رغم ما يبدو على السطح من خلاف "أمريكى – إسرائيلي" حول إقرار حكومة بنيامين نيتانياهو لمشروع قانون "يهودية إسرائيل"، فإن الحقائق على الأرض تأتى خلافا لهذا تماما، خاصة مع العلم بأن الولاياتالمتحدة نفسها هى أول من طرح الفكرة على مائدة المفاوضات، بل وتسعى بشتى الطرق اليوم إلى انتزاع اعتراف عربى بها، وفقا لمخططها تجاه المنطقة. ويعود ظهور مصطلح "يهودية إسرائيل" إلى عام 1895، مع ظهور كتاب تيودور هيرتزل "دولة اليهود"، فيما تمت بلورته كجوهر لسياسة إسرائيل على يد "أرييل شارون" خلال "مؤتمر هيرتسيليا" فى يناير 2003، عندما طرح خطة الانفصال من جانب واحد للمرة الأولى، حيث ذكر شارون وقتها : "إن حدود إسرائيل هى من البحر المتوسط فى الغرب إلى نهر الأردن فى الشرق، و إسرائيل لن تكون إلا دولة يهودية نقية.. لليهود فى إسرائيل وكل العالم"، وهو نفس العام الذى شهد طرح فكرة "يهودية إسرائيل" لأول مرة بشكل علنى ومباشر على أجندة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية فى قمة العقبة يوم 25 مايو 2003 من جانب الرئيس جورج بوش "الابن" عندما أعلن التزام بلاده بضمان أمن "إسرائيل كدولة يهودية نابضة بالحياة". إلا أنه ومع تولى الرئيس الامريكى باراك أوباما للرئاسة فى 20 يناير 2009 ، صار الأمر بمثابة محور الأساس لسياسة إدارته المعلنة لإنهاء الصراع فى الشرق الأوسط، وهو ما أكده خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 24 سبتمبر 2013، الذى قال فيه : "لن نتخلى أبدا عن التزامنا تجاه أمن إسرائيل ولا عن دعمنا لوجودها كدولة يهودية". ثم عاد ليكرر حديثه فى خطاب "حالة الاتحاد " السنوى فى 28 يناير 2014، حيث قال : "الدبلوماسية الأمريكية تدعم انخراط الفلسطينيين والإسرائيليين فى مفاوضات صعبة لكن ضرورية، لإنهاء الصراع فى الشرق الأوسط، والوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة، وسلام دائم يضمن أمن دولة إسرائيل، كدولة يهودية، ستبقى أمريكا تقف إلى جانبها". من ثم دعوته الدول العربية إلى الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية على هامش زيارته لإسرائيل من 20 إلى 23 مارس الماضي. وعليه، فقد تمت بلورة الأمر نهائيا فى "اتفاق الإطار" المطروح هذه الأيام من جانب جون كيرى وزير الخارجية الأمريكي، كإطار للتفاوض حول التسوية النهائية للقضية الفلسطينية، الذى شمل عبارة تشير إلى أن الاتفاق يتضمن "اعتراف إسرائيل بفلسطين كدولة قومية للشعب الفلسطيني، واعتراف فلسطين بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي". وفى هذا السياق، وردا على سؤال : "هل أمريكا تعترف حاليا بإسرائيل كدولة يهودية؟" الذى جاء على هامش استعراض الموجز الصحفى اليومى للخارجية الأمريكية فى 19 فبراير الماضي، ردت مارى هارف نائبة المتحدثة الرسمية باسم الخارجية: "إنها تعترف.. وأعتقد بأن الرئيس قالها مرارا إننا نساند إسرائيل كدولة يهودية"، مضيفة : "لقد قلناها مرارا، وهذا هو موقفنا". من جانبه، أكد دان شابيرو السفير الأمريكى فى تل أبيب فى تصريحات خاصة ل"راديو إسرائيل" فى 21 فبراير الماضى : "نعتقد بأنه يحق لإسرائيل الاعتراف بها كدولة يهودية ، ودائما كانت هذه هى السياسة الأمريكية، وأن إسرائيل دولة يهودية، ويجب أن تبقى يهودية، وسيكون هذا أحد عناصر الإطار التى يتم العمل عليها"، مضيفا : "أفترض أنه بموجب اتفاق الإطار سنشهد الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، كالدولة القومية للشعب اليهودي". وأضاف شابيرو : "فى النهاية، سنحتاج إلى معرفة أن هذه هى نهاية الصراع، وأن هذه طريقة واحدة للتحقق من أن جميع من يسكن المنطقة وجميع الدول المجاورة لإسرائيل سوف يقبلون وجود دولة قومية للشعب اليهودي، هنا فى وطن اليهود". وخلاصة القول، أن البعض لم يلتفت إلى ضرورة الربط ما بين سر الإصرار "الصهيو- أمريكى" اليوم على انتزاع اعتراف عربى ب"يهودية إسرائيل"، وبين ما كشف عنه مرور رياح "الربيع" على المنطقة من متغيرات، ربما لم تبد واضحة فى حينه، لكنها بدت جلية للعيان الآن مع تزايد حدة الصراع العرقى والطائفى بالمنطقة وفقا لمخطط التقسيم المرسوم لها، الذى لا تزال أمريكا تسعى إلى تنفيذه من أجل ضمان سيادة إسرائيل وسط كانتونات عرقية عربية.