علي بعد خطوات معدودات من الكرملين والميدان الأحمر يقف مسرح "البولشوي"، واحدا من أبرز معالم التاريخ الانساني للدولة الروسية منذ تأسيسه في عام 1776. مسرح "البولشوى" وتعني "الكبير" تمييزا له عن مسرح "مالي" أي "الصغير" القائم على يمينه يتصدر ميدان "المسارح"، في قلب العاصمة موسكو الذي يضم بين جنباته ايضا مسرح الاطفال، كان ولا يزال شاهدا على العصر، ومقياسا لازدهار الفنون ورفعة الدولة، وسجلا تاريخيا لتقلبات الدهر ونوائبه، ومنها ما تعرض له هذا المسرح التاريخي من حرائق داهمته في النصف الاول من القرن التاسع عشر بما في ذلك إبان الحرائق الكبرى التي أضرمتها جحافل نابليون في موسكو عام 1812!. ويذكر التاريخ ان "البولشوى" لم يكن ليقتصر يوما على اداء دوره الثقافي الفني الذي طالما عرفه عنه العالم كاحد ابرز مراكز صناعة فنون الاوبرا والباليه. ففي هذا المبنى جري تنصيب ثلاثة من قياصرة الامبراطورية الروسية، ومن علي خشبة مسرحه الخالد اعلن فلاديمير لينين زعيم ثورة اكتوبر الاشتراكية في عام1917 عن قيام اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية في عام 1924، وفي قاعته التاريخية الكبرى عقد ستالين الكثير من مؤتمراته الحزبية المصيرية، فضلا عما كان هذا الصرح الثقافي التاريخي العظيم كابده من ويلات الحرب العالمية الثانية، وهو ما اضطرت معه القيادة السوفيتية الي نقل كنوزه البشرية والمادية الي مكان قصي في عمق الاراضي السوفيتية. ولا تنسى روسيا الجديدة أيضا ما ارتكبه مثقفوها في تسعينات القرن الماضي من خطايا حين اجتمعوا بين جنبات "البولشوي" في موسكو لمبايعة الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين ومباركة مسيرته التي يعرف القاصي والداني اليوم ابعاد اغراقها في خيانة مصالح الوطن والتضحية بثرواته ومقدراته. ومع ذلك نقول انه وعلى الرغم من الحرائق التي التهمت "البولشوى" منذ تاسيسه "خشبيا" في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وما تعرض له من نوائب توالت عليه تباعا فقد كان المبني «الرمز» يعود دوما أبهي من ذي قبل ليس فقط في شكل معماري يواكب أحدث انجازات العصر بل وايضا ب "ريبرتوار" اكثر ابداعا يليق بنجوم الزمان والمكان. ولذا لم يكن غريبا ان يتحول البولشوي الي منارة فنية عالمية تستقطب رواد الفنون والموسيقي من مختلف البلدان يتقدمهم العباقرة من أمثال بيتر تشايكوفسكي وسيرجي رحمانينوف وفيردي وبيزيه وشوستاكوفيتش وخاتشاتوريان وغيرهم كثيرون ممن اثروا بموسيقاهم ابداعات نجوم الادب العالمي. ولسنا هنا بطبيعة الحال في مجل يسمح لنا بسرد تاريخ نجوم الاوبرا والبالية ممن اثروا تاريخ الثقافة العالمية بافضل الانجازات والابداعات. نقول فقط ان "البولشوى" عاد الى الاضواء بعد تجديده واضافة "ملحقاته" المسرحية في مطلع القرن الجاري ليحتل موقعه في صدارة الحياة الفنية والثقافية، بعد أن تحول كسابق عهده إلى قلعة فنية شامخة تجمع بين الاصالة والفخامة، وتؤكد انه يظل ارق بطاقة تعارف تدعو الى التسامي فوق احزان التاريخ .