قيل قديماً: كانوا يحسبون أن تحت القبة شيخاً!!.. كتعبير عن الإفلاس وقلة الحيلة وانعدام الوسيلة.. فهل تشهد قبة مجلس النواب القادم بعض البدايات الجيدة، بما يؤدى إلى وجود أكثر من شيخ قد يكون سره «باتع»!!.. هل يجوز لنا أن نحلم بأن البرلمان المصرى سوف يحمل بذور أداء متميز، يستحقه الشعب المصرى بعد ثورتين؟.. ولكن.. ما ألعن الاستدراك فى لحظة البهجة!!.. ولكن من المتعين ألا نفرط فى التفاؤل، حيث إن تلك البدايات البرلمانية قد ينطبق عليها المثل القائل بأن: «دائماً للغربال الجديد شدته»، ولعل تلك المقدمات الساخنة لا تزيد على كونها بداية أية مباراة للمنتخب القومى لكرة القدم، مشحونة بالحماس والاندفاع (بل والتهور أحياناً)، لن تلبث مع مضى الوقت أن تهدأ ويعتريها الفتور ويغطيها الثلوج، ويتثاءب الجميع فى المدرجات مع بعض اللاعبين الذين يكونون قد ناموا بالفعل واستغرقوا فى سبات جميل!!.. لذلك يجب على كل من يهتم بمستقبل هذا البلد أن ينضم للرأى الذى يطالب بضرورة إعادة النظر فى قانون انتخابات مجلس النواب، الذى يتيح بوضعه الحالى مساحة واسعة لسيطرة المال السياسى، ويؤدى عملاً إلى إعدام الأحزاب السياسية، ولا يجوز التحجج بضعف هذه الأحزاب، لأن علاج المريض لا يكون بنزع أجهزة التنفس عنه وتركه يموت، خاصة مع إدراكنا جميعاً بأن هذه الأحزاب كانت مثل بذور فى أرض جافة لسنوات عجاف طويلة، وربما يستدعى ذلك فى التعديل المقترح أن يتم وضع معايير لتمويل الحياة الحزبية، لأنه بدون أحزاب سياسية لن توجد تعددية، وبدون تعددية فلن توجد حياة ديمقراطية . وقبل أن تبدأ انتخابات المجلس الجديد، نشهد إثارة لقضايا عديدة وجديدة مثل علاقة السلطة بالبرلمان، واقتراحات بتعديل الدستور الذى لم تجف حروفه بغرض زيادة سلطات الرئيس فى مواجهة البرلمان، وتمثيل المرأة، ودور التيار الدينى.. إلخ، ونتوقع أن نرى مبارزات حامية ما بين بعض النواب وبعض الوزراء، وربما طاشت بعض الضربات والكلمات، وأصابت فى بعضها الآخر، ونرجو أن تقوم بعض محطات التليفزيون بنقل مساحات لا بأس بها من ساحة المبارزة كإسهام فى زيادة الوعى الشعبى وممارسة الرقابة الشعبية.. وبدون الدخول فى تفاصيل تلك القضايا فإن المرحلة القادمة هى الأخطر فى التطور الديمقراطى الذى تشهده مصر، والذى يجب أن نعض عليه بالنواجذ، مع أهمية ضبط الإيقاع ووضع الإطار الصحيح لتلك الممارسة . فعلى سبيل المثال، شهدت بعض جلسات مجلس الشعب فى سالف الزمان تنابزاً بكلمات لا تتناسب مع المقام الرفيع للجالسين تحت القبة حكومة ونواباً -، وقد يقول قائل إن ذلك يحدث وأسوأ منه فى أعظم برلمانات العالم، وأن بعض البرلمانات فى العالم شهدت مباريات فى الملاكمة، بل وإطلاق الرصاص، إلا أن ذلك لا يصح كمبرر لأننا نطمح أن يكون برلماننا بمثابة جامعة مفتوحة يتعلم فيها أبناء الشعب المصرى الممارسة السياسية رفيعة المستوى، فى ظل غياب ملموس لدور الأحزاب والنخب السياسية ، نريد نماذج يقتدى بها أبناؤنا ويتخذونها قدوة ومثالاً، لأن التليفزيون يدخل فى كل البيوت وتلك فرصة يجب أن نغتنمها . نريد من النائب القادم الذى يثير قضية أن يكون مسلحاً بالمستندات، واضح الحجة، سليم العبارة، قوى المنطق، فهو محام لديه وكالة الشعب، وذلك شرف عظيم، وهو نفس ما نطلبه من ممثل الحكومة، فالمسألة ليست مشاجرة بين طرفين، أو إستعراضا للصوت العالى أو العضلات، أو استثارة لغرائز الناس، وإنما ينبغى أن تكون محاولة دءوبة من الطرفين للوصول إلى الحقيقة، فى تعاون لا تمزقه الشحناء والبغضاء، وفى حرص من الجانبين على شجاعة الاعتراف بصحة موقف الجانب الآخر، لأن الجانبين فى النهاية لا يمثلان أية مصالح شخصية، فأعضاء الحكومة ونواب البرلمان كلاهما يعملان لمصلحة عامة ، مصلحة عليا لذلك الوطن الجميل، من أجل غد أفضل لهذا الشعب الصبور. وهناك أيضاً مسئولية ملقاة على عاتق كل فرد من أفراد الشعب فى كل مكان، فعليهم أن يراقبوا نوابهم فى المجلس مراقبة دقيقة، ويحاسبوهم محاسبة عميقة، وأن يمطروهم بالخطابات ويطالبوهم بالوجود فى دوائرهم الانتخابية لعمل لقاءات دورية منتظمة، كذلك ينبغى أن تختفى ظاهرة محاصرة النواب للوزراء بالمطالب الشخصية من أجل توقيع طلب أو الموافقة على إستثناء، فلابد أن يكون للوزراء وكلاء برلمانيون يكونون حلقة الاتصال مع ممثلى الشعب من خلال مكاتب هؤلاء الممثلين، لأن النائب ينبغى أن يربأ بنفسه عن هذا المظهر الذى يسىء إليه وإلى الدائرة التى يمثلها . نعم.. لا نريد الإفراط فى التفاؤل.. ولكن ينبغى ألا نفرط فى التشاؤم أيضاً.. فقد يكون حجم التحديات التى تواجهها مصر من الضخامة والتعقيد بحيث يشيع مناخ من اليأس والإحباط، وقد تكون للبعض ملاحظات هنا أو انتقادات هناك، وقد يحلو للبعض الآخر احتراف الاصطياد فى المياه العكرة، إلا أن شيوع مناخ صحى للممارسة الديمقراطية يعتبر فى حد ذاته إنجازاً يمكن البناء عليه ، لأنه يعنى باختصار المشاركة الحقيقية فى المسئولية، ولعب دور فى عملية صنع القرار. نريد أن نطمئن على أنه سيكون تحت قبة برلماننا شيوخ هم آباء الأمة، يراقبون بموضوعية وتجرد، ويشرعون فى دقة وانضباط، ويكونون فى كل قول وفعل مثلاً يحتذى لشباب الأمة، نريدها صفحة جديدة بعد صفحات طويناها بالتجربة والخطأ، صفحة نكتب فيها إيقاعاً عصرياً ينتقل بالوطن إلى آفاق أكثر رحابة وأمناً واطمئناناً، وليتسع صدر الجميع للحوار، للرأى والرأى الآخر، فكلنا فى قارب واحد وإن اختلفت مواقعنا فيه، وكلنا ننشد الوصول إلى بر السلامة فى محيط من العواصف والأعاصير، فلتكن العاصفة القادمة تحت القبة ريحاً طيبة تقودنا جميعاً إلى الأمانى التى نطمح إليها. لمزيد من مقالات السفير معصوم مرزوق