عبارات كثيرة قالها مؤرخ الاغريق هيرودوت عن مصر .. غير أن عبارة واحدة هي التي ترسخت فى اذهاننا وذاكرتنا والتصقت بنا, حتي أصبحت معدننا وطينتنا وطبعنا وطبيعتنا. إنها عبارة مصر هبة النيل .. ومن يومها ونحن ننتظر من النيل أن يهبنا الرخاء والعيش والحياة ، فظللنا على حالة الانتظار نقول إن النيل ابوالمصريين ونلعن ابو الصحراء ونعطيها ظهرنا حتى صرنا رهائن مصاطبه وشواطئه .. بينما بدوي الرحالة قال : إذا لم يأت الجبل إلي محمد , فإن محمدا يجب أن يذهب إلي الجبل .. وهى عبارة لم يترب عليها الفلاح القديم .. فهى عبارة لو تربى عليها كان سيذهب إلى هناك في قلب الصحراء .. وهناك كنا سنجد النيل يلاحقه, في جوف الأرض , وليس عليه إلا أن يدق له المواسير ليتدفق الماء بالحياة.. ولما كان الوادى الجديد ضحية لهيردوت.. وحيدا بعيدا في عزلته يناجي المستثمرين والراغبين في حياة كلها رزق وطمانينة... لم يكن غريبا ابدا ونحن جلوسا فى هذا المكان ، أن يأتى الينا من بعيد صوت شاعرنا الخالد حافظ ابراهيم وهو يشدو حزينا: ماذا جنيت من الحياة ومن تجارب الدهور .. غيرالندامة و الأسي واليأس والدمع الغزير .. فلا اظن ان هناك أفضل يمكن ان تتذكره وتستمع اليه وتسافر معه بخيالك افضل مما قاله حافظ ابراهيم وكأنه يصف حال واحساس جبل فوسفات ابوطرطور الذى كان يقف خلفنا غاضبا من اثر الجدل والقلق الذى طالما اثير حوله ، حتى صارت سمعته فى ذاكرتنا مثل البيت "الوقف" والزوجة " الناشز " المشروع " اللغز " الذى يرجع إلى 30 سنة إلى الوراء, وعاصرته 12 حكومة, من حكومة الدكتور محمود فوزي التي ولد المشروع كحلم على يديها إلى حكومة الدكتور عاطف عبيد التي سقط المشروع كمشكلة في حجرها .. والذي تقول وثائقه التاريخيه إنه كلف الخزانة المصرية 5.6 مليار جنيه في أقل التقديرات ويحقق خسائر لا تكفي لتغطيتها حصيلة بيع المادة الخام التي تخرج من بطن الارض .. فهنا وفى هذا المكان " الصحراوى الموحش البعيد " الحقيقة التى جئنا من اجلها مازالت مدفونة تائهة تحت ركام الاطلال ، والبحث عنها يحتاج إلى صبر زاهد ، وموضوعية كاتب ، وضمير قاض, وخبرة عالم, , وحلم شاعر, وشجاعة حكومة تعترف بالخطأ, وتقبل دون تردد تصحيحه .
وكانت البداية عندما اصررنا على ان تكون كلمات حافظ ابراهيم هى مفتاح "دوار الصراحةة" نستقبل بداخله كل من يريد أن يحكى لنا عن حقيقة أسباب فشل تجارب الدهر التى كانت ، ونفتش عن أسرار الندم و الآسى واليأس الذين طالما أحاطوا بالمكانة.. وتحت اشعة الشمس الحارقة.. وعلى اصوات المعدات الثقيلة والنبش عن الثروات المتشابكة مع صخور الجبال، بين السواعد الوطنية وعرق المخلصين الذى يسقى الصحراء فكرا وصناعة.. كان دوارنا يفتح ابوابه لخبراء ومهندسين وعلماء واساتذة جامعة وحتى الطلاب الشباب كانت مقاعدهم فى قلب "القعدة "، كل هؤلاء جاءوا واستجابوا لنا يتقدمهم اللواء محمود عشماوى لعل وعسى وبالصراحة نستطيع ان نجفف ولو لترات من ذلك الدمع الغزير الذى طالما سال حزنا على مأساة هذا المشروع والمكان . ولكن وقبل أن نبدأ بلحظات سألونا: ولماذا لم يكن دواركم هناك فى القاعة بعيدا عن عواصف الاتربة والرمال و تلك الانهيارات المزعجة والاصوات العالية ورياح الصحراء التى ربما تغضب وتقهركم وتجبركم على الرحيل .. قلنا : نحن نتمسك بأن تكون أشعة الشمس خيوط مظلتنا والرياح بساطنا السحرى الذى سنمشى عليه وسط الرمال لمعرفة حقيقة مايجرى هنا . كانت سيارة الميكروباص تئن وتتوجع من سوء حال طرق لولبية غير ممهدة خطرة وهي تحملنا على مسافة 30 كيلومترا من مدينة (الخارجة) عاصمة (الوادي الجديد) إلى هذا المكان وكانت الاسئلة التى نود ان نفرش بها دوارنا ونستقبل بها ضيوفنا تزاحمنا فى مقاعدنا وتلاحقنا مع كل متر كانت تقطعه السيارة ، بدءا من سؤال إلى متى يستمر هذا المشروع عقيما؟ وهل فعلا يمكن أن يتطور ونضخ فيه أموالا هي بمثابة دماء جديدة في شرايين جافة .. وعندما وصلنا إلى مقرنا المختار، دارت رحى الاسئلة وعلت اصوات طواحين الاستفسارات وسط رمال توسلنا اليها الا تبتلع الاجابات الصريحة كما ابتلعت من قبل مليارات تم اهدارها فى هذا المشروع .. وإليكم التفاصيل . من ابراهيم شكرى الى الجنزورى كان لابد أن يكون ابراهيم خليل والملقب بمؤرخ الوادى هو الشاهد الاول ليروى لنا حقيقة تفاصيل ماجرى هنا ربما لايعرفها الكثيرون وكيف ولدت فكرة المشروع.. فتنهد الرجل طويلا وكأنه يستدعى السنين وقال: عام 58 بدأت الدراسات المبدئية لاقامة هذا المشروع من هيئة المساحة الجيولوجية، وفى عام 1974 وعندما تولى المهندس ابراهيم شكرى منصب محافظ الوادى الجديد وكان رجلا وطنيا فبدأ يهتم بهذه المنطقة بأنه دعا العديد من الباحثين لاستكمال هذه الدراسات للوصول الى حل ونتيجة، ثم جاء الجنزورى عام 1976 وكان اول ماشغله هو مشروع فوسفات ابو طرطور وبدأ يهتم بدراسة النواحى التخطيطية والنقل والمواصلات والإقامة والبنية الاساسية، ويعد هو اول من فكر فى نقل الفوسفات الى سفاجا عن طريق السكة الحديد باعتبارها أرخص الوسائل فى النقل ولكنه لم يحدد المسار.. ولكن عندما جاء الى هنا الرئيس الراحل انور السادات فى 4 يناير 78 وبصحبته 14 وزيرا آخر وقررا ان تكون تبعية المشروع الى وزارة الصناعة، وتم تكليف سليمان متولى وزير النقل والمواصلات بالمتابعه تعدل وتبدل الحال، فبينما كانت كل الاقتراحات وعلى رأسهم محمود البرنس احد ابناء المنطقة والذى كان محافظا للوادى الجديد آنذاك يرفضون مقترح سليمان متولى ويؤيدون أن يكون طريق انشاء السكة الحديد لنقل الفوسفات يسير باتجاه الى أسيوط لأنه سيقطع مسافة اقل وتكاليف محدودة وفوائد افضل من خدمة المحافظة ركاب وبضاعة ، ويمكن ان يكون هناك 4 قطارات "رايحين راجعين" يوميا... فى حين أن طريق الخارجة قنا - وقنا سفاجا هو طريق مكلف جدا وسيصل الى اكثر من مليار جنيه و غير امن لان جغرافيا المنطقة بها هضاب كثيرة وممرات مهربين ولايمكن ان يصلح وهو الطريق الذى اقترحه متولى، إلا أن الوزير متولى "ركب رأسه" وتشدد وهدد بالا يتم تنفيذ المشروع اذا استمر الرفض ومعارضة اقتراحه ، لينقلب الحال بعدها الى "سبوبه" وسقطت سكك حديد المشروع فى قبضة مافيا للطرق مما تسبب من حرمان الوادى الجديد من الاستثمارات وكانت هى بداية النكبة للسكة الحديد فى الوادى. واذا كنا جادين فى الاصلاح وان يعود هذا المشروع الى نقطة الصواب ويحقق اهدافة السليمة لابد من تغير الخط على ان يكون من فوسفات ابوطرطور الى أسيوط كفر الزيات او سفاجا. انفعال وغيرة ومأ أن انتهى مؤرخ الوادى من سرد حكاية تاسيس المشروع ، تساءل منسق رابطة أبناء الوادى الجديد للتنمية .. ولكن لماذا لايتم السماح لشركات القطاع الخاص بالتنقيب وضرورة دخول رءوس أموال اجنبية أو شخصية كأستثمار .. وكأنها العاصفة فقد انفعل المهندس أحمد بكر المدير التنفيذي لشركة فوسفات أبو طرطور رافضا الاقتراح وقال بحسم:" هذا الامر مرفوض تماما ودخول القطاع الخاص في مجال التنقيب واستخراج المعادن عمل غير وطني ومرفوض رفضا باتا"0 وما أن هدأ الرجل : سألنا اذا كانت لديكم كل هذه الغيرة الوطنية ونحن معكم ونؤيدكم لماذا يخسر المشروع وتكتفون فقط بتصدير الخام ولاتوجد لديكم طموحات التصنيع حتى اللحظة مع ان كل الآراء بح صوتها بان تتوقفوا عن ذلك المسار ؟ وهنا يقاطعنا المهندس احمد بكر المدير التنفيذي لشركة فوسفات ابو طرطور موضحا أنه عندما كانت تبعية المشروع لوزارة الصناعة كان طريقة استخراج الفوسفات تتم عن طريق الحفر مما كان لهذه التقنية المستخدمة ابلغ الأثر على الخسائر ( حيث كان تصل تكلفة استخراج الطن الى 1200 جنيه ) ، إلا أنه وعندما تم إنشاء شركة فوسفات مصر وبدء اتباع اسلوب ما يعرف "بالتنجيم السطحي" تراجعت تكلفة استخراج الفوسفات الى 60 جنيها فقط ، وتكلفة نقله تبلغ 90 جنيها ويباع الطن بحوالى 30 دولارا وإذا كانت نسبة تركيزه اعلى فيصل سعره الى 50 دولارا وأكثر ، اما فى حالة تصنيعه فسوف يصل الطن الى الف دولار ) ويعمل بالمشروع الآن نحو 1100 عامل ومهندس . فعدنا نتساءل: ولكن أنتم وبدون تصنيع هذه الخامات تهدرون ثروة الوطن المعدنية وتشكلون اضرارا بالغة على مصر ؟ فتدخل اللواء محمود عشماوى محافظ الوادى الجديد قائلا : كان لابد من بيع الفوسفات خاصة فى هذه المرحلة لأننا نملك احتياطيا يصل الى من 3 الى4 مليارات متر مكعب حتى يتم انشاء المصنع بأسلوب علمى ، والان يستخرج الطن ب70 جنيها ويباع مابين 300 او 400 جنيه والمكسب الضعف، وبالفعل هذا ما سلكته الشركة الحالية. قانون غريب وجامعات كسولة ومصانع غائبة ولما ازداد الدكتور محسن جامع استاذ الزراعة واستصلاح الاراضى تعجبا لما يسمع قال : نعم أشعر مثلكم ان الفوسفات بيطلع ببلاش" وقال أن الحل يكمن في ضرورة إنشاء مصنع سوبر فوسفات بالاضافة الي مطاحن و مصنع حامض كبرتيك وتعبئة لتكون كل هذه المصانع هنا في نفس الموقع ولن يكلف شيئا علي الدولة، عليها فقط ان تطرحه كمشروع قومي مثل مشروع قناةالسويس وسوف نجمع المليار جنية اللازمة لانشائه فورا وبالتالي لن نصدر الخام "ببلاش" و لن نتحمل حتي تكاليف نقل منتجات هذه المصانع مثل حامض الفوسفريك الذي يدخل في معظم الصناعات الغذائية والذي نستورده من الصين ب6000 جنيه الطن ، و مادة (الفلور) التي تستخدم في صناعة الارضيات, ولسنا في حاجة لأن نقول أن بيع المواد الخام لا يقارن ببيع المنتجات نهائية الصنع المستخرجة منها. كما يمكن انشاء مصانع للبوتاسيم الذي نستورده من اسبانيا بسعر يصل الي 7000 جنيه للطن والذي يمكن ان يباع مع الطفلة الخضراء الموجودة في هضبة ابو طرطور والذي يستخدم في تحسن الارض الرملية، وكذلك انشاء مصانع للسماد الذي نستورد منه انواع بسعر 10،000 جنيه للطن من المانيا. قلنا : إذن نحن جميعا لدينا حلم اسمه الصناعات التكميلية، فما الذى يمنعكم من استثمار هذه الخامات واستخراجها ؟ .. اجاب المديرالتنفيذى للمصنع : الامر يحتاج إلى تعديل قانون استخراج الثروات المعدنية فالشركة حاصلة على تصريح باستخراج خام الفوسفات فقط وغير مسموح بأستخراج أى من الخامات الاخرى والا تكون مخالفة ويتم وقف الشركة عن الانتاج ونأمل أن يحمل تعديل قانون الثروة المعدنية فرص اكبر لهذا التطوير المنشود الذي يهدف لانشاء مصانع لانتاج فوسفات و سوبر فوسفات و رفع تركيز الفوسفات وازالة الشوائب وتحسين نسبة الحديد به والتي تتعدي 4 وتم خفضها الي 2 وحققنا نتائج جيدة. قلنا: نحن معكم فى خوض معركة ضد هذا القانون ولكن حتى يتم ذلك هل لديكم خطوات جادة فى أنشاء مصانع تكميليه تعلو بقيمة هذه الخامات ؟ فاجاب الرجل : لقد سعينا لجذب المستثمرين وحصلنا علي عروض من بعض الشركات العربيه بعد اللجوء الى احد المكاتب الاستشارية العالمية لدراسة وضع المشروع والخامات المختلفة الموجودة في المنطقة وتحديد نسبها لنكون واقفين على ارض ثابتة عند عرض المشروع للاستثمارا وسنشارك بالبنية الاساسية الموجوده بالفعل إبتسمنا لما قاله مدير المصنع لأننا تذكرنا تصريحات وزير الصناعة فى حكومة عاطف عبيد وكأنه اليوم عندما قال إن 4 شركات عالمية (من 16 شركة أرسلوا لها الاوراق) تدرس وترحب بفكرة إنشاء المجمع الكيميائي بمناجم أبو طرطور, وكشف عن عرض بثلاثة مليارات جنيه تقدمت بها إحدى هذه الشركات, لكنه لم يكشف عن اسمها أو عن جنسيتها. وهذا مانخشى ان يكون هو ما نسمعه الان وللاسف الشديد بالحرف. ولكن تساءلنا:" ولماذا اللجوء لمكتب عالمي ليكون هو صاحب الدراسات التسويقية، اين مكاتب الخبرة المصرية واين خبراؤنا وعلماؤنا المصريون فى الخارج، اين دور الجامعات من توثيق ثروات مصر الطبيعية ولماذا يتم تجاهلها ؟ فتدخل الدكتور اشرف ابوالفتوح رئيس قسم الجغرافية بكلية الآداب جامعة اسيوط فرع الوادي الجديد قائلا: هذا هو دور الشركة بالدرجة الأولي فهي التي تطالب بإجراء دراسات لانها من وجهة نظرة حلقة الوصل بين كل التخصصات التي يري انها مهمة واضاف :" علي الاقل على الشركة أن تدعو لعقد مؤتمر مصغر يتم دعوة المتخصصين من كل المجالات" واشار ابو الفتوح إلى وجود بعض الدراسات البحثية التي تمت على هضبة ابو طرطور ولكنه وصفها "بالسطحية" ولكي تكون متخصصة على هذه الدراسات أن توضح الجدوي الاقتصادية من المشروع، ومرة أخري أكد ابو الفتوح أن الأمر عائد على الشركة التي لابد أن تخصص جزءاً من موزانتها للأبحاث والتطوير. فعقب عليه المهندس المدير التنفيذي للمشروع معاتبا : الشركة لم تقصر، الأمر متعلق بالجهات البحثية التي تحدد للشركة الطبقة التي نعمل عليها وللأسف لا يوجد أي مبادرات من الجهات البحثية وقال:"فأي ابحاث يمكن ان تتم وتقدم لهيئة التنمية الصناعية". ولما احتد الجدل الدائر بين الجهة العلمية و الجهة التنفيذية حول غياب التنسيق الذي قد يؤدي في النهاية إلى اهدار خامات و معادن "أبو طرطور" طالبنا بان ان يتم الاتفاق والآن على دخول هذا التنسيق دائرة التنفيذ خاصة وان الدكتور اشرف ابوالفتوح رئيس قسم الجغرافية رأى أن مايحدث يمثل اهدارا لحقوق لأجيال القادمة في هذه الخامات، وقال:" كون اننا ناخذ هذه الخامات ونصدرها بهذه الطريقة فنحن نهدر حقوقهم في استغلال هذه الخامات بشكل افضل في المستقبل وهذا امر لابد من النظر اليه في عملية التنمية المتكاملة بحيث لا ننظر فقط للاستفادة في الوقت الحالي ولكن ايضاً للمستقبل"ووصف الدكتور (محسن استاذ الزراعة واستصلاح الاراضى) المنظومة البحثية كلها "بالعشوائية" وشدد على ضرورة وجود سياسات وخطط و برامج ثابتة للتطوير. أما الدكتور عبدالحي علي فراج رئيس قسم الجيولجيه ووكيل كلية العلوم واستاذ هيدرولجي فطالب ضرورة تولي اقسام الجيولوجيا معظم الدراسات الخاصة بالوادي الجديد وهو ما يتطلب وجودهم بهذه الأماكن للمداومة كباحثين أو طلاب علي التواجد واضاف:"95٪ من مساحة مصر صحراء وهي كنز لا ينتهي من معادن و خامات مهدرة وضائعة تستحق البحث والعثور عليها ". إلا ان االدكتور اشرف يعود ليلمس نقطة مهمة وهى التكلفة العالية للنقل وكيف أن هناك تجاهلا للمميزات الهامة التى يتمتع بها هذا المكان لكونه منطقة مركزية بين اكثر من اتجاه بدأ من منخفض الخارجة الواصل بين ساحل البحر الاحمر ووادي النيل ومن ناحية اخري شمال غرب افريقيا وافريقا فهذه المنطقة المركزية للنقل كانت تضم طريق درب الاربعين الذي كان يربط سابقاً بين مصر والسودان والتشاد وعلينا أن نضع هذا التميز في الأعتبار ليكون هذا المشروع بوابة مصر لافريقيا" وهو الأمر الذى دعا محمود عميد كلية العلوم ليؤكد اهمية دور الجامعة و البحث العلمي وأن الايام المقبلة ستشهد حتما تواجدا ملحوظا للطلاب والمعيد والباحث ببعض الأماكن مثل شركة فوسفات أبو طرطور لدراسة بعض الجوانب العملية ومنها عناصر التربة النادرة وكيف نستخرج منها فوسفات أو انتاج عناصر أخرى فتركيز الخام والعناصر النادرة في هذه المنطقة كبير حيث يوجد طبقات للحجر الجيري والطفلة السودة و الخضراء والزرقاء وغيرها. قلنا : إذن هل يمكن ان نشهد يوما كلية العلوم وقد استقرت هنا فى هذا المكان ليستفيد الابناء والجيل الجديد من الخريجين بقسم الجيولوجيا والكيمياء وكافة الاقسام المتعلقة بهذه الصناعة؟ أجاب المحافظ: ليس من الضرورى انشاء الكلية بجانب الجبل ولكن يمكن اعداد دورات تعليمية وتدريبية ودورات استكشافية للطلبة هنا ، ولقد خصص 2000 فدان بمنطقة المنيرة لإنشاء 6 كليات بالوادى الجديد وهم كلية التربية والزراعة والعلوم والطب البيطرى.. لان هذه الكليات متعلقة بالبيئة والطبيعة المكانية للوادى.. إلا أننا ورغم احساسنا بأن هذا القانون الغريب يمنع هذه الشركة من إنشاء مصانع وتطوير منظومتها .. سألنا هل لدي الشركة فكرة عن أهداف خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة في عام 2014 / 2015 بأنها تفكر فى إقامة ثلاثة مشروعات ومنها مشروع صناعي لانتاج سماد سوبر فوسفات أحادي وثلاثي بمنطقة الصناعات الثقيلة ( الخارجة - الوادي الجدي) بطاقة انتاجية مليون طن سماد سوبر فوسفات أحادي ناعم ومحبب و500ألف طن سماد سوبر فوسفات ثلاثي ناعم ومحبب ؟ فأجاب المهندس أحمد قائلا أنه اذا كان لدي الدولة خطة لانشاء هذه المصانع بالفعل فعليها ان تخطط لانشائها هنا بجوار ارض مشروع فوسفات ابو طرطور وليس في اي مكان آخر. طلاب غاضبون وكان الغريب في الأمر هو ما سمعناه من الطلاب المشاركين معنا في الدوار، فقد ابدوا استياءهم البالغ من عدم تقدير الدولة و الشركات لاقسام الجيولوجيا والتعدين وكليات العلوم وان اغلب خريجي هذه الاقسام لا يجدون فرص عمل في الشركات او في المواقع التي تتطلب تخصصاتهم فلا يوجد ربط بين ما يدرسونه وسوق العمل وقال حسين محمود من ابناء الوادي الجديد وطالب بالصف الثاني بكلية علوم الوادي الجديد:" اخطط بالفعل للسفر خارج مصر بعد التخرج لان فرص العمل بتخصصي افضل في الخارج.. هناك تعتيم متعمد على البحث العلمى فى مصر، وان الدولة لا تدعم الطلاب والباحثين بكلية العلوم لذلك اغلب الشباب مثلى يريدون العمل بالخارج " وقد تقبل الحضور هذا الفكر بتفهم مشددين على ضرورة اهتمام الشركات بالجانب البحثي والعلمي والذي سيسهم في زيادة العائد الاقتصادي لأي مشروع، فعقب عليه الدكتور محمود احمد عميد كلية العلوم محاولا أن يهدأ من انفعال الشاب الذي بدي واضحا عليه وقال :"نعم .. معك كل الحق يا ابني، فحينما تتدخل السياسة في المشروعات القومية تفسدها ودعني اذكركم بحكاية الروس وطرد السادات لهم وكيف توقفت الدراسات بالمشروع وتوقف قبل أن يبدأ واتجه المشروع بعد ذلك الي الغرب ثم رأينا محاولات الدول الغربية للحصول على اليورانيوم وغيرها من الخامات المطلوبة ولكن مع طرد الروس توقف كل شئ ويكمل عميد كلية العلوم حديثة للباب قائلا:" المشكلة عندنا انه ليس لدينا معامل تعمل فى هذا المجال واذا كانت فهى ضعيفة وضعيفة جداً ولا تستطيع استخراج مادة اليورانيوم من الفوسفات، وهذه هي الثروة الحقيقية في الفوسفات, , فكل 300 ألف طن من الفوسفات الخام تعطينا 12 طنا من اليورانيوم بسعر 2500 دولار, وهو ما يقفز بالقيمة الاقتصادية للمشروع من الارض إلى السماء, وهو ما يحوله أيضا من مشروع اقتصادي إلى مشروع استراتيجي. وربما لاتعرفون أن أول يورانيوم حصلت عليه اسرائيل في مشروعها النووي كان تراكمات ورواسب الفوسفات في صحراء النقب, كان ذلك في عام 1945 قبل انشاء الدولة, انتهى كلام المشاركين في الدوار عند هذا الحد إلا أن الاجابات الحاسمة مازالت معلقة.. ويبقى السؤال الذى نظن انه لابد وان يتطلب اجابة سريعة.. ماذا ينتظر الرئيس السيسى لكى يصدر قانونا مثلما اصدر قوانين عديدة فى الايام الماضية لالغاء قانون استخراج الثروة المعدنية الغريب والذى حدد نسل شركات الفوسفات بالمنع عن البحث واكتشاف خامات اخرى ، ثم ماذا ينتظر الرئيس لكى يكون هناك هيئة عليا لادارة الوادى الجديد وثرواته مثل سيناء .. وهو يمثل نصف مساحة الوطن تقريبا ..