كثيرا ماتتوه مفاهيم قضية المرأة في متاهات المناقشات والصراعات التي تدور من وقت إلي آخر عندما ترتفع الأصوات لتدلي برأيها حول أحقية النساء في هذا الحق أو ذاك. حق من تلك الحقوق التي قد تلاقي تعنتا في بلد ما. ,بينما يوفرها بلد آخر بيسر وبسهولة وبلا تعنت أو معارضة بالرغم من التقارب الشديد بين البلدين المعنيين. سواء المانع أو المانح, في درجات التطور الاقتصادي والاجتماعي وكذلك الثقافي. لقد تطورت وتقدمت المفاهيم الخاصة بقضايا المرأة علي امتداد العقود الزمنية المنصرمة شأنها شأن مجموعات متباينة من المفاهيم المتعلقة بحقوق الإنسان وبالحقوق الديمقراطية والدستورية للمواطن وبحقوق الطفولة وبقضايا العدل الاجتماعي وإلي آخر تلك المفاهيم الجديدة التي تتصارع عليها مجموعات إنسانية مع الدولة أو مع مجموعات إنسانية أخري من أجل إقرار هذه الحقوق قانونا ثم وضعها في الممارسة الجادة الفعالة اليومية. فمن من المفكرين المنتمين لتلك الأجيال التي سبقت الحرب العالمية الثانية كان يتصور أن تتجمع البشرية حول مجموعة مبادئ إنسانية عامة, نلتف جميعا حولها الآن وندافع عنها علي أنها إعلان عام متفق عليه منذ1948 ونستمر نسميها بالإعلان العالمي لحقوق الانسان كما نستمر نطور فيها سواء كنا حكومات أو تيارات وأحزابا سياسية أو منظمات مجتمع مدني أو حتي منظمات دولية؟ ومن من المفكرين المنتمين لتلك الأجيال كان يتصور أن تنشأ حركة عالمية لحقوق الانسان تدافع عن ذلك المواطن الأبيض والآخر الأسود والثالث القاطن في قري بعيدة قد لانكون قد سمعنا عنها في ريف الصين أو بورما أو تايلاند لمجرد أن هذا الإنسان قهر وعذب ولم يقف أمام قاضيه الطبيعي؟ هذه مستجدات عالمية باتت ضرورية لتحقيق التقدم والحداثة والتنمية, إن لم نعيها ونضعها في اعتباراتنا سوف نجد أنفسنا من المجموعات المهمشة والمعزولة عن حركة العالم. لقد تغير العالم كثيرا خلال تلك الفترة التي لحقت صدور هذا الاعلان. ولمس هذا التغيير كل المجموعات الإنسانية التي تتشارك في الأوطان وفي العالم. وبات لكل المجموعات حقوقها الواضحة الخاصة وتلك الحقوق الأخري العامة التي تتشارك فيها مع المجموعات الأخري. وبات من الواجب أن ينظر لكل فرد, في الوطن وفي العالم, علي أنه مواطن وإنسان له ذات الحقوق مقابل ذات الواجبات. وتشهد الآن كل الأوطان صراعا حادا لتحقيق هذه الحقوق ووضعها في مسارها الحياتي اليومي. ويتخذ هذا الصراع أشكاله المتعددة تبعا لظروف كل بلد علي حدة ولكنه صراع بات مفتوحا ويزداد انفتاحا يوما بعد يوم ليستوعب جبهات داخلية ومشاكل محلية أخري كان مسكوتا عنها في الماضي. ضمن هذه الحقوق تأتي حقوق المرأة كحزمة حقوق تخص مجموعة إنسانية تشكل نصف العالم عدديا وتسهم في صنع ثلث خيراته الزراعية والصناعية, ولكن وفي نفس الوقت تتراجع أوضاعها التعليمية والصحية والاقتصادية والثقافية والسياسية عن مجمل أوضاع الرجال في كل بلدان العالم سواء كانت بلدنا نامية أو متقدمة. قبل عام1948 أي قبل صدور الإعلام العالمي لحقوق الإنسان كانت حقوق المرأة تعني أنها الأنثي التي تطالب بالمساواة. مجرد المساواة ولكن بعد صدور الإعلام وماتبعه من إعلانات أخري واتفاقيات بات المجتمع العالمي يطالب لهذه المواطنة ليس فقط بالمساواة وإنما, وعلي ذات المستوي والدرجة, بتكافؤ الفرص الخاصة والعامة شأنها شأن كل المواطنين كما يطالب بأن تنعم بالعدل الاجتماعي شأنها شأن الرجال. اعترف بها المجتمع العالمي علي أنها مواطنة وإنسانة وشريكة في صياغة تاريخ بلدانها. هذا هو الجديد والمستجد في تناول قضية المرأة في أي مجتمع. سواء كانت هذه المرأة فلاحة مزارعة أو عاملة صناعية أو مهنية أو حتي ربة بيت. ينظر هذا المفهوم الجديد للمرأة كونها مواطنة تتساوي مع الرجل في الفرص المتاحة لهما بالرغم من كونها تتحمل وظيفة جميلة حنونة أخري هي وظيفتها كأم وزوجة وربة بيت. ولم يضع هذا المفهوم أي تعارض بين المسئولين. ولايعني ذلك أن كل النساء يصلحن لكل الأعمال أو لكل الوظائف. كما أنه لم يحدث في الماضي ولايحدث في الحاضر أن صلح كل الرجال لكل الأعمال أو لكل الوظائف. ولكن يحدث في المستقبل. الصحيح هو أن البعض من النساء والبعض من الرجال يصلح لمهنة الطب والبعض من الجانبين يصلح لمهنة المحاماة والبعض الثالث من الجانبين يصلح لمهنة القضاء. فصلاحية المواطن والمواطنة لامتهان مهنة معينة يتوقف علي درجة تعليمهما وعلي قدراتهما الذاتية ومواءمة هذه القدرات مع متطلبات المهنة ذاتها. ولم يحدث أن توقف هذه الصلاحية علي موقع المواطن الاجتماعي أو مسقط رأسه ومواطنه أو علي دينه أو علي نوعه الاجتماعي إلا في ظروف القهر والاستبداد, سواء كانا من الدولة أو من مجموعة إنسانية ضد أخري. مظاهر القهر هذه هي من صنع الانسان الذي أراد أن يفرق البشر والمواطنين علي أسس اجتماعية جائرة تضمن للغني موقعه وموقع أبنائنا في الثروة الوطنية وللأبيض موقعه وموقع أبنائه في المنزلة الطبقية وكذلك للمختلف دينيا أو عرقيا ليضمن عدم صعودهما إلي مواقع اتخاذ القرار وكذلك للمرأة لتستمر مجرد أنثي وكائن تابع. هذه العلاقات المبنية علي تلك الأفكار الجائرة هي من صنع الإنسان ذاته علي طول مراحل سلطته المستبدة, ولذلك يمكن تعديلها وتغييرها وتطويرها بحيث يعاد تشكيل تلك العلاقات الاجتماعية علي الأسس الجديدة من صياغة الإنسان ذاته ولكن بعد أن تعرف هذا الانسان علي الأخطار المتولدة من المفاهيم القديمة. أي بعد أن تعلم من دروس وأخطاء تاريخ السابقين عليه. لذا لايجدي ولاينفع التعميم هنا, مثل أن نقول إن كل الرجال يصلحون لمهنة القضاء أو الطب أو النيابة أو الدبلوماسية. والصحيح هو أن نقول إن المواطن أو المواطنة الحاملين للمؤهلات المحددة وصاحبي الإمكانيات المحددة والقادرين علي تحمل تبعات الأعمال والوظائف بالطريقة المحددة هما المرشحان لتولي هذه المهن بغض النظر عن الجنس والدين والنوع الاجتماعي, وكذلك الموقع الاجتماعي الاقتصادي. ونترك لهما حرية الاختيار في مناخ يحقق المساواة أو تكافؤ الفرص. فلنفكر في هذه المفاهيم الانسانية, ونحاول تطبيقها علي كل المواطنين والمواطنات الساعين إلي الحق وإلي العدل الاجتماعي.