تابعت بإهتمام مؤتمر علماء المسلمين الذى عقد في الأسبوع الأول من ديسمبر الحالي، ونظمه الأزهر الشريف وافتتح أعماله القطبان الكبيران فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا تاوضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بمشاركة نحو ستمائة من علماء المسلمين من مائة وعشرين دولة ورؤساء الكنائس الشرقية وممثلين من مختلف الطوائف الأخري، الذين ناقشوا باستفاضة وعلي مدي ثلاثة أيام الإسلام الصحيح السمح الذي يرفض العنف ويدعوا إلي التراحم والمحبة بين الشعوب وكيف استطاع المسلمون والأقباط أن يصنعوا علي أرض الأديان وملتقي الأنبياء والرسل أول وحدة وطنية عرفها التاريخ. وكان سبب إهتمامي بهذه الكوكبة الكبيرة من المسلمين والأقباط هو أن هذا المؤتمر أعادني إلي الوراء أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً مضي عندما أنتج الإعلام المصري عملاً فنياً رائعاً ( قطاع التليفزيون ) في شكل أوبريت يتحدث عن نفس المسعي والهدف ويؤكد أن مصر أرض الأديان بمسلميها وأقباطها هم في رباط إلي يوم القيامة حيث أوضح الإمام الأكبر أن الإسلام أقر التعايش السلمي بين الأديان كافة، كما أقر البابا تاوضروس من جانبه أن الفارق الوحيد بين المصريين هو أن المسلم يتعبد في المسجد والمسيحي يتعبد في الكنيسة، وأن رسالة الأنسان العيش في سلام والحفاظ علي المعتقدات ، وأن المسلمين والأقباط صنعوا معاً أكبر إنتصار في تاريخ العسكرية المصرية في أكتوبر سنة 1973 وهو ما ترجمته هذه الملحمة الفنية ( أرض الأديان ) التي صاغها لحناً الموسيقار حلمي بكر وقام بتوزيعها المؤلف الموسيقي القبطي ميشيل المصري من إخراج وإستعراضات الفنان عادل عبده وصاغها تأليفاً ونظمها شعراً صاحب هذه السطور، وقامت فيه الفنانة الكبيرة الراحلة فايزة أحمد بدور الراوية التي تحكي للمشاهد المصري والعربي حكايات الأنبياء والرسل الذين مروا علي مصر من أرض سيناء بداية من رحلة العائلة المقدسة للسيدة مريم العذراء حاملة وليدها سيدنا عيسى عليه السلام وبصحبة يوسف النجار وكيف رحب بها المصريون بكل الود والمحبة ، إلى جانب قصة سيدنا موسى عليه السلام الذي ناجي ربه فوق أرض سيناء ( ربى أرنى انظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلي الجبل فإن إستقر مكانه فسوف ترانى ) بالإضافة إلى قصص بعض الأنبياء والرسل الآخرين الذين إحتضنتهم مصر وإنتهاءً بالفتح الإسلامي علي يد عمرو بن العاص، وكيف كان المسيحيون فرحين باستقباله .. فقد حققت هذه الملحمة الفنية نجاحاً مبهراً عندما نقلها التليفزيون والأذاعة علي الهواء بمشاركة ثمانية مطربين ومطربات تبادلوا الغناء مع فايزة أحمد بالإضافة إلي الكورال الذي يمثل جماهير المسلمين والأقباط الذين عاشوا علي ضفاف النيل وتغنوا بسحره وجماله منذ الازل ،أما الحكاية التى أرويها بهذه المناسبة وأعادني بها المؤتمر إلي السنوات الطويلة التي مضت علي انتاج هذا العمل ( أرض الأديان ) الذي كان بمثابة ترجمة حقيقية لمشاعر علماء المسلمين ورؤساء الكنائس والطوائف اللذين تجمعوا علي أرض مصر فقد كنت خارجاً من نقابة الصحفيين وقبل أن أصل إلي ناصية شارع رمسيس وجدت من يربت علي كتفي قرب مدخل نقابة المحامين المجاورة وإذا به المحامي القدير فهمي ناشد عضو مجلس الشوري في زمن الرئيس الراحل محمد أنور السادات ليقول لي بعد كلمات الترحيب ( مبروك أرض الأديان ) فقد استمعنا الي هذا العمل وأن البابا شنودة معجب به جداً ويعتبره من أفضل الأعمال التي عبرت عن روح الود والمحبة والتسامح والتآخي التي جمعت بين المسلمين والأقباط علي أرض مصر، وأن تأثيره الإيجابي في توثيق العلاقة بين المصريين وتضامنهم وتوحدهم أفضل بكثير من المؤتمرات التي تناقش هذه القضية وتنفق عليها الدولة أموالاً طائلة، وقال ناشد أنه ترجم إعجاب البابا بهذا العمل وإعجابه هو أيضاً في طلب إحاطه تقدم به في مجلس الشعب إلي المسئولين بوزارة الإعلام وهيئة الإستعلامات بضرورة ترجمته إلي اللغات المختلفة ليعرض علي شاشات التليفزيون في الخارج خاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا وأستراليا والدول الأوروبية التي تحظي بأكبر تجمعات من المسيحيين حيث يربطهم هذا العمل بوطنهم الأم مصر ، وأستضافني علي فنجان شاي في حديقة نقابة المحامين وطلب مني أن اعيد له كلمات ثلاثة مقاطع كانت في قمة إعجاب البابا بها وبه ايضاً وهي مقطع وصول السيدة مريم إلي مصر تحمل وليدها في هذه الرحلة « مريم خافت ع النبي عيسى .. غدر الطغيان .. راحت شايلاه .. بين أحضانها .. علي صدر حنان .. تحرصها ملايكة ألوف ..ماشيين حواليها صفوف .. قابلتها مصر بزغرودة وغنوة إيمان « لننتقل بعد ذلك إلي كوبليه سيدنا موسي الذي أعجبهما أيضاً » سبحان الله .. في علاه .. لما يكلم إنسان .. يفرش نوره .. حوالين الدنيا في كل مكان .. يتهز الكون .. والنبي موسي .. يسمع بركان .. يتعجب موسى ويتكلم .. ويكلم ربه ويتعلم .. يسمع من أرضنا .. فوق سينا صوت الرحمن ..» إلي أن نصل إلي الفتح الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص والذي يتغنى به الفنان هاني شاكر « وف وقت ما كان .. الكون تايه .. في بحور أوهام .. ونهار الدنيا صبح ليلها .. والأرض ظلام .. أنزل قرآنه .. علي محمد .. معجزة كبري .. لواحد أوحد .. سبحان من خلي الكون .. نور .. بهدي الاسلام .. الله ع الشعب » وأعود إلي أربع سنوات حيث لا يزال هذا العمل يرن في أذهان الكثيرين يتذكر حلمي بكر وميشيل المصري إعجاب البابا شنودة به ويتذكران طلب الإحاطة الذي تقدم به فهمي ناشد يطلب ترجمته إلي اللغات الأجنبية وإرسال نسخ مترجمة منه إلي سفاراتنا ومكاتبنا الإعلامية والسياحية بالخارج، ثم يعكف الملحن والموزع لإعادة توزيع هذا العمل من جديد والاستفادة بالتقنيات الحديثة في الموسيقي التي تواكب العصر ولم تكن متوافرة منذ أكثر من ثلاثين عاماً ويعقدان جلسة مع رئيس إتحاد الاذاعة والتليفزيون لتنفيذ أرض الاديان بالصورة الحديثة متبرعين بأجورهم وجهودهم من أجل هذا العمل الوطنى لكى يخرج إلي النور . ولكن ليس كل ما يطلب المرء يدركه فقد تعطل تنفيذ هذا العمل بالصورة المطلوبة لبعض المعوقات التي حالت دون ذالك وكانا يتمنيان أن يذاع هذا العمل في افتتاح مؤتمر علماء المسلمين ورؤساء الكنائس الذين تجمعوا علي أرض الاديان ( مصر ) وفي حضور د. أحمد الطيب والبابا تاوضروس بأعتباره أفضل ما يقدمه التليفزيون في هذه المناسبة حيث كان صوت الراحلة والفنانة الكبيرة فايزة أحمد سيجلجل من جديد وسط هذه الكوكبة وهى تغني بكل الحب والاحساس الصادق « كل الأديان .. عايشة في أمان .. في بلد واحد .. ضمتهم مصر .. في أحضانها .. في وطن واحد .. وقلوب الناس كلها إحساس .. بإله واحد .. أحلامهم صاحية لبلدهم .. يبنوا ويعلوا لأولادهم .. يعزفوا ألحان الحرية .. بنغم واحد .. الله ع الشعب «