المشاط: 10 مليارات جنيه استثمارات حكومية لتنفيذ مشروعات تنموية بشمال وجنوب سيناء    انطلاق معرض "صنع في مصر" بجامعة عين شمس    السفير محمود كارم: قانون اللجوء يُجسد التزام الدولة الراسخ بمبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان (صور)    محافظ الجيزة: جولات ميدانية لمتابعة انتظام توزيع الأسمدة الزراعية المدعمة    حكم قضائي بفسخ عقد إيجار وطرد المستأجرين لعدم تحديد المدة بمحكمة الفيوم    رئيس الوزراء الفرنسي المستقيل: الظروف لم تكن مناسبة لأصبح رئيسا للوزراء    موقف نانت، ترتيب الدوري الفرنسي بعد الجولة السابعة    الحبس عاما لعاطل متهم بالتحرش بفتاة في السلام    طلب إحاطة بشأن واقعة اختفاء لوحة أثرية من مقبرة "خنتي كا" بسقارة    أسوأ 7 أطعمة يمكن تناولها على الإفطار، احذريها    طن «عز» الآن.. سعر الحديد اليوم الاثنين 6 أكتوبر 2025 محليا وأرض المصنع    كامل الوزير يبحث مع وفد البنك الدولي دعم مشروعات النقل والصناعة وتطوير الكوادر البشرية    كجوك والخطيب: القطاع الخاص المصرى مرن وإيجابي وقادر على التطور والنمو والمنافسة محليًا ودوليًا    الغمراوي: هدفنا تعزيز الأمن الدوائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المستحضرات الحيوية    ضبط المنظومة الزراعية.. هكذا تواجه «الجيزة» الاحتكار الزراعي وتضمن توزيع الأسمدة    بعد تخصيص 21 درجة لطلاب الدفعة الثامنة.. أطباء الجامعية بقنا يحتجون بمذكرة لوزير الصحة    رئيس الوزراء الفرنسي بعد استقالته: لا يمكن أن أكون رئيسًا للوزراء عندما لا تستوفي الشروط    انتصار السيسي: نستلهم من روح أكتوبر معاني التضحية والانتماء ونغرسها في نفوس أبنائنا    وكيل يانيك فيريرا: المدرب رفض عرضًا لتدريب الأهلي قبل موسيماني    شوبير: هناك من يعملون في اتحاد الكرة خلف الكواليس لإعاقة المنتخب الوطني    تايكوندو - لتكرار إنجاز هداية ملاك.. روسيندو يتولى قيادة منتخب مصر حتى أولمبياد لوس أنجلوس    «التضامن» تشارك في ورشة عمل بجامعة الأزهر لمتابعة توصيات «المرأة في حياة ذوي الاحتياجات الخاصة»    برودة وحرارة.. أجواء خريفية تضرب محافظة الأقصر اليوم والعظمة 35 درجة    ضبط 925 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو يُظهر اعتداء على مواطن وأسرته بدمياط    بسبب لعب الصغار.. وفاة سيدة إثر مشاجرة بإحدى قرى كفر الشيخ    مصرع عامل إثر سقوطه من مكان مرتفع داخل مصنع بمدينة 6 أكتوبر    كامل الوزير يتقدم بالتهنئة للرئيس السيسي بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر ال 52    اليوم.. تكريم رياض الخولي والإسباني رافايل بينيتو في ختام «القاهرة للمونودراما»    الثقافة هذا الأسبوع| احتفالات مكثفة بنصر أكتوبر وانطلاق الملتقى الأول لمراسم الغربية    لماذا يستجيب الله دعاء المسافر؟.. أسامة الجندي يجيب    زيادة جديدة في سعر الفراخ البيضاء الآن.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 6-10-2025 صباحًا    «الصحة»: 36.5 مليار جنيه متوسط المبيعات الشهرية للأدوية بالسوق المصري    نائب وزير الصحة يختتم جولته بالدقهلية بتفقد مستشفيات المنصورة والمعهد الفني الصحي    للمسنين.. 5 نصائح ذهبية لنوم مريح بعيدا عن الأرق    السعودية تتيح أداء العمرة لجميع حاملى التأشيرات.. انفوجراف    جمهور آمال ماهر يتفاعل مع سكة السلامة واتقى ربنا فيا بقصر عابدين    الرئيس السيسي يوجه التحية لترامب لمبادرته لوقف إطلاق النار في غزة    ما حكم وضع المال فى البريد؟.. دار الإفتاء تجيب    دار الإفتاء: الاحتفال بنصر أكتوبر وفاء وعرفان لمن بذلوا أرواحهم فداء الوطن    زلزال بقوة 5.9 درجة يضرب جنوب كازاخستان    وليد صلاح الدين: لا صحة لمشادة أفشة مع الجهاز الفني.. والشائعات أصبحت متكررة    حدث في أمريكا .. قاضية فيدرالية تمنع ترامب من نشر الحرس الوطنى فى ولاية أوريجون    صحف إسبانيا تحيي الذكرى الثانية لحرب غزة بمظاهرات حاشدة وتنديد بحصار إسرائيل    رئيس وزراء باكستان يؤكد التزام بلاده بتعزيز العلاقات مع ماليزيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-10-2025 في محافظة قنا    لهذا السبب.. ضياء الميرغني يتصدر تريند "جوجل"    " التعليم " تكشف أهمية التقييمات الأسبوعية والاختبار الشهري لصفوف النقل.. تعرف عليها    هيكون أسهل بكتير.. 5 نصائح من خبراء التنظيف تجعل بيتك نظيف ب أقل مجهود    ماذا قال رئيس الاتحاد السكندري عن الدوري الاستثنائي وأحمد دياب ؟    نهر النيل لا يعرف الهزيمة    «العناني» يقترب من منصب المدير العام الجديد لليونسكو    مزيج بين الجريمة والدراما.. موعد عرض مسلسل المحتالون التركي الحلقة 1    منتخب مصر يودّع كأس العالم للشباب رسميًا    سكته قلبية.. وفاة شخص قبل نظر نزاع على منزل مع زوجته وشقيقه بمحكمة الإسكندرية    يلا كورة بث مباشر.. مشاهدة السعودية × النرويج YouTube بث مباشر دون "تشفير أو فلوس" | مباراة ودية دولية 2025    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 6-10-2025 في بني سويف    هناك من يحاول التقرب منك.. حظ برج القوس اليوم 6 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد عقل.. الشاعر

أواصل اليوم حديثى عن الشاعر اللبنانى سعيد عقل الذى رحل أواخر الشهر الماضى بعد أن ملأ الدنيا، وشغل الناس بشعره ونثره وبحياته
التى امتدت عامين بعد المائة، وبمواقفه الفكرية والسياسية التى اتسمت بالتطرف، وصدمت الكثيرين، وأثارت فى كثير من البلاد العربية ردود فعل سلبية باعدت بينه وبين الجمهور الذى قاطعه شاعرا، كما قاطعه سياسيا... وقد حدثتكم فى مقالة الاربعاء الماضى عن المناخ العام الذى عاش فيه سعيد عقل، وعن الظروف التى ذهبت به إلي، حيث ذهب، فلم يكن محقا دائما، ولم يكن حكيما، واليوم أحدثكم عن سعيد عقل الشاعر الذى آن لنا أن نتعرف عليه بعيدا عن رأينا فى سعيد عقل السياسي، وسوف نبدأ بمناقشة سريعة لهذه المسألة التى كانت موضوعات لتساؤلات بعض من تفضلوا بقراءة مقالة الاربعاء الماضي.
هل يمكن الفصل بين شعر الشاعر ومواقفه السياسية؟، ومن المؤكد أن الشعر شكل من أشكال التعبير، وأن النشاط السياسى شكل آخر، والإنسان يعبر عن نفسه بالشعر وبالسياسة، وبغيرهما من أشكال النشاط، واختلاف شكل التعبير لا يعنى أن الشخصية انقسمت على نفسها أو تعددت إلا إذا كان المعنى المقصود هو تغير المناخات، وتعدد الحالات التى ينتقل فيها الإنسان من الحيرة إلى الاستقرار، أو من ضبط النفس إلى الاستسلام للانفعال، والشعر نشاط له شروط تختلف اختلافا جوهريا عن النشاط السياسي. الشعر إبداع يمارسه الشاعر، وهو فى عزلة عن غيره، وهو حر يمتلك نفسه ويمتلك أدواته، ويخاطب فيه البشر جميعا ويطلب فيه الجمال، أما السياسة، فنشاط مشترك يمارسه الإنسان مع غيره من المواطنين، وهى أفعال وردود أفعال يتعرض صاحبها للاغراءات والمخاوف ويتأثر بظروف الواقع، ويسعى لتحقيق النجاح العملي، وعلى هذا الأساس نميز بين سعيد عقل السياسى وسعيد عقل الشاعر.
هذه المسافة الفاصلة بين النشاط الابداعى والنشاط السياسى ليست ثابتة، وليست واحدة عند كل الذين جمعوا بينهما، فالسياسة حين تكون نضالا وتضحية فى سبيل المبدأ غير السياسة، حين تكون سعيا للوصول إلى السلطة، كما أن الشعر حين يكون ابداعا خالصا غير الشعر حين يكون انتظارا لمكافأة أو بحثا عن مكان.
والعجيب أن سعيد عقل الذى انخرط فى السياسة العملية بحماسة واندفاع ظل فى الشعر متطهرا يرفرف بجناحيه فوق الواقع يستلهمه دون أن يخوض فيه، وربما وقف فى الشعر على العكس من موقفه فى السياسة، فهو يحارب المنظمات الفلسطينية المسلحة من لبنان، لكنه يغنى بحرارة للقدس، ولحق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة إلى وطنهم، وهو فى السياسة وطنى لبنانى متطرف يتحمس للعامية اللبنانية، ويدعو للكتابة بها وإحلالها محل الفصحى واعتبارها لغة لبنان الرسمية، لكنه فى الشعر فصيح وباحث عن فصاحة متفردة لا يقنع فيها بفصاحة المحدثين، وإنما يسابق القدماء ويحاذيهم بلغة يصل فيها إلى مستويات من النقاء لا يجاريه فيها شاعر عربى معاصر.
هذا النقاء الكلاسيكى لم يجعله تقليديا لأنه لا ينقله عن غيره، ولم يمنعه من أن يطعم لغته الفصحى بعناصر من الدارجة اللبنانية تحل فى المكان الذى يختاره لها، فلا نستغرب ولا نشعر بأنها قلقة فيه، بل نرى كأنها صاحبته من الأصل، وأنها أكسبت الفصحى حياة عصرية تحتاج إليها، واكتسبت من الفصحى أناقة ونبالة.
ألعينيك تأنى وخطر
يفرش الضوء على التل القمر
ضاحكا للغصن مرتاحا إلي
ضفة النهر رفيقا بالحجر
علّ عينيك إذا آنستا
اثرا منه عرى الليل خدر
ضوؤه إما تلفت دد
ورياحين فرادى وزمر
وأنت تقرأ هذه القصيدة وعنوانها «ألعينيك؟» فترى فيها صاحبة العينين، ولكنك ترى بالمثل هذا القمر الذى يفرش الضوء على التل، فلا تدرى أيهما استدعى الآخر العينان استدعتا ضوء القمر؟ أم أن ضوء القمر الذى يضحك للغصن، ويتمسح بضفة النهر ويترفق بالحجر هو الذى استدعى العينين؟ أم أن سعيد عقل هو الذى استدعاهما معا، لأن سعيد عقل يملك الأداة التى يستدعى بها العالم، وهى الشعر، وهى تلك اللغة التى يصعب عليك أن تردها لمصدر واحد، لأن فيها من تراث لبنان القديم والحديث، الفينيقى والعربي، المحلى والأجنبي، ولأن فيها من لغة الجاهليين، ومن لغة المتصوفة، ومن لغة القرآن، وأنا فى حديثى هذا عن اللغة لا أتحدث بالطبع عن مفردات فحسب، بل أتحدث عن المفردات والتراكيب، وعن الافكار والرؤي، وعن التقرير والتصوير، وعن الوزن والموسيقي، وسوى ذلك من العناصر التى لا نستطيع أن نحيط بمصادرها، وإن دلتنا القصيدة على رحابتها وغناها، وتمكن الشاعر منها وامتلاكه لها. المفردات فى هذه القصيدة من الشائع المتداول، لكن فيها من القديم المهجور الذى يطيب للشاعر أن يستخدمه، ويعيد له الحياة، كما نرى مثلا فى كلمة «دد» التى تدل على اللهو واللعب، كما هى عند سعيد عقل، وإن كان لها معنى آخر فى معلقة طرفة بن العبد التى يقول فيها: كأن حدوج المالكية غدوة خلايا سفين بالنواصف من دد، فهى هنا اسم مكان، وإذا كانت المفردات فى شعر سعيد عقل من الشائع المستعمل، فالتراكيب فى هذا الشعر جديدة وفصيحة فى الوقت ذاته، فصيحة لكنها مطعمة، كما قلت بعناصر مستمدة من العامية اللبنانية، كما نرى فى قوله فى إحدى قصائده «ما الحسن؟ ما اللون فى العشايا، لو ما طفرنا على التلال؟» فالفصحى تقول عادة «لو لم نطفر» أما الدارجة اللبنانية فتقول «لو ما طفرنا» والدارجة تستخدم هنا فى محلها، لأن الشاعر يستدعى صورة للتدفق العاطفى والمرج الطفولى تتجسد بهذا التعبير الدارج الذى نشعر بأنه فى مكانه لأن العبارة متصلة متدفقة، فالنظم سليقة أو طبيعة لا تكلف فيها، والتدفق دليل على صدق العواطف والاحاسيس التى يعبر عنها الشاعر، وعلى امتلاكه للغة التى يعبر بها، وهو إذن تدفق محسوب يسيطر عليه الشاعر، ويتحكم فيه ويخضعه لارادته.
انظر إلى مطلع القصيدة، قصيدة «العينيك؟» كيف تشكل من كلمة بعد كلمة حتى جاء الفاعل فى آخر البيت بعد الفعل بخمس كلمات، فصلت بينهما ووصلت أيضا بينهما، والفاعل فى المطلع هو القافية التى فاجأنا بها الشاعر لأنه يتحدث عن كائن نظر للعينين الجميلتين، فأطال النظر، وتأنى وخطر، وإذن فالشاعر يتحدث عن عاشق محب ظننا أنه من بنى البشر، لكننا فوجئنا بأن هذا العاشق هو القمر الذى لم نستكثر عليه أن يقوم بهذا الدور لأن الشاعر رشح له أو مهد له طريقه بالحديث عن ضوئه الذى فرشه على التل، وإذن، فمن حقه أن يكون هو العاشق.
وهناك شعراء لا تسعفهم العبارة، وإنما يلهثون وراءها يمسكون بها كلمة بعد كلمة، فتفقد العبارة حرارتها، وتبتعد الكلمات فيها إحداها عن الأخري، فنشعر بأنها مستعارة مغتصبة، وأن الشاعر لا ينظم قصيدته بالجمل، بل ينظمها بالكلمات.
أريد باختصار أن أقول إن سعيد عقل شاعر كبير، وقد آن الأوان لنتعرف عليه.
لمزيد من مقالات أحمد عبد المعطي حجازي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.