جاء في مقال للأكاديمي البريطاني روجر أوين في جريدة الحياة اللندنية إن هناك مصالح ثابتة وقوية في مصر وإلي حد ما في تونس لاترغب في إحراز تقدم ثوري فحسب بل تسعي بشكل فاعل للعودة إلي الوضع السابق, فهل هذا الطرح وراء ترك المصريين منذ اندلاع الثورة في وضع بالغ الصعوبة أمنيا واقتصاديا وكأنهم يعاقبون بسبب مشاركتهم في الثورة أو تأييدهم لها؟! فيبعثون اليهم برسالة مفادها إن تلك الحريات لم تطعمكم من جوع أو تؤمنكم من خوف, فهل المقصود من هذا السيناريو هو تهيئتهم للتخلي عن حريتهم التي انتزعوها؟! في اعتقادي ان الأشهر القليلة المقبلة سوف تكون حاسمة إذ سيشتد فيها الصراع بين ثقافة الحرية الجديدة ومخزون ثقافة العبودية الذي يراهن صانعو الخوف والترويع علي أنه مخزون لاينضب! إذاكان الخوف من الفوضي شعورا انسانيا طبيعيا يحاول البعض استثماره وتغذيته خصوصا في حالة تقترب من الفراغ الأمني بغرض القبول بأي حكم غاشم يوفر الأمن لتجنب الفتنة, فعلينا أن نتذكر أن التخلص من الديكتاتورية ليس أمرا سهلا أو هينا لأنه يفتح الباب واسعا لانفجار الملفات الكثيرة المتراكمة من عقود الالغاء والتهميش, فلقد وصلت الشعوب في منطقتنا العربية وليس في مصر فقط إلي مرحلة التمرد علي واقعها الذي لم يلب الحد الأدني من العيش الشريف بكرامة وحرية. وعلي الذين يحاولون اعادتنا إلي سابق عهدنا أن يدركوا أن تلك المجتمعات المنتفضة بلا شك كانت علي علم بما سيلاقيها في الأيام التالية علي الثورة إلا أنها قررت أن تخوض غمار الجديد عوضا عن الارتماء في أحضان القديم الديكتاتوري المتسلط, فكما أن الخوف من الفوضي طبيعة انسانية تحاول بعض القوي استغلاله لصالحها فإن الثورة, هي الأخري طبيعة انسانية ضد وضع خاطيء واستبداد مزمن, فتحصن الأنظمة غير العادية بقوانين سيئة السمعة وجيوش وأجهزة أمنية لايحميها من شعب اكتشف حريته ومكانته وقوته. ان السلطة بطبيعتها مفسدة لأنها مغرية وتفرز في صاحبها الميل إلي التجبر بينما الطبيعة الانسانية تميل إلي المساواة وتقليل الفوارق واعتناق الحرية لكن الأفراد والمجتمعات من جهة أخري يتقبلون السلطة لأسباب تتعلق بالضرورة بالأمن الانساني الأوسع, فالسلطة شر لابد منه وحاجة تفرضها نشوء الدولة وتطورها وهذه الضرورة تتحول إلي مصدر صراع وخلاف عندما تفقد حياديتها وتتحول للقمع والاستئثار والاحتكار. أن التناقض بين الانسان وطبيعته وبين اغتصاب السلطة من جانب أقلية أو حزب أو طائفة أو عائلة أو قبيلة أو فرد هو الذي يتحول في لحظة تاريخية إلي ثورة.. وما السكون والصمت اللذان يسبقان الثورات إلا تعبير مخادع عن حالة غير طبيعة تنتظر التحول, هذا يعني أن الطبيعة البشرية تحركها الحاجة لتقليص دور السلطة وتحديد مهامها وحدود تدخلها في حياة المجتمع والفرد.. وحرية التعبير والحرية الشخصية والسياسية والانتخابات الشفافة والتداول السلمي للسلطة من المسائل التي تصارع من أجلها المجتمعات العربية الآن وهذا يفسر استمرار الثورات بعد الثورة كما يفسر خوف المجتمعات العربية من ديكتاتور جديد مهما كان غطاؤه الأمن أو الجيش أو الدين. خلاصة القول ان الانتقال السياسي في ظل الربيع العربي قاس وصعب للغاية لأنه جديد علينا وأتي بعد عقود عدة من الاستبداد والتسلط, وبالتالي فهو يصطدم مع ماتبقي من القوي القديمة وما برز من القوي الجديدة, لهذا سوف يستمر الصراع والجدال حول دور العسكريين في السياسة, فمع كل يوم تتغير المعادلة ويزداد الوعي بشروط الدولة المدنية الحديثة التي لايحكمها الجيش وفي نفس الوقت تتعمق حالة المبارزة بين تطبيق مفهوم محدد للشريعة يقوم علي استخدام الدولة كسلطة دينية وقمعية وبين مفاهيم حقوق الانسان والحريات وحقوق الأقليات والمرأة وهكذا فإن الصراع الناتج من هذا التناقض هو المعول عليه لفك طلاسم المعادلة الصعبة وهي المقدرة علي بناء الجديد من براثن القديم. د. عماد إسماعيل