتمع يكون الإنسان مسئولا فيه عن أفعاله, دون وصاية تفرضها فئة أو جماعة. لماذا نضن علي أنفسنا بهذا الحيز من الحرية. يجب ألا نعيش في خلط مستمر بين العادات والتقاليد, التي ربما تكون من الممارسات غير السلمية, وأحكام الدين السمحة والملائمة لكل زمان ومكان إذا نظرنا إليها دون تشدد أو تحيز. إن واقعة النائب البلكيمي ليست إلا مثالا صارخا علي عجز المواطن المصري اليوم عن التمتع بحقوقه دون أن يضطر إلي تبرير أفعاله لأي شخص أو جهة. المجتمعات الحرة هي المجتمعات التي لديها قدرة علي التطور والابداع أما المجتمعات التي يضطر فيها الإنسان إلي الكذب للتستر علي تمتعه بحق من حقوقه الأصلية فهي مجتمعات مريضة تحتاج منا وقفة لننقذ أنفسنا, فالنقد الذاتي هو السبيل إلي تشخيص أمراضنا الاجتماعية والبحث عن العلاج الذي هو فيها أنجح.