تحت ستار الغبار الناجم من ذكرى 11سبتمبر.وتحت لافتة جميلة ونبيلة مدون عليها «مكافحة الإرهاب» والضربات الأمريكية الفرنسية ل«داعش» يخضع قطاع من الرأى العام العربى لتأثير ثانى أكبر «حقنة مخدر» تسبق عملية جراحية خطيرة تسلب منة دون موافقتة أو شعور أعضاء من جسده حقنة المخدر الأولى نالها العرب فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. وبدأت العملية الجراحية بقيام إسرائيل المشئوم واكتملت فى الخمسينيات والستينيات. فقد قدمت بريطانيا العظمى وفرنسا وبقية القوى العالمية نفسها كأنها تعادى الحركة الصهيونية وترفض هجرة اليهود لفلسطين ،بل وسمحت سلطات الاحتلال البريطانى لمصر للجيش المصرى بالمشاركة فى حرب 48. مع هذا قامت الدولة الصهيونية، وتابعنا كيف أن فرنسا منحت إسرائيل مفاعلا نوويا وكيف أنها تحالفت معها وبريطانيا لحرب مصر فى العدوان الثلاثي. أوباما وهو يرتدى قميص 11سبتمبر. يخاطب العالم العربى والأسلامى قبل أى جهة أخري، وهو يزعم أنه يحارب «داعش» وأن لديه خطة واستراتيجية للقضاء عليها وهو فى واقع الحال يبعد كل من يفكر جديا فى مواجهة «داعش» عن الساحة ويبعد كل الاتهامات النى توجه أصبع الاتهام للادارة الامريكية مشيرة لضلوعها فى تأسيس التنظيم لتفتيت العالم العربى من الداخل. يتعين على المراقب أن يربط بين هذا السيناريو المليء بالفجوات الذى يحاول العم سام أن يسوقه لنا وبين «التسمية» فهى بكل تأكيد أمريكية المنشأ صهيونية الهوى فلا عهد لنا بتسمية الدول العربية بأسماء مختصرة لكنها مدرسة شائعة فى الولاياتالمتحدة (يو إس إيه) وبدأت مع إسرائيل ذاتها حين دست على العملة فى عهد الانتداب حرفى (إ. ى) فى إشارة إلى «أرض أسرائيل..ناهيك عن التأكيد على كونها «دولة» وليس تيارا سياسيا أو فكريا تماما مثل إسرائيل فهى أيضا «دولة» وليست مملكة أو إمارة أو جمهورية. حالة العداء «الصورى» الموجه من الولاياتالمتحدة ضد داعش ورفض مظلة مجلس الأمن والفصل السابع للتدخل بحسم يشى بأن جل أهداف أمريكا الحقيقية هو التدخل فى سوريا وانتزاع حق مكافحة الإرهاب بالكيفية التى تراها وبالتعريف الذى تعتمده صبيحة كل يوم إن شاءت(!) وفى هذا قطع للطريق أمام محاولات التدخل الجاد ضد السرطان الداعشي، وهو ماسبق وأن تكرر عند ميلاد إسرائيل عام 1948 ويجدر بنا فى هذا السياق أن نشير إلى السمات المشتركة بين إسرائيل وبين «داعش» ومدى انعكاس ذلك بالإيجاب على المصالح الأمريكية: أهمها، عدم احترام الحدود، واستخدام العنف والخروج على القانون، واستغلال الدين ، والتحالف والانقلاب على السلطة، والانقسامات الداخلية، وترويع السكان لإجبارهم على الفرار من مدنهم، وجر المنطقة إلى الصراع طائفى وحروب دينية لا تنتهي. الخلاصة هى أن أمريكا تجاوزت فكرة إسرائيل الكبرى لأنها مكلفة للغاية على الصعيد السياسى والمادى والاقتصادى والأخلاقى (المفضوح)، ويبدو أن الإدارة الأمريكية قررت أن تتجاوز أفكار «التقسيم» وتتجه رأسا نحو «التفتيت» بميليشيات تتناحر وتسيطر تارة على حى سكني، وتارة على مطار، وتارة على حقل نفط أو سد مياه، غير عابئة بحياة البشر ولا بحدود بالطبع. تبرهن الأحداث المتلاحقة أن المصالح المشتركة تطغى على اختلاف العقائد والمبادئ، بل توظفها وتستغلها أسوأ استغلال، وأن ما يجرى الآن يعد استكمالا وتعديلا للفوضى الخلاقة التى انكشفت للجميع حكاما وشعوبا، وأن الهدف هو استمرار وتسهيل نهب موارد الشعوب بكل الطرق الاستعمارية القديمة والجديدة. أمريكا التى تتبنى فى أفغانستان وفى العراق وفى سوريا وفى ليبيا وفى اليمن وبقية الدول العربية سياسة تمكين الميليشيات المتطرفة تزعم أنها لا تراهم، أو أنها غير قادرة على دحرهم بمفردها، وفى الوقت نفسه ترفض الكشف عن مصادر تمويلهم وتسليحهم، وترفض فضح المتخاذلين عن التصدى لهم الذين سلموا لهم الحدود العراقية السورية ثم نحو ثلث مساحة العراق دون مقاومة، وترفض تدخل مجلس الأمن وفقا للفصل السابع. ما هو المطلوب إذن من صنع القرار المصرى والعربي؟ مطلوب بقسوة عدم تكرار أخطاء حرب 48 متمثلة بعدم التهويل أو التهوين من الخصم وداعميه السريين، مطلوب عدم الارتكان للغرب بقيادة امريكا حين يعلن أنه «متكفل» بعلاج هذه الأزمة وفقا لرؤيته وإيقاعه وأساليبه، مطلوب كذلك تحصين شبابنا من تسرب تلك الأفكار الهدامة لقلوبهم وعقولهم، ومحاصرة محاولات الإغواء المادي، فالانكفاء على المشاكل الداخلية لن يجدى بدون الدفاع عن الأمن القومى بالتصدى للمخاطر الخارجية فى الوقت المناسب وليس بعد أن تستفحل، وقد يكون من المفيد فى هذا السياق أن يتجاوز صانع القرار العربى بشكل عام والخليجى بشكل خاص التعامل مع هذا الملف من منظور الصراع السنى الشيعي، لأن الانزلاق لهذا المستنقع لن يخدم سوى إسرائيل. وأخيرا وتلك معركة كبرى الضغط بلغة المصالح على الإدارة الأمريكية وشرح المخاطر الذاتية الكامنة وراء التحالف السرى مع «داعش» للرأى العام الأمريكى وتأكيد أن مكافحة الإرهاب بكل صوره ضرورة أساسية لاستمرار الحياة وأنه سبق إتباع سياسة التحالف مع الإرهاب الصهيونى فى فلسطين وكان لهذا تداعيات مأساوية.. مهمتنا الأساسية توضيح أن الغرب يستطيع تغيير المناخ فى الشرق الأوسط بالكامل ولكنه غير عاقد العزم على هذا وغير جاد فى التعامل مع اليمين المتطرف المتدثر بعباءة «الإسلام السياسي» لأنه يخدمه، لكن مضاعفات الإرهاب ستؤثر عليه وستخرج العملية عن الحدود المرسومة أو المقبولة لها. رسالتنا الواضحة اقترح أن تكون: هذه المرة التحالف السرى مع «داعش» وقبلهم الإخوان وقبلهم القاعدة ستكون له نتائج وخيمة فكثيرا ما ينقلب الجنين على خالقه وحشا، ناهيك عن كثرة الانشقاقات فى تلك التنظيمات المتطرفة. ففى المرة الأولى ذهبت الاستثمارات الأمريكية الضخمة فى إسرائيل هباء منثورا ووجدنا إسرائيل تتوارى عند أى مواجهة وتضطر الولاياتالمتحدة للتعامل بنفسها معها ودفع أثمان باهظة لتحقيق أهداف وحماية مصالح إقليمية كان من المفترض أن تقوم بها إسرائيل بالوكالة. فهذه المرة قد تجد الإدارة الأمريكية نفسها أمام عملاق مهووس يهوى الانشقاقات الداخلية وقد يستولى على أسلحة دمار شامل ويقرر بناء على فتوى أو تفسير مريض لنص دينى أن يراهن على «الخيار شمشون» ويقضى على الجميع. لمزيد من مقالات د. احمد فؤاد انور