فى محاولة للوقوف عن قرب على حجم الماّساة التى يعيشها قطاع غزة منذ العدوان الهمجى الإسرائيلى عليها قامت «الأهرام» بزيارة القطاع بعد فترة وجيزة من وقف العمليات العسكرية وزرنا الأماكن الأكثر تضررا وفى مقدمتها أحياء الشجاعية وخزاعة ورفح لنكتشف ونسجل بالقلم والكاميرا أن حجم الدمار اكثر مما يتخيله عقل بشر حيث دمر الإحتلال أحياء باكملها بما فيها من بيوت ومدارس ومستشفيات ومساجد لدرجة أن سكان تلك الأحياء فشلوا فى التعرف على أماكن بيوتهم. وقبل التحرك إلى غزة التقينا الرئيس الفلسطينى محمود عباس (ابومازن) خلال زيارته الأخيرة للقاهرة الذى أبلغنا بأن اللجنة الرسمية الفلسطينية التى حصرت خسائر العدوان الإسرائيلى على غزة توصلت إلى ان العدوان أسفر عن تدمير 18 الف وحدة سكنية تدميرا كاملا و41 الف وحدة تدميرا جزئيا علاوة على 220 مدرسة مابين كلى وجزئى وتدمير 6 جامعات تدميرا جزئيا و7 مستشفيات وعيادات طبية وتدمير 180 مسجدا منها 71 مسجدا تحولت إلى أثر بعد عين ولم تسلم المقابر من العدوان فجرى تدمير 10 مقابر بينها مقبرة مسيحية . أما عن النازحين فقد كشف التقرير الرسمى الذى أبلغنا أبومازن بنتائجه أن أعدادهم وصلت إلى 461الفا و643 نازحا استقر 280 الفا منهم فى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) و 44 الفا و800 فى المدارس الحكومية و138 الفا لجأوا إلى بيوت أقاربهم وأصدقائهم. ومسلحين بتلك الأحصائيات المفزعة تحركنا إلى غزة وفى قرارة أنفسنا أن يكون همنا الوحيد هو رصد معاناة المشردين الذين دمر الأحتلال بيوتهم فلم يجدوا غير الشارع مأوى لهم على أمل أن تتحرك ضمائر العالم لإعادة إعمار مادمرته إسرائيل على رءوسهم فى غزة . مأساة خزاعة كانت محطتنا الأولى فى غزة بعد الدخول من معبر رفح هى بلدة خزاعة شرقى خان يونس بجنوب القطاع التى تعد من اكثر المناطق تضررا من العدوان لنجد العشرات من السكان المشردين فى إنتظارنا وهم يشكون مر الشكوى من أوضاعهم المأساوية ويخشون أن تدوم طويلا لأن العالم ربط إعادة الإعمار بعودة سيطرة السلطة الفلسطينية برئاسة أبومازن على القطاع الذى مازال يخضع للسيطرة الفعلية لحماس من خلال أجهزة الأمن والموظفين التابعين لها بينما يبقى الكلام عن حكومة الوفاق الوطنى برئاسة رامى الحمد الله مجرد حبر على ورق وقتها. وفى خزاعة رأينا المنازل والمدارس والمساجد وقد تحولت إلى أنقاض لا يمكن الوصول إليها بالسيارة لإلتصاق بعضها ببعض من الأساس وضيق الشوارع والحارات لدرجة أن الشوارع الرئيسية بها لا تسمح إلا بمرور سيارة واحدة وهى كلها مؤشرات على مدى فقر السكان. غزة مختلفة الكثيرون فى خزاعة والمناطق الأخرى اعربوا عن أملهم فى أن يقوم المؤتمر الدولى لإعادة الإعمار بإنتشالهم مما هم فيه خاصة بعد التصريحات المشجعة التى سمعوها من وزير الخارجية النرويجى بورج برندى عندما زار غزة فور إنتهاء الحرب حيث دعا المجتمع الدولى وإسرائيل إلى تحمل المسئولية تجاه قطاع غزة، والعمل على إنهاء حصاره وإدخال مواد البناء للبدء فى إعادة الإعمار وإصلاح ما دمره العدوان الأخير. ومازال الناس يذكرون عن ظهر قلب ماقاله وزير الخارجية النرويجي، فى مؤتمر صحفى عقده برفقة وزير الأشغال الفلسطينى مفيد الحساينة، فى ختام جولته بحى الشجاعية: "شاهدت غزة مختلفة عن تلك التى رأيتها فى السابق. الدمار كبير جدا وغير معقول، وقد رأيت أمورا فظيعة خلال جولتى فى قطاع غزة". وبالعودة إلى جولتنا فى غزة فقد أبلغنا الزملاء الصحفيون الفلسطينيون بأن معظم سكان القطاع لم يدركوا حجم الدمار خلال الحرب وكانوا يظنون أن الخسائر والدمار كالمعتاد فى الاعتداءات الإسرائيلية السابقة وكان هناك سببان لعدم إدراكهم الحقيقة اولهما أن العمليات العسكرية كانت لا تزال مستمرة وكان من الصعب الوصول إلى مناطق القتال وثانيهما أن حماس كانت تفرض حظرا للتجوال فى بعض المناطق حتى لايتمكن عملاء إسرائيل من رصد حركة المقاومين وإبلاع المخابرات الإسرائيلية بها ولكن ما أن توقف العدوان فى 26 أغسطس الماضى حتى تكشف لأهالى غزة حجم الجرائم التى ارتكبها الجيش الإسرائيلى فى المناطق الحدودية الشرقية لقطاع غزة خاصة فى الشجاعية وخزاعة والتى أقل ما يقال فيها أن زلزالاً بدرحة ثمانية درجات على مقياس ريختر قد اتى عليها ليحولها الى أنقاض حيث لم يتمكن معظم السكان من تحديد أماكن بيوتهم واحتاج الأمر إلى تدخل مهندسى التنظيم لإبلاغ كل مواطن بمكان أنقاض بيته بعد أن تشابهت وتساوت الأنقاض والماّسى فكل بيت تهدم أخذ تحت أنقاضه كل أو بعض سكانه فترك الناس يصفون ما حدث بأنه " موت وخراب ديار" . . وخلال جولتى فى الشجاعية أبلغنى السكان المحليون بأن مناطق كاملة فى الحى أختفت من الوجود ومنها البلتاجي، والنزاز، والشعف، والمنصورة، والمنطار حيث دمرت بشكل شبه كامل ولا يكاد يخلو بيت فيما تبقى من الشجاعية والتفاح والدرج وخزاعة والزنة من اّثار لقذيفة مدفع أو أو رصاص رشاش ثقيل وهو مايعنى أن القصف الإسرائيلى كان يستهدف البشر والحجر فى أكبر جريمة عقاب جماعى للمدنيين فى العقد الثانى من القرن العشرين وكان كل هدف الإسرائيليين كما يقول الناس هو كسر إرادة الشعب الفلسطينى ودفعه للإستسلام بلا قيد أو شرط أو الفرار من القطاع للأبد والى جانب حى الشجاعية وخزاعة هناك دمار واسع فى العديد من المناطق فى قطاع غزة منها تدميرالمناطق الشرقية لبيت حانون بشمال القطاع، ومنطقة المطار ومحيطها فى رفح بالجنوب ، ومنطقة الفخارى شرق خانيونس، والمناطق الشرقية لحى الزيتون. والى جانب التدميرالكامل أو الجزئى لتلك الاحياء الحدودية فى الجنوب والشرق والشمال دمرت قوات الإحتلال مئات المنازل وعدد من الأبراج السكنية كبرج الظافر والبرج الإيطالى تدميراً كلياً فى مناطق متفرقة فى القطاع وخاصة مدينة غزة العاصمة . القذائف العفنة وروى لى العديد من سكان غزة كيف استخدم الإسرائيليون نوعا جديدا من القذائف التى تطلق روائح عفنة نفاذة لاتطاق حتى يضطر الناس لمغادرة بيوتهم وبعدها يقومون بقصفها وتسويتها بالأرض وفى أحيان أخرى كان ضباط المخابرات الإسرائيلية يتصلون على الهواتف المحمولة للسكان ليطالبوهم بمغادرة بيوتهم خلال وقت قصير قبل أن يهدموها على رؤوسهم وفى بداية العدوان كان الناس يرفضون ترك منازلهم ويجعلون من أنفسهم دروعا بشرية لحمايتها ولكن الإسرائيليون كانوا ينفذون تهديداتهم ويهدمون البيوت على من فيها من نساء وأطفال وعجائز ولذلك ترك الكثيرون بيوتهم فى المناطق الحدودية فى شرق غزة على عجل.. البنت المفقودة ولكن القصة الأكثر تاثيرا التى سمعتها هى قصة مواطن بسيط من أبناء الشجاعية يعيش فى بيت قريب من الحدود الشرقية ولا علاقة له باى عمل سياسى أو مقاوم وفى يوم من الأيام جاءه أتصال من ضابط المخابرات الإسرائيلية يطالبه بضرورة مغادرة بيته خلال دقائق ولأن المهلة كانت قصيرة جدا فقد جمع عائلته المكونة من أبيه وأمه وزوجته وأولاده وبناته التسعة على ظهر عربة كارو وأنطلق باسرع ما يمكن من منطقة سكنه إلى منطقه داخلية اكثر امنا خاصة وأن الإسرائيليين كانوا قد بدأوا بالفعل قصفهم العشوائى للحارة التى يسكن فيها وبعد أن وصلوا للمكان الجديد لاحظ أختفاء أحدى بناته بالرغم من تاكده انها كانت قد ركبت العربة الكارو معهم وقد حاول أكثر من مرة العودة إلى منطقته للبحث عن ابنته ولكنه فشل فى الإقتراب بسبب استمرار العدوان والقصف العنيف للمكان ولم يتمكن من شق طريق العودة إلا بعد أربع أيام ليعثر على جثة ابنته ملقاة وسط الشارع الذى مروا منه فى طريق الفرار حيث أصيبت برصاصة وهى جالسة على طرف العربة الكارو وسقطت على الأرض وظلت تنزف حتى الموت بدون أن يشعر بها احد او يجرؤ اى شخص على الإقتراب منها لإسعافها. . مجزرة الأحد ومازال أهل الشجاعية يتذكرون المجزرة التى ارتكبتها قوات الأحتلال فى منطقتهم يوم الأحد الموافق 20 يوليو 2014حيث أسفر القصف العشوائى للمدنيين عن استشهاد قرابة 100 شخص وأصابة المئات غيرهم علاوة على تدمير مئات المنازل ولم يسلم رجال الأسعاف من نيران قوات الاحتلال فى ذلك اليوم المشئوم حيث تعمدت إسرائيل قصف سيارات الاسعاف فدمرت فى ذلك اليوم خمس سيارات اسعاف وقتلت أحد المسعفين ومنعت الطواقم الطبية من إخلاء الجرحى ..وعقب تلك المجزرة أعترف المحلل العسكرى الإسرائيلى عاموس هرئيل بصحيفة هاّرتس بأن قوات بلاده قصفت خلال 50 دقيقة فقط 126 هدفا فى الشجاعية فى ذلك اليوم مستخدمة قذائف يبلغ وزن القذيفة الواحدة طن لضرب كل هدف من الأهداف ال 126مما خلف دمارا هائلا فى الحى الذى غادره غالبية السكان .. وأضاف المحلل العسكرى الإسرائيلى قائلا أن "هذا القصف العنيف غير وجه المكان، وسمح لقوات الجيش بالتقدم، لاستكمال "المهمة"، وهى تدمير نفق كان المقاومون يستخدمونه لمهاجمة القوات الإسرائيلية. ولم يختلف الوضع فى حى الشجاعية كثيرا عن باقى المناطق الشرقية والشمالية فى قطاع غزة التى تعرضت للعدوان الأسوا فى تاريخها لعدوان ووصلت محصلة الشهداء حتى لحظة كتابة هذه الرسالة ورغم مرور مايقرب من خمسين يوما على صمت المدافع ووصل عدد الشهداء إلى 2500 شهيد حيث تفيض كل يوم روح مصاب أو أكثر من بين المصابين الذين يقترب عددهم من 12 الفا بينما المئات من أصحاب الحالات الميئوس من شفائها . ويخشى أبناء غزة أن ينعقد مؤتمر إعادة الإعمار وينفض مخلفا وراءه قرارات لاتنفذ خاصة مع أستمرار مماطلات إسرائيل فى رفع الحصار وخلافات حماس والسلطة الفلسطينية وإنشغال العالم ب "داعش".ليتكرر بالتالى سيناريو مؤتمر إعادة الإعمار بعد عدوان ديسمبر 2008 يناير 2009 والتى عرفها العالم بأسم عملية الرصاص المصبوب ولم تنفذ قراراته حتى اليوم .