في الوقت الذي احتدم فيه النقاش في مصر حول فكرة االرئيس التوافقيب شهدت ألمانيا جدلا مماثلا في بحثها عن رئيس جديد يحل محل الرئيس كريستيان فولف الذي إضطر للاستقالة تحت وطأة الاتهامات له بالانتفاع من علاقاته برجال الأعمال وأصدقائه الأثرياء عندما كان رئيسا لوزراء ولاية ساكسونيا السفلي. وقد اتفق حزبا الئتلاف الحاكم الذي ترأسه المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل مع حزبي المعارضة الرئيسيين علي اختيار الناشط الحقوقي والقس البروتستانتي يواخيم جاوك رئيسا توافقيا لألمانيا في خطوة اعتبرها الكثيرون هزيمة لميركل التي لم تكن تريده. غير أنه مع اقتراب موعد انتخاب جاوك وتسليط الأضواء علي مواقفه المختلفة تلوح في الأفق مؤشرات علي أن الرئيس التوافقي سيكون رئيسا اصعباب لن يرضي جميع الأحزاب التي أتت به ولن ترضي عنه قطاعات عريضة في المجتمع الألماني أيضا. عندما استقال كريستيان فولف الأسبوع الماضي ليستبق قرار البوندستاج الألماني برفع الحصانة عنه, وجهت ميركل كلمة للشعب الألماني اشادت فيها بدولة القانون في ألمانيا التي يتساوي فيها الرئيس بأي مواطن عادي أمام القضاء, ووعدت المستشارة بأن الحزب المسيحي الديمقراطي وشريكه في الائتلاف الحاكم الحزب الليبرالي لن ينفردا هذه المرة باختيار الرئيس المقبل, ولكن سيتم الاتفاق حوله مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي أكبر أحزاب المعارضة ويليه حزب الخضر المعارض أيضا, مستبعدة حزب اليسار المعارض الذي ينظر له باعتباره من افلولب النظام الشيوعي في ألمانياالشرقية سابقا. ولم تتخذ ميركل هذه الخطوة كبادرة حسن نية تجاه المعارضة بقدر ما اضطرت لها نظرا لأن اتئلافها الحاكم لايملك في التجمع الاتحادي المنوط به انتخاب الرئيس سوي اغلبية تقدر ببضعة مقاعد لاتضمن لها حقيقة تمرير مرشحها اذا ما قرر بعض الأعضاء تغيير مواقفهم مثلا, وهو ما حدث من قبل. السبب الثاني هو أن كريستيان فولف هو ثاني مرشح تأتي به ميركل لأرفع منصب في ألمانيا ولكنه يخرج بفضيحة, فقد سبقه هورست كوهلر الذي استقال لأنه لم يتحمل النقد الإعلامي له ولأدائه الباهت. وعلي الفور تصدر يواخيم جاوك بورصة الترشيحات, فقد كان مرشح المعارضة أمام فولف في انتخابات الرئاسة عام2010 وتمكن من احراجه, حيث لم يفز فولف سوي في الجولة الثالثة من الاقتراع. غير أن المستشارة ميركل رفضت جاوك لأنه سيذكر الجميع بفشل الرئيس السابق القريب منها وفضلت بدلا منه وزير البيئة السابق كلاوس توبفر وبدا أن الأزمة ستتفاقم بين الحكومة والمعارضة حول الرئيس الجديد, غير أن الحزب الليبرالي فجر مفاجأة غير متوقعة بإعلانه دعم مرشح المعارضة يواخيم جاوك رغم أنف المستشارة, في خطوة توقع المراقبون أن تؤدي إلي انهيار الائتلاف الحاكم. وهو ما لم يحدث لأن ميركل بدورها فاجأت الجميع بموافقتها علي جاوك الذي أصبح في حكم المؤكد رئيس ألمانيا المقبل. في البداية تم تفسير ما حدث بأن الليبراليين الذين تدنت شعبيتهم بسبب تبعيتهم لحزب ميركل وعدم تحقيقهم أي من وعودهم الانتخابية رأوا في تلك الخطوة فرصة لتحرير انفسهم من قبضة المستشارة التي لم يكن أمامها سوي الرضوخ للأمر الواقع. ولكن ما حدث فعلا هو أن ميركل فوتت الفرصة علي الاشتراكيين والخضرلتقويض ائتلافها الحاكم, وكشفت استطلاعات الرأي عن أن شعبية الائتلاف زادت بالصعود الطفيف لشعبية الحزب الليبرالي. والأدهي من ذلك أن وسائل الإعلام بدأت في تسليط الضوء علي المرشح الاوحد للرئاسة يواخيم جاوك لتكشف عن آراء ومواقف له في غاية الغرابة من قضايا تمس المواطن الألماني, الأمر الذي اثار سخط المعارضة خاصة حزب الخضر الذي كان اول من طرحه كمرشح لهذا المنصب. فعلي سبيل المثال وصف يواخيم جاوك حركة احتلوا الشبابية المناهضة لتزايد نفوذ البنوك والمؤسسات المالية والمناهضة للرأسمالية الجشعة, بأنها حركة ساذجة منتقدا من يحلم بعالم ينهزم فيه رأس المال وحرية السوق, مبررا ذلك بأنه ينتمي إلي المانياالشرقية حيث كانت البنوك تحت سيطرة الدولة. كذلك اثار جاوك إستياء المهاجرين والأجانب في المانيا بعد أن وصف السياسي السابق تيلو ساراتسين بالشجاعة رغم أن ساراستين اشعل ازمة حادة وتسبب في انقسام المجتمع الألماني بسبب كتاباته وإتهاماته العنصرية للأجانب بالغباء وعدم القدرة علي الاندماج والتي دفعت معظم القوي السياسية في المانيا للتبرء منه, بينما اشادت به التيارات اليمنية المتطرفة. كما اثار جاوك استياء المسلمين تحديدا إثرمشاركته في تكريم رسام الكاريكاير الدنماركي فسترجارد في مدينة بوتسدام عام2010 والقائه كلمة اشاد فيها بشجاعته في مواجهة التهديدات بالقتل, ودعا إلي الدفاع عن حرية الرأي. هذا إلي جانب تأييد جاوك لمشاركة القوات الألمانية في مهام خارجية, كما في افغانستان وهو ما يرفضه غالبية الألمان في استطلاعات الرأي. وقد دفع ذلك كريستيان شتروبله وغيره من القياديين في حزب الخضر لتصريحات إستبعدوا فيها أن يكون جاوك رئيسا لكل الألمان. ويؤكد ذلك رفض سكان مدينة روستوك, مسقط راسه, منحه لقب مواطن شرفي معتبرين انه لم يكن ضمن ابرز المعارضين للنظام الشيوعي قبل إعادة توحيد المانيا. كذلك ينتقد كثيرون الرئيس المقبل الذي يعيش مع صديقته منفصلا عن زوجته وام اولاده الأربعة منذ أكثر من عشرين عاما دون طلاق, باعتبار ذلك لا يتفق مع النموذج والمثال الذي يمثله من يشغل هذا المنصب الرفيع. وهكذا يستمر الجدل حول رئيس ألمانيا المقبل وهو جدل تتابعه المستشارة ميركل بعين من الرضا.