بعد أن اختارت دول العالم مواجهة الإرهاب بشتى الوسائل، بما فيها العمليات العسكرية والقوانين والتشريعات الداخلية، ومحاربة غسيل الأفكار، وكذلك مراقبة الإنترنت، المعقل الرئيسي لجماعات الإرهاب، والقناة الرئيسية لتجنيد المقاتلين لتنظيمات التطرف، وعلى رأسها داعش. وليست مبالغة القول إن الحرب مع داعش على الإنترنت أكثر ضراوة وصعوبة من الحرب على الأرض، خاصة بعد أن اختار التحالف الدولي ضد الإرهاب الاكتفاء بالضربات الجوية، فهذه هي طبيعة الحروب الحديثة، لأن العالم منذ سنوات يعيش على قاعدة أنه من يمتلك المعلومات والبيانات يمتلك القوة والقرار والنفوذ، وباختراق شبكة المعلومات العنكبوتية والسيطرة عليها يتحقق بسهوله امتلاك المعلومات والبيانات، ومن ثم تتحقق القوة والسيطرة، وهذا ما استفادت منه داعش بالفعل، رغم أن الإنترنت في النهاية ابتكار غربي. فالإنترنت الآن هو المسرح الرئيسي الذي تتم فيه عمليات جذب المتحمسين إلى العنف والتطرف من كافة بقاع العالم، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومنتديات الدردشة، خاصة وأن ذلك يجنب المتطرفين الحاجة إلى لقاء المتطوعين الجدد وجها لوجه كما كان يحدث في أفغانستان، وبالتالي التعرض لمخاطر الاعتقال، كما أن الإنترنت هي النافذة الإعلامية الأمثل لعرض فيديوهات قطع الرؤوس وبيانات الجماعات الإرهابية التي تشكل جزءا رئيسية في الحرب النفسية الإعلامية ضد الآخر. ولهذا، رأت السلطات الأمنية في الدول المختلفة أنها إذا استطاعت تتبع الإرهابيين وملاحقتهم إليكترونيا والقضاء عليهم، فسوف تنجح في حربها على الإرهاب، وهو ما بات يحدث بالفعل، وكانت الخطوة الأولى حرمان مستخدمي الإنترنت من ميزة السرية والخصوصية التي كان يتمتع بها على مر سنوات، بعد أن أسيء استغلال هذه الميزة. وبجانب المراقبة الأمنية، بدأ العالم الغربي يستغيث صراحة بعمالقة شركات الإنترنت في العالم لملاحقة داعش إليكترونيا. وقبل أيام، نشرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية تقريرا يكشف النقاب عن أن الحكومة البريطانية طالبت بالفعل عمالقة مواقع الإنترنت في العالم مثل "جوجل " و"فيسبوك" و"مايكروسوفت" و"تويتر" بتسليم كافة المعلومات والبيانات الخاصة بأي شخص يقوم بتحميل مواد متطرفة أو إرهابية أو مشاهد عنف دموية، ليساعد ذلك قوات الشرطة على ضبط تلك العناصر الإرهابية والتخريبية والقبض عليها. وجاء هذا الطلب في اجتماع عقده مسئولون كبار من "جوجل " و"فيسبوك" و"مايكروسوفت" و"تويتر" مع جو جونسون أحد المسئولين البارزين في الحكومة البريطانية، حيث تم خلال اللقاء بحث كيفية التعاون من أجل نصب "شرك" إليكترونى لتلك الجماعات المتطرفة والقبض عليها، عن طريق كشف بيانات المستخدمين الإرهابيين ، والحد من عمليات تجنيد التكفيريين لداعش، فقد طالبتهم الحكومة البريطانية أولا برفع كافة المواد سواء المكتوبة أو المرئية الدموية وغير الدموية والتي تدعو إلى الانضمام لتنظيم داعش الذي انضم إليه بالفعل عدد كبير من الشباب البريطانيين. وتحدثت الصحيفة – مثلا - عن أن أحد الفيديوهات المحملة على موقع "يوتيوب" التابع لجوجل يكشف عن بريطاني يدعى عمر حسين - 27 عاما - كان يعمل في أحد المحلات التجارية كفرد أمن وانضم إلى صفوف داعش لتكون مهمته هناك جلد كل من يخالف القانون "الداعشي" ، وبخاصة سماع الموسيقى أو تدخين السجائر، وقد تم تجنيد هذا الشاب من خلال الإنترنت. إيرين سالتمان الخبير الفني الذي تستعين به مواقع الإنترنت لحل أزمة المواد الإرهابية المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي يؤكد أن شركات الإنترنت لا تمانع من رفع المحتوى الإرهابي من صفحاتها، ولكنها تخشي من أن تتحول إلى أحد أذرع الشرطة، أي إلى "مخبر سري" للسلطات الأمنية، فهو يرى أن هذه الشركات تجارية بالدرجة الأولى وتسعى للحفاظ على عملائها، ولا ترفع أي مواد من على مواقعها إلا بناء على طلب من مستخدمي خدماتها أنفسهم. كما أنه من المستحيل عمليا مراقبة هذا الكم الهائل من المواد، فعلى سبيل المثال، فإن موقع "فيسبوك" به أكثر من 1،2 مليار حساب ، وموقع تويتر به أكثر من 270 مليون حساب، وهو ينشر أكثر من 500 ألف تغريدة في اليوم الواحد، أما موقع "يوتيوب" فإنه يضم أكثر من 100 ساعة من الفيديوهات في الدقيقة، أي ما يقرب من 6 مليار ساعة في الأسبوع. والسؤال الآن, هل تستجيب شركات الإنترنت لطلب الحكومة البريطانية بتسليم بيانات المستخدمين للشرطة, ويتحول الإنترنت إلى "مخبر سري" يفتقد إلى الحرية المطلقة والخصوصية، بعد أن كان هو الوسيلة المساعدة لشهرة وانتشار التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة حول العالم، بل وأداة ترويج سريعة لاستقطاب وتجنيد الشباب للانضمام لصفوفهم؟ أم أن شركات الإنترنت ستفضل القيام بدور البطولة الذي لعبته إبان ما يسمى بثورات الربيع العربي وتقرر عدم التعاون مع الحكومات ضد التطرف والإرهاب، تحت مبرر الحرية والليبرالية والحق في تبادل المعلومات والحفاظ على الخصوصية؟ الأمر محير، فالتعاون مع السلطات يجنب هذه المواقع الكثير من الانتقادات، بل والاتهامات التي تعتبرها شريكة في جرائم الإرهاب ولو بشكل غير مباشر، وعدم التعاون يعني أن الإنترنت سيفقد ميزته الأساسية تدريجيا ويصبح مكانا خاضعا للرقابة؟