لاشك في أن القمة الثنائية التي جمعت رئيس الوزراء اليوناني أندونيس ساماراس مع نظيرة التركي أحمد داود أوغلو مؤخرا في أثينا، على هامش مجلس التعاون الوزاري الثالث رفيع المستوى بين تركيا و اليونان، أكدت على اتفاق الجانبين على نقاط الاختلاف بينهما في وجهات النظر، تجاه القضايا الشائكة و العالقة بين البلدين . و من بينها القضية القبرصية و المجال البحري و الجوي بين البلدين، و الثروات في البحر المتوسط و بحر إيجة، و مشاكل الأقلية التركية المسلمة في شمال اليونان. ربما لم تكن تنتهي فعاليات القمة الثلاثية بين مصر و اليونان وقبرص الشهر الماضي في القاهرة، حين تم الإعلان عن رغبة الجانب التركي في سرعة عقد مجلس التعاون الوزاري الثالث رفيع مستوى بين تركيا و اليونان، برئاسة رئيسا وزراء البلدين، و وصف العديد من المراقبين هذا التحرك بأنه يؤكد القلق التركي من التقارب المصري – اليوناني. الخلاف بين الجانبين اليوناني و التركي بدا واضحا قبل زيارة أوغلو إلى أثينا بيوم واحد، و هذا ظهر من خلال إحداث تغيير في برنامج زيارة رئيس الوزراء التركي، نتج عنه إلغاء زيارة إقليم ثراكي و كوموتوني وهما المنطقتان اللتان بهما أكبر تجمع سكاني للأقلية المسلمة التركية في اليونان، و وفقا للمصادر فإن الحكومة اليونانية أدركت مغزى زيارة رئيس الوزراء للمنطقتين (شمال اليونان) وبصحبته عدد كبير من الوزراء و البعثة الدبلوماسية التركية، خاصةً بعد التحضيرات الكبيرة التي قامت بها القنصلية التركية في شمال اليونان، بهدف إبراز زيارة رئيس وزراءها بصورة مفخمة كي تحمل في طياتها رسائل نصر تعبر عما يحدث الآن في المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية قبرص، واعتراف ضمني بسفينة التنقيب التركية “بارباروس”.كما أثار موضوع زيارة أوغلو إلى منطقة ثراكي، غضب اليونانيين و خصوصا أن تركيا ترتبط بعلاقات وثيقة مع سكان هذه المنطقة المسلمين و الذين ينحدرون من أصول تركية، و يقيمون بالقرب من الحدود، و دائما ما ينتقد الإعلام اليوناني مثل هذه الزيارات لاسيما فيما تمثله من مغزى سياسي و رمزي، و كان موضوع الزيارة و إجراؤها أو إلغاؤها الشغل الشاغل للإعلام اليوناني. و الخلاف بدا واضحا أيضا من عدم مشاركة وزير الدفاع اليوناني نيكولاس ديندياس في اجتماع مجلس التعاون المشترك، بناءا على تعليمات من رئيس الوزراء أندونيس ساماراس، و ذلك لعدم طرح القضايا المتعلقة بالدفاع والأمن القومي للمناقشة في هذا الاجتماع. و في مستهل زيارة أوغلو لليونان، استقبله الرئيس اليوناني كارلوس بابولياس في قصر الرئاسة، لافتاً إلى أن الاجتماعات من شأنها تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين. وقال الرئيس اليوناني: “ إن تلك الاجتماعات ستسهم في تطوير علاقات حسن الجوار “، وتوجه بابولياس بكلامه لداود أوغلو قائلاً: “ سيادة رئيس الوزراء؛ نحن بلدين جارَين جيدين، وسنبقى كذلك، ومن أجل استمرار ذلك؛ يجب وجود علاقات حسن الجوار “. و من المواضيع التي أثارت استياء و توتر الجانب اليوناني و القبرصي و ربما العديد من المراقبين، هو تصريح رئيس الوزراء التركي، بأن بلاده تريد حصة من مخزونات الطاقة في عرض البحر في قبرص، وقال داود أوغلو خلال مؤتمر مشترك مع أندونيس ساماراس «فلنقم باستغلال هذه الثروة معا»، بينما صرح ساماراس بأن على تركيا سحب سفينة التنقيب عن الغاز بأقصى سرعة من المياه الخالصة لجمهورية قبرص. بالإشارة إلى أن جمهورية قبرص مدعومة من اليونان، تعتبر احتياطي الغاز الطبيعي و هو ما يقدر بين 102 و170 مليار متر مكعب في منطقة في شرق المتوسط ، في منطقتها الاقتصادية الخالصة، ولكن أنقرة لا تعترف بهذه المنطقة، و أرسلت سفينة لرصد الزلازل لإجراء عمليات مسح في المنطقة للنفط والغاز، مثيرة بذلك استياء كلا من أثينا ونيقوسيا. وعلي مدار يومين، تواجد فيهم رئيس الوزراء التركي في أثينا يرافقه تسعة من وزراءه، بهدف دعم التعاون بين أنقره و أثينا ومتابعة الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، التقي أوغلو خلال الزيارة كلا من رئيس الجمهورية كارلوس بابولياس و رئيس الوزراء ساماراس و زعيم المعارضة ألكسيس تسيبراس. وتتسم العلاقات التركية مع اليونان بالتوتر الذي استمر على مدى أعوام، إلى أن دخلت مرحلة جديدة بعد العام 1999، بعد أن دعا قادة دول الاتحاد الأوربي أنقرة للبدء في إجراءات التقدم للانضمام لعضوية الاتحاد، ودأبت اليونان في الماضي على اللجوء لحق الفيتو لوقف التقارب بين تركيا وأوروبا. وتوصلت حكومتا البلدين إلى تنظيم العلاقات الثنائية بجميع جوانبها، إثر عقد الاجتماع الثالث عشر للجنة التوجيه التركية اليونانية، في أنقرة يوم 25 يوليو 2008. وشهدت المرحلة الجديدة زيارات متبادلة رفيعة المستوى، لتفعيل الحوار حول أهم القضايا الإشكالية؛ وعلى رأسها القضية القبرصية، والتنازع حول بحر إيجة، والتوقيع على 33 اتفاقية للتعاون المشترك حتى يناير 2008، بعد ما عاناه البلدان من كوارث الهزات الأرضية التي راح ضحيتها عدد سكان البلدَين، وعرضت كل منهما على الأخرى تقديم المساعدات. و بالرغم من الخلاف الواضح و الذي تم تفسيره في معظم وسائل الإعلام اليونانية، أن الجانبان “اتفقا على أن يختلفا”، و تلبية للقنوات الدبلوماسية و ضرورة دعم الثقة بين البلدين، صدر بيان مشترك في ختام أعمال مجلس التعاون الوزاري، تضمن التأكيد على اتخاذ كل التدابير اللازمة لزيادة و دعم التعاون بين البلدين في مجالات التنمية و الاقتصاد والثقافة والرياضة والسياحة والبنية التحتية والنقل و الشحن و شبكات الاتصالات والطاقة والموارد الطبيعية. وأن الجانبان يعترفا بالدور الرئيسي للاحترام المتبادل والثقة والقانون الدولي وعلاقات حسن الجوار، و التصميم على التعاون المشترك، مما يزيد من تعزيز السلام والاستقرار والازدهار وتحفيز التنمية الاقتصادية في المنطقة، و الالتزام بمواصلة تعزيز العلاقات بين البلدين وفتح مجالات جديدة للتعاون بينهما.