رست سفينة حياة الاسرة المكلومة علي شواطيء الاحزان وتوقفت عجلة الزمن علي اعتاب الشجن وتاهت الفرحة في بحور اللوعة علي فراق فلذات الاكباد واتشح البيت الكبير بالسواد وخلت جدرانه من اصوات الضحكة وزلزلت جنباته اصوات الصراخ والعويل علي فراق الشقيقات الثلاث ولم يتبق منهم سوي ذكري اليمة تسكن الوجع في القلوب الملتاعة المشهد مأساوي واقسي من ان يوصف حيث حصد الموت اجساد الشقيقات الثلاث وهن نيام ولم يستطعن الفرار من ألسنة اللهب التي التهمتهن، لتفيض أرواحهن الي بارئها. موت و خراب ديار .. هذا المثل الشعبي انطبق علي تلك المأساة الانسانية التي تعيشها أسرة سوهاجية تقيم بنجع عويس بدائرة مركز جرجا عندما فقد أب بناته الثلاث الصغيرات في حريق بالمنزل بسبب ماس كهربائي بتكييف الغرفة اللاتي استغرقن في النوم بها ليخيم الحزن علي الأب والأم الثكلي ! حاولنا ان نحاور الأب المكلوم فليس هناك كلمات يمكن ان تواسيه أو تخفف عنه بعد فقد ثلاثة من فلذات كبده .. قال حربي محمد ( 48 سنة ) عامل: بكل الحزن و الأسي فقدت بناتي الثلاثة وشقي عمري الذي جمعته طوال 17 سنة كنت فيها أسافر للعمل في دولة الكويت مع شقيقيّ حمدي (32 سنة ) و حمدان ( 26 سنة) و كنت قد قررت ان اكتفي بذلك و استقر بجوار والدتي و أبنائي و ابحث عن مصدر رزق في بلدي .. و في اليوم الموعود خرجت لأقضي بعض الحاجات و جاءني خبر الحريق بالمنزل فهرولت مسرعا لاصطدم بالخبر بأن الحريق شب في الغرفة التي تنام فيها بناتي الثلاث أمنية ( 5 سنوات ) و حنين و صفاء ( 3 شهور ) بالطابق الثاني و السبب ماس كهربائي في التكييف الذي قمت بتشغيله لهن لكي يناموا نوما هادئا حيث ان ابنتي أمنية نور عيني شعرت بالتعب و لم تذهب الي المدرسة لتلقي حتفها مع شقيقتيها بهذه الطريقة المؤلمة التي سودت الدنيا في وجهي .وجعلتني اتمني الموت لالحق بفلذات اكبادي و يواصل حديثه قائلا: وصلت الي المنزل والحريق مازال مستمرا و ظل مندلعا لمدة ساعتين حاولنا بكل الطرق السيطرة عليه بمشاركة الجيران حتي وصلت سيارة المطافيء الصغيرة لأن الشارع ضيق و حنفية الحريق الملاصقة للمنزل لا تعمل .. و لا استطيع ان أصف مدي الرعب و الفزع في عيون والدتي و زوجتي و ولدي معتز ( 4سنوات ) و مصطفي ( سنتان ) اللذين نجاهما الله بوجودهما في الدور الأرضي مع والدتي. و يتوقف فجأة عن الكلام في حالة شرود ثم يقول: الخسارة كبيرة، بناتي و شقتي التي قمت بتجهيزها بأحدث الأجهزة و شقي عمري حيث كان يوجد في الغرفة 18 ألف جنيه و 230 جرام ذهب و 4 آلاف دينار كويتي .. يضع يديه فوق رأسه قائلا » عليه العوض .. و منه العوض » ويضيف الاب المكلوم: شددت الرحال الي البلد العربي لجمع المال لتوفير حياة كريمة لابنائي وتحملت وجع البعاد وآلام الغربة وكلما راودني الحنين لروءيتهم وقررت العودة تذكرت المستقبل والافواه الخمسة التي تتعلق في رقبتي لاستمر في السعي في بلاد الله، ولم يدر بخلدي ان النيران سوف تعصف ببناتي الثلاث وان الحلم الجميل سوف يضيع في لحظه وان الايام سوف تلقنني درسا في الاحزان لن أنساه أبد الدهر وصرخ الاب صرخة كادت ان تزهق روحه عندما تراءت أمام عينيه صورة بناته الثلاث وهن يرتمين في احضانه ويستدفيء بانفاسهن في بروده الشتاء. عجزت الام الثكلي عن الكلام بعد ان اتشحت بالسواد وانزوت بين جدران المنزل تنادي علي بناتها الثلاث اللاتي اختطفتهن النيران في لمح البصر. اكد خالد السيد شيخ البلد بنجع عويس و ابن عم الأب ان النجع به 6 حنفيات حريق معطلة، لا يمكن استخدامها عند كوارث الحرائق، والحنفية الموجودة بجوار منزل حربي عبارة عن هيكل حنفية ليس بها محبس أو مفتاح أو خراطيم لتشغيلها عند الحاجة و قال ان كل شيء مقدر من عند الله و لكن كان يمكن انقاذ الموقف بشكل اسرع لو كانت هذه الحنفية تعمل، و المشكلة زادت لانتظار حضور المطافيء بعد ان اكلت النار الأخضر واليابس . و من جانبه أكد اللواء أيمن السيسي نائب مدير الامن لقطاع الجنوب انه فور الابلاغ عن الواقعة انتقل الرائد المزمل نافع رئيس مباحث مركز جرجا و قوات الحماية المدنية الي موقع الحادث، لانقاذ باقي أفراد الأسرة و نقل الأب و الأم للمستشفي بعد اصابتهما بحروق أثناء محاولة المشاركة في اطفاء الحريق وأضاف أن الأب استأذن فريق النيابة برئاسة المستشار سيد حموده رئيس نيابة المركز بأن تكون معاينة جثث البنات الثلاث في المنزل وعدم نقلهن للمستشفي لأن أجسادهن لا تحتمل ذلك بعد ان قضت عليها النيران، وقد وافقت النيابة بدافع انساني، وصرحت بدفن الجثث بعد المعاينة.