لأول مرة وفى شفافية غير معتادة.. أعلنت وزارة الكهرباء الأسعار الجديدة لاستهلاك الكهرباء وهيكلتها على مدى خمس سنوات، وصدر قرار رئيس مجلس الوزراء بشأنها بالتفصيل فى الجريدة الرسمية، وكانت تتم فى السنوات السابقة بشكل سرى تجنبا لردود الفعل الغاضبة للمستهلكين، والقرار بلاشك كان خطوة ضرورية وحتمية لتصحيح خلل ما كان له أن يستمر حتى يسترد قطاع الكهرباء عافيته ويواجه التزاماته، ولكن لماذا صدرت التعريفة هذه المرة «بقرار بقانون» وليست بقرار فقط كالمرات السابقة؟ وإذا كان ذلك بهدف تحصينها من الطعن عليها إداريا، فانه يصعب من أى احتمالات لتعديلها خلال سنوات الهيكلة إذا طرأ تغيير مؤثر على سعرى الوقود أو الصرف اللذين استندت إليهما التعريفة، وفاتها عمدا أو سهوا النص عليهما مما سيتطلب حينها العرض على مجلس النواب المنتخب. والسؤال: لماذا لم يصاحب إعلان خطة هيكلة الأسعار خطط أخرى موازية تعكس «رؤية شاملة»، تمتد لرفع كفاءة استخدام الطاقة، وتصحيح هياكل قطاعات الكهرباء، وترشيد النفقات، وتخفيض الفواقد التى تصل لدينا لأعلى معدلاتها فى العالم، ورفع كفاءة محطات التوليد وشبكات النقل والتوزيع، وأيضا كفاءة حقول إنتاج الغاز ومحطات تكرير البترول، وتصويب مزيج الطاقة، وإعلان استراتيجية متكاملة للترشيد بح صوتنا من المطالبة بها؟ وإذا كانت وزارة الكهرباء قد أعلنت «بشفافية» أسعار الاستهلاك.. فلماذا لم تعلن أيضا بنفس الشفافية المعايير التى استندت إليها فى حساب تكلفة إنتاج ك.و.س والذى قالت انه بلغ 47٫7 قرش؟ أما تحميل المستهلك برسوم إصدار فواتير الاستهلاك .. فهو قرار غريب «لم يصدر رسميا» وان كان جهاز تنظيم مرفق الكهرباء المنوط به حماية المستهلك قد «تطوع» بإضفاء الشرعية عليه بإصداره فى كتاب دوري.. ناسبا صدوره إلى مجلس الوزراء، الأمر الذى يعزز ما سبق أن طالبنا به مرارا بحتمية استقلالية الجهاز وخروجه من عباءة الوزارة الذى تعتبره على موقعها من الجهات التابعة! والغريب ان جهاز تنظيم مرفق الكهرباء كان قد قرر فى كتابه الدورى رقم 2 بهذا الشأن إلزام شركات التوزيع بوضع قيمة مقابل الإصدار فى خانة واضحة بفاتورة الاستهلاك تحت بند «مصاريف إصدار» وتراجع عن هذا القرار فى كتابه الدورى رقم 3 بعد أن رفضت شركات التوزيع تنفيذه حتى لا تلفت نظر المستهلكين وتثير غضبهم.. وانتهى إلى إدراجه مبهما ضمن قيمة الاستهلاك مع انها لا يمكن بأى حال من الأحوال ان تندرج تحت هذا المسمي. وإذا كان من المفترض أن سعر ك.و.س الذى تم على أساسه عمل الهيكلة السعرية الجديدة يشمل جميع عناصر التكلفة بما فيها المصاريف الإدارية التى تشمل تكلفة قراءة الاستهلاك واصدار الفواتير.. فكيف تتم مطالبة المستهلك بسدادها مرة أخرى خاصة ،انها تصل فى مجموعها إلى مليارى جنيه سنويا؟ ثم لماذا تتدرج هذه الرسوم طبقا لشرائح الاستهلاك وهى تكلفة ثابتة على كل فاتورة أيا كانت قيمتها؟ وهل من المنطقى أن يمتد الدعم البينى بين المستهلكين حتى إلى تكلفة اصدار الفواتير؟ ولماذا هذه الأرقام المبالغ فيها والتى تتجاوز حصيلتها مليارى جنيه سنويا؟ ولماذا غابت الشفافية والواقعية والمنطقية والمعقولية عن هذا القرار المجحف بحق المستهلكين، ولماذا تفرض رسوم على الفواتير المقروءة بصفر تصل إلى مثل رسوم شريحة المستهلكين (حتى 350 ك.و.س) لتصبح بمثابة «غرامة» على عدم الاستهلاك وتتنافى وأبسط ابجديات الترشيد الذى نحن فى أمس الحاجة إليه؟ ثم وفى إطار إعلان الوزارة عن توسعها فى العدادات مسبوقة الدفع.. ماذا سيكون موقع هذه الرسوم حيث لا قاريء ولا محصل ولا فواتير؟ ان هذا القرار يحتاج إلى مراجعة وتصويب.. وإذا كنا نعتبر إعادة هيكلة التعريفة خطوة كانت ضرورية وتقبلها المستهلكون بإيجابية لم تكن متوقعة.. فالمطلوب قليل من الرحمة، والرأفة، والمراعاة. مهندس سليمان العجان