في شارع المعز لدين الله الفاطمى كل شىء يسير فى اتجاه آخر. تشعر وكأن المصريين في حالة خصام مع التاريخ ، لا أحد يبدى اهتماما بالحفاظ على المكان ولا أحد يهتم بزيارته رغم ما يحوى من كنوز تاريخية . عمليات التطوير الباهظة التى تم تنفيذها على مراحل للشارع التاريخى كادت تذهب أدراج الرياح بعد ثورة 25 يناير2011 حيث سطا اللصوص والمارقون على الشارع ودمروا أنظمة الإضاءة الحديثة كما عاثوا فسادا في محيط مسجد الحاكم بأمره، الذى يعد واحدا من أقدم المساجد في العالم. تغيرت الصورة بعد ثورة 30 يونيو وتحركت الحكومة برئاسة المهندس إبراهيم محلب لإعادة الشارع إلى حالته بعد مشروع التطوير, وكثفت وزارة الداخلية من وجودها، ومع هذا لا تزال حالة شارع المعز لا تتناسب أبدا مع أهميته وقيمته . شارع المعز لدين الله الفاطمى فى قلب القاهرة هو أكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية في العالم، ويقع في منطقة الأزهر بالقاهرة التاريخية الاسلامية. ومنذ تسجيل القاهرة الاسلامية على قائمة التراث العالمي باليونسكو عام 1979 بدأت أعمال التطوير, إلى أن انطلق المشروع عام 1998 لإنقاذ 210 أثر تضررت في زلزال 1992 . هو الشارع الرئيسي الذي أنشأه الفاطميون لمدينة القاهرة القديمة. وقد سمي قبل ذلك بشارع بين القصرين. وهو الشارع الذي كانت تمر من خلاله مواكب الاحتفالات بالمحمل وكسوة الكعبة. والشارع بالفعل متحف مفتوح إذ يضم قدرا كبيرا من العمائر الإسلامية: الحربية والدينية والاجتماعية والتعليمية . الوصول إلى شارع المعز من باب النصر قد يكون الأنسب، الطريق ممهد وعريض ولكن ما أن تصل إلى بوابات الدخول حتى تكتشف أنها لا تتناسب أبدا مع قيمة المكان ولا يمكن أن تعكس أهميته، فهى تهدف إلى منع سير المركبات في ساعات النهار ويسمح بدخولها بعد التاسعة مساء .لكن الحواجز الموضوعة ومنظر الحراسات على الباب يحتاج إلى مراجعة وتخصيص مكان حضارى للحراسات وطريقه أخرى حديثة للتحكم في دخول وخروج المركبات. والبعض يسأل لماذا لا يتم منع المركبات نهائيا من دخوله, و يتم تعميم سيارات تعمل بالبطاريات؟ في الهند يحظر دخول السيارات إلى محيط تاج محل ويتم إنزال السائحين خارج مبنى تاج محل بمسافة كبيرة وتجرى بعد ذلك عمليات نقل السائحين بسيارات لا تعمل بالوقود.. فكيف يسمح بحركة السيارات في هذا الشارع ؟ كما أن في الشارع وكالات تجارية أنشطتها تعمل من خلال سيارات النقل الثقيل وهذا وضع غير مبرر، أما المدخل الخاص بالشارع من ناحية المشهد الحسينى فهو متعة في حد ذاتها، خصوصا خلال عبور أزقة خان الخليلى بثرائها وتنوعها، لكن الصورة ليست مريحة في محيط المشهد الحسينى من حيث العشوائية التى تحيط بالجامع الحسينى: عربات لبيع الأطعمة تثير الأسى في النفوس من فرط عدم احترام خصوصية وقيمة المكان، ولم يعد هناك موضع في كل أسوار المسجد بدون تعد وبدون تحويله إلى مكان لبيع الأطعمة أو الهدايا، وهي بالقطع مشاهد يعرفها كل زائر للقاهرة الفاطمية . بعد أن وصلت إلى بداية شارع المعز من ناحية الحسين سألنى مرشد سياحى طيب: هل حصلت على تذكرة حتى تشاهد ستة مزارات تاريخية فى شارع المعز لدين الله الفاطمى؟.. أجبته: ليس بعد.. فعاد وقال: سعرها زهيد هو جنيه واحد لا أكثر، تستطيع به أن تزور كل هذه المزارات التاريخية النادرة والمهمة . سرحت فى تفكير عميق بينى وبين نفسى ووقفت مشدوها امام كل هذا التاريخ. المرشد الطيب لم يتركنى طويلا وأنا غارق فى الخيال والتاريخ وشواهد الحضارة المصرية التى لا مثيل لها فى العالم. قال: هنا حضارة إسلامية خالدة غالبية الشعب لم يشاهدها . وواصل حديثه دون توقف: انظر أمامك وشاهد سبيل محمد على باشا الذى قام بإنشائه صدقة على روح ابنه إسماعيل باشا الذي توفى في السودان عام 1822ميلادية، هذا السبيل لايزال شاهدا على الحضارة، وفنون العمارة . تدخل فى الحوار المسئول عن عملية تنظيم دخول الزائرين وقال: قيمة التذكرة لا تساوى شيئا لكن الفكرة حث الناس على أهمية المكان وتنظيم عمليات الدخول . من بين المعالم المهمة فى شارع المعز جامع الحاكم بأمر الله، وهو المسجد الذى بني في عهد العزيز بالله الفاطمي سنة989 ميلادية, ولكنه توفى قبل الانتهاء منه، فأتمه ابنه الحاكم بأمر الله عامى 1012- 1013 ميلادية لذا نسب إليه وصار يعرف بجامع الحاكم، وبذلك يصبح عمر هذا المسجد الف عام وعامين ،هذا المسجد هو مكان ذو أهمية قصوى لطائفة البهرة وهى التى تولت إعادة ترميمه ويمثل مكانا مفضلا لأبناء الطائفة للعبادة والزيارة الحكومة فعلت كل ما يمكن من أجل إنقاذ شارع المعز لدين الله الفاطمى لكن ما الذى نفعله نحن تجاه الحفاظ على هذا الميراث التاريخى النادر؟ شىء لا يصدق . من يهتم بزيارة المكان؟ ومن يشجع على ذلك ؟.. فلماذا لا يشكل عشاق القاهرة الفاطمية وبعض السكان وملاك المحال مجلس أمناء يتولى مهام الحفاظ علي المكان ؟ وهي دعوة لكل المهتمين بالحفاظ على هذا التراث, والأمل كبير في أن ترى النور في وقت قريب وتكون من مهام المجلس العمل على الحفاظ على خصوصية المكان وتنظيم الفعاليات والأنشطة المحفزة وعقد المؤتمرات حول شارع المعز وآثاره، وهى مبادرة في حال تحقيقها ستكون تجربة ملهمة لحماية الآثار ودعم الدولة في هذه المهمة . التجول فى شارع المعز تجربة لا تنسى ولحظات غير معهودة, فهو مكان يجمع الفن المعمارى النادر، وعبق التاريخ وتناغم الأشياء وقيمة التفاصيل . لكن لايزال يحتاج إلى استمرار الاهتمام بعد التطوير, والحسم في تطبيق قواعد احترامه ، وان تفرض الدولة قانونها على كل من يوجد به حتى لا تضيع عمليات التطوير ويتأثر الشارع بتراثه جراء ذلك .