حملت لنا الشريعة الإسلامية الكثير من التعاليم والضوابط التي تحمي المجتمع من الانهيار وتحافظ علي العلاقات الإنسانية بين البشر, وقد وضعت الشريعة العقوبات التي أوجبت ضرورة تنفيذها في عدد من الجرائم التي تهز كيان المجتمعات وتقضي علي استقرار الأوطان. لكن البعض يعتقد أن الشريعة الإسلامية كلها عقوبات وحدود مع أن ذلك ليس صحيحا, فالشريعة الإسلامية تتضمن كل أمور الحياة يقول الدكتور عبدالفتاح إدريس رئيس قسم الفقه جامعة الأزهر, أمر الرسول صلي الله عليه وسلم بعدم التعدي علي حدود الله عز وجل, كما شدد الحق سبحانه وتعالي في وعيده علي من يستهين بالحدود ولا يراعيها, وذلك في قوله تعالي ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون, والحدود في الشريعة تشمل حد الزنا والقذف والسرقة وشرب الخمر وقطع الطريق والبغي, ولا يملك أحد أن يلغي تلك الحدود أو يعدل فيها أو يعفو عن تطبيق العقاب أو يستبدل العقوبة. ويضيف أنه لما كان حق الله مبنيا علي التحري والدقة, فإن الجريمة الحدية لا تثبت إلا في أضيق الحدود, وهناك شروط لارتكاب تلك الجريمة ويحتاج إثباتها نوعا معينا من الثبات قد لا يتوافر في كثير من الأحيان, وقد تكون تلك الشروط تعجيزية, ولهذا حض الرسول صلي الله عليه وسلم علي البعد عنها, وقال في الحديث الشريف ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا, كما أنه صلي الله عليه وسلم طالب بأن يتم ستر من يرتكب تلك الجرائم, ولما ذهب إليه رجل يخبره بأنه ارتكب واقعة الزنا لم يلتفت له الرسول وأشاح بوجهه عنه لعله ينصرف ولا يطبق عليه الحد, وعندما كرر الرجل الأمر علي الرسول صلي الله عليه وسلم طالبا أن يطبق عليه الحد, وعندما فعل الرسول ذلك لام عم الرجل وقال له: والله لو سترته بثوبك لكان خيرا له. ويؤكد أن الإسلام لا يتشوق لتوقيع العقوبات وتنفيذ الحدود بقدر ما يتشوق لستر الناس, والمستعرض لأحوال المسلمين في زمان الرسول صلي الله عليه وسلم وفي زمن الخلفاء الراشدين لا يجد عقوبات حدية قد وقعت إلا في مرات قليلة. وأضاف أن تعاليم الشريعة الإسلامية لا تطبق علي غير المسلمين, وبالتالي فالحدود لا تطبق علي غير المسلم. ومن جانبه, يؤكد الدكتور سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة, أن كثيرا من الناس لا يري في الشريعة إلا الحدود, والواقع أن الحدود تمثل جزءا قليلا جدا من الشريعة وأنها لم توضع إلا لحماية النفس والمال والعرض, فالشريعة الإسلامية في الاصطلاح ليست إلا هذه الأحكام الموجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية التي هي وحي من الله إلي نبيه محمد ليبلغها الي الناس, وتتسع هذه الأحكام لتشمل العبادات, والأخلاق والآداب, والتربية والدعوة والعلم والمعرفة والاجتماع والاقتصاد والسياسة والقضاء. وأشار الي أن العبادات هي الأحكام الشرعية التي تنظم علاقة المرء بربه, فتبين ما يجب عليه نحو خالقه من فعل الطاعات وترك المحرمات, كإقامة الصلاة والصيام والزكاة والحج وقراءة القرآن والدعاء وأداء الكفارات, وترك تناول المحرمات كالميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر وغيرها, أما الأخلاق والآداب فهي الأحكام التي تدعو الي التحلي بالآداب والسلوكيات الحسنة, والتخلي عن السلوكيات المشينة, أما التربية والدعوة فهي بمعني تربية النفس وتزكيتها وتربية الأولاد وتنشئتهم علي مكارم الأخلاق والدعوة العامة, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأضاف أنه بالنسبة لأحكام العلم والمعرفة في الشريعة, فهي الأحكام العامة التي تدعو الي طلب العلم والحث علي التعلم والفقه والفهم والسير في الأرض, والنظر في التاريخ الإنساني بهدف اكتشاف السنن الإلهية في الكون والحياة, كما تشمل أحكام التفكر في خلق الله, والتأمل في مظاهر قدرته, وتدبر مختلف الظواهر الكونية والاجتماعية والنفسية, أما الجانب الاجتماعي فيتمثل في مجموعة الأحكام التي تنظم العلاقات المدنية بين الناس وتتضمن أساسا أحكام الأسرة, من زواج وولاية وقوامة ونفقة وكفالة وطلاق وميراث وطاعة الوالدين, وكل الحقوق والواجبات بين أفراد الأسرة الواحدة, كما تتضمن أيضا أحكام ذوي القربي والأرحام وأحكام الجار ثم الحقوق العامة بين المسلمين وأحكام جماعة المسلمين وحقوق الأخوة بين المسلمين كافة. وأشار الي أن الجانب الاقتصادي يقصد به مجموعة الأحكام التي تهتم بشئون المال والثروة وتنظيم الملكية, وأحكام الكسب والعمل, وأحكام الزكاة, والنفقات, وكذلك الاستثمار والتعمير والإنتاج والتوزيع, وتنضم إليها الأحكام التي تعني بالصناعة والتجارة والزراعة والمساقاة والمغارسة وغيرها, وكل الأحكام التي تنظم تسخير الكون لصالح الإنسان تدعو إليه, أما الجانب السياسي فيقصد به تلك الأحكام التي تهتم بشئون الحكم والسلطان, أو ما يسمي بالسياسة الشرعية أو الأحكام السلطانية, وتتضمن أحكاما تتولي سلطات الحكم, وأحكام الشوري, وحقوق وواجبات السلطان والرعية, هذا من جهة السياسة الداخلية, أما من جهة السياسة الخارجية فإن أحكام النظام السياسي تشمل حتي أحكام العلاقات الدولية, وأحكام السلم والحرب, والمعاهدات, وتضاف الي ذلك أحكام الذميين والمستأمنين, والأقليات والجاليات.أما الجانب القضائي فيقصد به تلك الأحكام التي تعالج المنازعات والخصومات وتشمل أحكام تولي مناصب القضاء, وأحكام الادعاء والتجريم وأحكام الإثبات وأدلته كالشهود واليمين والبينات والقرائن, كما تشمل أحكام العقاب والحدود والتعزير وغيرها ومضامين كل نظام من هذه الأنظمة. وأكد عبدالجليل, أن الشريعة تشتمل علي كل هذه الجوانب بنصوص الوحي المعصوم (قرآن وسنة) بشكل مبادئ, ثم يأتي الفقه ليفسر النصوص التشريعية ويفرع الأصول, ويفصل المجمل, ويجتهد فيما يستجد.