الحب هو اكسير الحياة وسر الوجود وهو صنع الله سبحانه وتعالي, وهو عاطفة فطرية الهية عند كل المخلوقات ولا يستطيع الإنسان العيش بدون الحب إذ انه بمثابة الطاقة التي تعطي لوجوده معني وتدخل علي نفسه البهجة والسرور. ولا يختفي نبض العاطفة بالحب إلا مع المرض النفسي أو الوفاة والإنسان محب بطبعه, وداخله دوافع غريزية يتم التعبير عنها بصور شتي تشمل كل جوانبه الجسمية والنفسية والروحانية. والحب نوعان الطبيعي والصناعي, وشتان بينهما, حيث ان الحب الطبيعي هو الفطرة التي فطر الله عليها بني آدم بينما الحب الصناعي من صنع البشر ويخضع لتغيرات الظروف الحياتية. الحب الطبيعي مغروس في عمق الكيان البشري بأصول ثابتة في عقله وقلبه وفروعه متشعبة تسع كل المخلوقات وأوراقه وارفة يانعة تظلل كل الناس وأزهاره مثمرة يفوح عطرها عبر الأثير, أما الحب الصناعي فهو حالة من النزوة العابرة والإعجاب الزائف بقشرة عاطفية مغلفة بمواد حافظة تكسبها طعما ولونا ورائحة صناعية سرعان ما تذوب وتتلاشي مع انتهاء تاريخ الصلاحية عند كل من المحب والمحبوب والحب الطبيعي لا يعرف الحسابات المادية فهو عطاء بلا حدود وتضحية بلا قيود وإيثار بلا مردود, بينما الحب الصناعي أخذ بلا عطاء وطمع في اللذة مع التفاف حول الذات وأنانية مغلفة بمعسول الكلام وشح التضحية بالأفعال وتحكمه حسابات المكسب والخسارة. الحب الطبيعي أفعال لا أقوال واشعاع دافئ يصل القلب بالقلب ويتجاوز الذات من المنفعة الخاصة إلي الخير والمودة والرحمة لكل الناس, فهو حب الخير المطلق لكل الوجود ليصل إلي خالق الدنيا والوجود, وكما يقال الأرواح جنود مجندة من تعارف فيها ائتلف ومن تنافر منها اختلف وهذا يعني أن ذبذبات عاطفة الحب تتلاقي بين النفوس والأرواح بروابط وقدرات الهية, وهذا التلاقي يجمع بين القلوب الصافية المؤمنة اشعاعات عاطفية تلهب الوجدان وتشبع الأحاسيس وتضفي علي الفرد شيئا من الرضا والسعادة والاسترخاء والتوازن النفسي. أما إشعاعات الحب الصناعي فهي لاسعة بلهيب حارق وضار, وهذا الحب يخضع لحسابات الزمان والمكان وفيه طمع كبير من الطرفين يعكس الأنانية وحب الذات وتقلب المزاج بما يزيل الاستمتاع ويزيد الألم والمعاناة فتحترق المشاعر وتختفي أحاسيس الرضا والقناعة وحالة الهدوء والاستقرار النفسي. والحب الطبيعي دائم مستقر لا يهتز مع عواطف وتقلبات الزمان ولا يتغير مع تقدم العمر لأن أركانه ومقوماته ثابتة وأصوله راسخة. الحب الطبيعي يصل بين المحب والمحبوب برباط الهي روحاني مقدس لا ينفصم ولا يهتز ولا يشيخ ولا يتلاشي فهو نضج وعقل واتزان وصحة أما الحب الصناعي فهو قشرة سطحية زائفة تغلف العواطف والوجدان بمظاهر خادعة كاذبة سرعان ما تتبخر وتختفي مع أول محنة أو خلاف بين المحب والمحبوب فيتعري كل منهما وتظهر الحقيقة بالتباعد والهجر إلي غير رجعة وهنا نكتشف حقيقة التهور والاضطراب والضياع. د. يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة