"إبطال الباطل، وإحقاق الحق".. من أعظم الأعمال عند الله، ولا شئ يعدله في الشرف، والمكانة. وهذا ما استوعبه العظام. فقد دخل عبد الله بن عباس على "علي بن أبي طالب"، وهو يخصف نعله، فقال له: ما قيمتها؟ فقال ابن عباس: "لا قيمة لها". فقال علي: "والله.. لَهيَ أحبُّ إليَّ من إمرتكم؛ إلاّ أن أُقيم حقّاً، أو أدفع باطلاً". و"الباطل" - اصطلاحا - خلاف الحقّ، وهو الإخبار بالكذب، وبالتالي لا يجوز الإقدام عليه؛ لكونه عقيدةً أوعملًا غير مشروع. وقد يُراد بالباطل ما سوى اللَّه.. قال سبحانه: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ".(الحج:62). في هذا المعنى قال لبيد بن ربيعة العامري: "ألا كُلُّ شيءٍ ما خَلا اللّهُ باطِلُ.. وكلُّ نعيمٍ لا مَحالة َ زائِلُ". والموقف الشرعي من الباطل أنه لابد من إنكاره متى توفرت شروط إنكاره، كالعلم بأنّه باطل. وفي اللغة: "الباطل": اسم فاعل من البُطل، والبطلان بمعنى الفاسد، والضائع، والذي يسقط حكمه.. أَبْطَلْتُ، أُبْطِلُ، أَبْطِلْ، والمصدر: إِبْطَالٌ.. يُقال: بطل الشيء، أي ذهب ضياعاً، وبطل دمه، أي هُدر. ومنه قوله تعالى: "فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ". (الأعراف:118)، وقوله: "وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ". (غافر: 78). وفي التنزيل: "وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ". (محمد: 33). وقوله: "لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ".(البقرة:264).. أَبْطَلَ الأمرَ: محَقه، وضيَّعه، وأفسده. وبرغم أن "الحقُّ أَبْلَجُ (واضح)، وَالبَاطِلُ لَجْلَجٌ (مُلْتَبِس)"، إلا أن الخطورة تكمن في "تلبيس الحق بالباطل"، وهو أمر حذر الله منه أشد التحذير. قال تعالى: "وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ". (البقرة: 42). وقال: "يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (آل عمرا:71). اللبس هو الخلط.. ولا تَلْبِسُوا، أي: لا تخلطوا.. بحسب القرطبي، والطبري. لكن ما المعايير التي نستند إليها في تبيان الحق من الباطل؟ القرآن أول معيار. قال تعالى: "وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ*لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ". (فصلت: 41،42). فالقرآن هو الميزان العدل الذي نزن به الأمور، فلا نستند إلى خداع الشيطان، أو مكر الإنسان.. والباطل يجري عكس الطبيعة، بينما يخدم الكون سلطة الحق. والأمر هكذا، أوصى علي بن أبي طالب "أبا ذر" بقوله: "لا يؤنِسَنَّك إلاّ الحقّ، ولا يوحشنّك إلا الباطل". وقال تعالى: "وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً". (الإسراء :81). وقال الفُضيل بن عِياض: "إلزمْ طريقَ الهدَى، ولا يضرُّكَ قلَّةُ السالكين، وإياك وطرقَ الضلالة، ولا تغترَ بكثرة الهالكين". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد