احتضن مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته ال 36 عددا كبيرا من الأفلام، التى جاءت من مختلف دول العالم لتعرض فى القاهرة، وعلى نقيض الفعاليات السابقة، شهدت أغلب الفعاليات حضورا جماهيريا كبيرا، اختتمه فى حفل بسيط ناجح وجوائز لكل من يستحق. احتوى برنامج الفعاليات على عدد كبير من الأفلام من دول عربية وأجنبية مختلفة، مابين قصيرة وطويلة وروائية وتسجيلية ورسوم وغيرها، ولاشك أن اختيار الأفلام كان موفقا بشكل عام، رغم وجود أفلام أقل من عادية، ولكن هذا جزء من سياسة المهرجانات، فلا يوجد مهرجان فى العالم يختار كل الأفلام مميزة، فإن لم تختلف الأذواق بارت السلع ! .. وكانت هذه مشاهدتنا لبعض الأفلام التى عرضت خلال المهرجان. عيون الحرامية .. التكرار ثم الملل عيون الحرامية هو فيلم فلسطينى من إنتاج 2014 وكان مشاركا في المسابقة الدولية، يقوم ببطولته خالد أبو النجا، وسعاد ماسي وكتابة وإخراج نجوى نجار تدور أحداث الفيلم حول قصة حقيقية، عن رجل فلسطيني يدعى ثائر حداد، قام بعملية مقاومة عسكرية ضد الجنود الإسرائيليين في رام الله، وقتل 11 جندياً إسرائيلياً وتم القبض والحكم عليه بقضاء عقوبة 11 مؤبداً في السجون الإسرائيلية. والحقيقة انه فيلم التكرار الممل، التيمة التى نراها لنا سنوات طويلة حول القضايا الفلسطينية، السيناريو كان ضعيفا جدا، والصورة السينمائية لم تكن معبرة، فقط رسائل مباشرة وكأنها بيان أو خطاب، ورغم ذلك أنقذ الفيلم المونتاج والتصوير والتمثيل خاصة تمثيل الطفلة ملك والرائع خالد أبو النجا ، الذى يعيش مرحلة نضجه الفنى فكان أداؤه رائعا، لم أشعر لحظة أنه ليس فلسطينيا. " زي عود الكبريت".. الحاضر الغائب البهجة والدهشة ، يصاحبانك طوال عرض الفيلم، فكيف لم يسمع أحد عن الفيلم أثناء تصويره، وكأن الفنان حسين الإمام كان يحضر هدية فى منتهى السر لجمهوره بعد وفاته، تابلوهات مبهجة قدمها الفنان الراحل، الذى لم ينل التقدير الكافى لموهبته الكبيرة، فكان أفضل من ينطبق عليه "سبع صنايع والبخت ضايع"، قدم لنا تجربة غريبة مثيرة للدهشة وهى مزج أفلام قديمة لوالده المخرج الكبير حسن الإمام، ومواد أخرى حديثة صورها هو بنفسه فرحل المزيكاتى والمؤلف والفنان والمخرج راسما الابتسامة لنا. حائط البطولات .. لا جديد وهو قصة إبراهيم رشاد سيناريو وحوار إبراهيم رشاد، ومصطفى بدر، وإخراج محمد راضى. أنت اليوم فى عام 2014، تشاهد فيلما كان من المفترض أن يعرض في عام 1998، ولكنه دخل الصندوق لمدة 16 عاما، فتراه أنت الآن لاشك أن هناك سؤالا واحدا يصاحبك منذ دخولك الفيلم، وهو لماذا منع عرض هذا الفيلم؟ تحاول وأنت تجلس على الكرسى أن تبحث عن الإجابة، قد تجدها أولا: الفيلم به عدد كبير من الصور الأرشيفية التى تم استخدامها عشرات المرات، وخاصة المشاهد الحربية، وباقى المشاهد داخلية فى أستديوهات، إفتقر الفيلم الهوية والتسلسل الزمنى، قد تتوه فى بعض الأحيان وتسأل أنت فى أى عام؟، هل هو فيلم تسعينى وهذا ما يفسره شكل الشوارع وملابس الأبطال، أم فيلم سبعينى، وهذا المفترض الأحداث التى تدور حولها الفيلم، وعندما تخرج من الفيلم لن يشغلك إجابة سؤالك الأول، بل سيطر سؤال آخر وهو متى نصنع فيلما مميزا يتناول تاريخ الحروب بشكل غير مبالغ فيه وبدون المشاهد والتعبيرات المكررة، كما عرض عدد من الأفلام القصيرة منها فيلم "عرائس" المشارك بمسابقة أسبوع النقاد الدولى للمخرجة " يناتيم كاجريشفيلى" موضوعه طريف عن زواج السجناء من زوجاتهم داخل السجن، كان فيلما اجتماعيا جيدا، أما الفيلم الأكثر إنسانية كان الفيلم السورى "مياه فضية " وهو تسجيلى وإنتاج ألمانى، من إخراج أسامة محمد، حالة من الشجن تصاحبك طوال الفيلم، الشجن الغير مفتعل والحقيقى جدا، وهناك الفيلم الفرنسى البسيط شكلا والعميق موضوعا "الحب من أول صراع" ومعناه ما محبة إلا بعد عداوة. سريعا نال مدير التصوير الموهوب زكى عارف على جائزة أحسن إسهام فنى بالمسابقة الدولية عن فيلم "باب الوداع" من مصر، وهى جائزة يستحقها كثيرا، فقدم زكى صوره موسيقية ناعمة فى الفيلم، وأعتقد انه يحمل الأكثر فى موهبته. لا شك أن خالد أبو النجا فنان موهوب ومثقف، جاءت جائزته الهرم الفضى لأحسن ممثل ردا على كل الإتهامات والانتقادات الغير بناءة التى حدثت مؤخرا، وكأنها رسالة منه، أن القافلة تسير.. ! لفتة جيدة ومميزة من المهرجان الاحتفال بمئوية ميلاد المخرج الكبير هنري بركات حيث أقيم له معرض صور فوتوغرافية ولوحات من إعداد الناقدة الكبيرة صفاء الليثي، وقد قامت أيضا بإعداد فيلم وثائقي مدته 30 دقيقة. لم يكن غريبا حصول فيلم "ذيب" على جائزة، فهو كان الأكثر حظا وتم عرضه 3 مرات، نظرا للإقبال الشديد عليه، وتميزه وبساطته. قرار احتضان دار الأوبرا المصرية جميع فعاليات المهرجان، كانت أكثر من رائع، فكان من السهل جدا متابعة الأفلام، دون الهلاك فى التنقل بين دور العرض السينمائية فى شوارع القاهرة. حصل الفيلم الإيراني "ميلبورن" على الجائزة الذهبية للمهرجان، ولم يحضر مخرجه للمهرجان لعدم استطاعته الحصول على تأشيرة، وهنا يجمع الفن ما تفرقه السياسة . بعض الأفلام المصرية والعربية التى تم عرضها لم يكن مصاحبا لها ترجمة للإنجليزية أو الفرنسية، مما سبب ضيقا لبعض الضيوف الأجانب.