الأنبا كيرلس في مؤتمر مجلس الكنائس العالمي: وحدانية الكنيسة راسخة في قداستها وجامعيتها ورسوليتها منذ مجمع نيقية    خبير سيارات: لا تنخدعوا في إعلانات «زيرو فوائد»    سعر الدولار الآن أمام الجنيه بالبنك المركزي المصري والبنوك الأخرى الأحد 26 أكتوبر 2025    ما الشهادات المتاحة حاليًا في بنك مصر؟.. أعلى شهادة في البنوك الآن    النشرة الصباحية من «المصري اليوم»: حماس: السلاح على طاولة النقاش.. اشتباكات في سوريا.. الطقس خريفي.. مشهد مؤثر للسيسي مع طفلة فلسطينية.. كييف توجه السكان للبقاء في الملاجئ    سكرتير شعبة الذهب: اللي معاه سيولة لازم يشتري ولكن «يمسك العصاية من النصف»    42 مليون أمريكى مهددون بالجوع قريبا.. وتطور مهم في ملف غزة (فيديو)    القبض على المتهم بقتل سائق لخلافات عائلية فى الوراق    رسميًا.. مواعيد بدء امتحانات الترم الأول 2025-2026 وإجازة نصف العام لجميع المراحل الدراسية    أسعار الأسماك والخضراوات والدواجن.. اليوم 26 أكتوبر    نائب رئيس حزب المؤتمر: احتفالية «مصر وطن السلام» أبرزت وجه مصر الإنساني ورسالتها الحضارية للعالم    محسن صالح: لن نبدأ من الصفر في دعم المنتخبات وهذا الفارق مع المغرب    التحريات تكشف سبب حادث تصادم سيارات طريق السويس | صور    صابر الرباعي يحيي ذكرى محمد رحيم بأغنية «وحشني جدًا» في ختام مهرجان الموسيقى العربية    ترامب يعلن عن توقيع مرتقب لاتفاق السلام بين تايلاند وكمبودي    روبيو: أمريكا لن تتخلى عن دعم تايوان مقابل اتفاق تجاري مع الصين    رسميًا بعد قرار الحكومة.. موعد إجازة افتتاح المتحف المصري الكبير 2025    محمد سلام يشوق جمهوره لمسلسله الجديد «كارثة طبيعية»    السيطرة على حريق في منزل بمنطقة المنشية بالأقصر دون مصابين    ضبط صانعة محتوى لنشرها فيديوهات رقص خادشة للحياء    ب440 قطعة حشيش وبندقية آلية.. سقوط 3 تجار مخدرات في القصاصين    عاجل - غارة إسرائيلية تستهدف دراجة نارية في بلدة القليلة جنوب لبنان    من «كارو» ل«قطار الإسكندرية».. مباحث شبرا الخيمة تعيد «محمد» لأسرته    الطريق إلى بروكسل    هشام عباس وميريهان حسين وياسر إبراهيم يشاركون أحمد جمال وفرح الموجى فرحتهما    سلوت عن هدف محمد صلاح: لقد كان إنهاء رائعا من مو    اشتباكات بين الجيش السوري و"قسد" شرق دير الزور    الهندسة النانوية في البناء.. ثورة خفية تعيد تشكيل مستقبل العمارة    هانيا الحمامي تتوج ببطولة أمريكا المفتوحة للاسكواش بعد الفوز على أمينة عرفي    محافظ الغربية في جولة ليلية مفاجئة بالمحلة الكبرى لمتابعة النظافة ورفع الإشغالات    وسط غزل متبادل، منة شلبي تنشر أول صورة مع زوجها المنتج أحمد الجنايني    بالصور.. حملات مكبرة بحي العجوزة لرفع الإشغالات وتحقيق الانضباط بالشارع العام    لتفادي النوبات القلبية.. علامات الذبحة الصدرية المبكرة    الصحة: مصرع شخصين وإصابة 41 آخرين في حادث مروري على طريق (القاهرة - السويس)    وزير الرياضة: سنساعد الزمالك وفقا للوائح والقوانين.. وقد نمنحه قطعة بديلة لأرض أكتوبر    انتخابات الأهلي – الغزاوي: التنمية والاستثمار هما هدف المرحلة المقبلة للمجلس    محمد عبد الجليل: يانيك فيريرا أقل من تدريب الزمالك.. وأنا أفضل من زيزو بمراحل    وزيرة التضامن تتابع إجراءات تسليم الأطفال لأسر بديلة كافلة    الانتخابات.. تحية للأغلبية وكشفٌ لواقع المعارضة    مدرب إيجل نوار: الأهلي كان قويا رغم الطرد    غادة عبد الرحيم تدعو وزارة التعليم لتبني حقيبة "سوبر مامي" لدعم أطفال فرط الحركة وتشتت الانتباه    أكثروا من الألياف.. نصائح فعالة لعلاج شراهة تناول الطعام    السر في فيتامين B12.. أبرز أسباب الإرهاق المستمر والخمول    عضو إدارة بتروجت يكشف كواليس انتقال حامد حمدان للزمالك    أسعار الكابوريا والجمبري والأسماك بالأسواق اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025    بداية شهر من الصلابة.. حظ برج الدلو اليوم 26 أكتوبر    صلاح يسجل أمام برينتفورد وليفربول يخسر للمرة الرابعة تواليا في الدوري الإنجليزي    الطفل آدم وهدان: فخور بوقوفى أمام الرئيس ومحمد سلام شخص متواضع    رئيس جامعة المنيا يشارك الاحتفالية العالمية «مصر وطن السلام» بمدينة الفنون بالعاصمة الإدارية    عمرو أديب: مُهمة التدخل للبحث عن جثث الرهائن فى غزة تظهر قوة مصر وحكمتها    الأزهر للفتوى: الاعتداء على كبير السن قولًا أو فعلًا جريمة فى ميزان الدين والقيم    يوسف زيدان: قصة أبرهة الحبشي غير دقيقة.. واستخدام الفيل لهدم الكعبة تصور غير عملي    خالد الجندي: لو تدبرنا إعجاز القرآن لانشغلنا بالخير عن الخلاف    6 صور ترصد تفاصيل حفل وطن السلام بحضور الرئيس السيسي    جلسة خاصة بمؤتمر الإيمان والنظام تسلط الضوء على رجاء وثبات المسيحيين في الشرق الأوسط    فتح باب التقديم للأجانب بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادة حق أمام زمان جائر
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 09 - 2014

سوف يطول بنا الحديث حول ثورة يناير وهل كانت مؤامرة أم كانت لحظة مضيئة فى تاريخ شعب .. وأن الأحداث الكبرى فى التاريخ ليست ملكا لمن شارك فيها أو وصفها ولكنها مع الزمن والأيام تتحول إلى جزء عزيز من ضمير الأوطان حتى لو تجاهلها زمن جائر عاشت فيه .. وفى تقديرى أن 25 يناير اليوم والتاريخ والذكرى سوف يعيش زمنا فى ذاكرة المصريين بل لا أبالغ أذا قلت انه سيحتل مكانا فريدا فى ذاكرة الثورات حتى ولو القى عليه البعض تلالا من التراب..
بعد مرور سنوات قد تبدو قليلة على 25 يناير إلا أنها بدأت تنسحب فى هدوء وتأخذ مكانا واضحا وصريحا فى تاريخ مصر الحديث رغم عشرات البرامج وآلاف المقالات التى حاولت أن تشوه ذكرى هذا الحدث العظيم .. أننا كثيرا ما اختلفنا حول الأحداث التاريخية الكبرى ولكن الخلاف هذه المرة كان ضد الحقيقة وهنا أصبحت المؤامرة الحقيقية ليست فى أحداث 25 يناير ولكن المؤامرة هى تلك الأصوات التى تسعى لإسقاط هذا اليوم من الذاكرة المصرية وتحرم هذا الشعب من هذا الموقف التاريخى العظيم .. ولعل هذا ما جعل كاتبنا الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل فى لقاء مع الإعلامية لميس الحديدى يخرج عن صمته ويلقى حجرا فى وجه كل من سعى أو حاول تشويه ثورة يناير وقرر أنها كانت مؤامرة وتساءل الأستاذ هيكل كيف نعتبر خروج 20مليون مواطن إلى الشوارع مؤامرة وكيف نتجاهل هذا الحدث الذى اهتزت به أركان الكون شرقا وغربا وكيف ننسى ان ميدان التحرير تحول يوما إلى مزار لكل عشاق الحرية فى العالم.لاشك ان كلام الأستاذ هيكل لم يأت من فراغ فهو حكم عادل أمام زمان جائر يسرق أحلام الشعوب..
وفى زحمة الأكاذيب والأباطيل التى يرددها البعض بدت ثورة يناير وكأنها عار ينبغى أن يتخلص المصريون منه ونسى هؤلاء دماء المئات من الشهداء الذين ضحوا بحياتهم فى لحظة إيمان وحب لهذا الوطن .. لقد راجعت قائمة الشهداء الذين سقطوا فى ثورة يناير اسما اسما ورصاصة ورصاصة وعنوانا وعنوانا وراجعت أعمارهم التى تراوحت بين عمر الصبا واعمار الشباب ووجدت أنهم جميعا من أبناء هذا الشعب المكافح بفقرهم وملابسهم وبيوتهم العشوائية ومدارسهم وأسماء إبائهم
هذه القائمة التى ضمت أسماء الشهداء لا أدرى لقد اختفت تماما بعد ظهورها بأيام قليلة وهى بعيداً عن المحاكمات والشهود والضحايا وثيقة تاريخية لأنها تؤكد أن المصريين كل المصريين خرجوا يوم 25 يناير وثاروا ضد نظام فاسد ..واذا كانت هناك بعض الشوائب التى تسربت إلى مياه النهر وطفت على السطح قليلا فقد حملها التيار الصاخب بعيدا ليبقى النهر شامخا متدفقا يؤكد صلابته وطهر مسيرته . مع قوائم الشهداء وعناوينهم والرصاصات التى سكنت صدورهم تتوارى أيام الثورة أمام محاولات تشويه دائمة يقوده فريق ضخم من المضللين وأصحاب المصالح وباعة الأكاذيب .. كل يوم يخرج شبح من بين الأطلال ومعه بعض القصص والحكايات ليؤكد للشعب المسكين أن 25 يناير كانت مؤامرة شاركت فيها اطراف دولية وجماعات أجنبية .. وهل يمكن ان نصدق ذلك أمام دولة عريقة فى قدرات وإمكانيات اجهزة الآمن وهل يمكن أن يقتحم عدد من الأشخاص مهما كانت قدراتهم الميادين ويطلقون ملايين المصريين فى الشوارع .. وإذا كان هذا ما حدث فى ميدان التحرير وصدقناه فماذا عن المحافظات التى خرجت فيها هذه الجموع ومنهم العامل والفلاح والضعيف والقادر أن الشوائب التى يبنى عليها البعض مواقف واحكاما لا تصلح ابدا أمام قدسية التاريخ وانجازات الشعوب وكل من يحاول حرمان المصريين من ثورتهم يرتكب جرما رهيبا فى حق هذا الشعب..
اذا كان الهدف هو إبعاد جيل كان من حقه أن يتصدر الصفوف فان المستقبل قادم وسوف يمضى هذا الجيل إلى الصدارة شاء البعض ام آبى .. أن هذا الجيل هو صاحب الحق فى غد أكثر عدلا وكرامة وإذا كان البعض قد مزق شهادة ميلاده متصورا أن يكتب له شهادة وفاة فأن الاولى بالرحيل هم لصوص الأجيال .. لابد أن نعترف أن هذا الجيل الذى مات فى ميدان التحرير وكل ميادين مصر كان قليل الخبرة لانه لم يتعلم وكيف يتعلم أمام واقع سياسى واجتماعى واخلاقى وتعليمى فاسد .. هذا الجيل نشأ وترعرع فى ظل عصابة حكمت هذا الوطن ثلاثين عاما .. لقد ولد مع منظومة الفساد وغرق فيها وحين آفاق ورفع رأسه وجد اشباحا تحوم حوله ما بين ليبراليين ومتدينين وسلفيين وعلمانيين ومؤمنين وكفار . هذا الجيل واجه كل هذه الأشباح ببراءته ومصداقيته وطهره وخبرات عمره القصير وكانت الأشباح أكثر دهاء وفساداً وكان من السهل ان تطرد الشياطين الملائكة من الجنة.
أن الصدام الذى يدعو له البعض بين جيل ثورة يناير وجيل ثورة يونيه مؤامرة مكشوفة لان الذين خرجوا فى يناير هم نفس الشعب الذى خرج فى يونيه .. لقد تخلصت ثورة يناير وخلصت المصريين من نظام فاسد ظل جاسما على صدورهم ثلاثين عاما وخلصت ثورة يونيه المصريين من نظام فاشل خلط الدين بالسياسة وافسد الاثنين معا.
أن هذا الصدام المزعوم مؤامرة أخرى ضد المصريين .. ومحاولة ساذجة لتقسيم هذا الشعب وفتح الأبواب أمام الصراعات والفتن بين أبناء الوطن الواحد .. لقد خرج المصريون يوم 30 يونيه ليستردوا ثورتهم فى 25 يناير بعد أن تم اختطافها إمام عوامل وأسباب سوف تكشفها الأيام .. لم يكن اختيار المصريين للإخوان المسلمين اختيارا واعيا ولكن توارد الأحداث والمؤامرات على الثورة دفعتهم دفعا إلى طريق رسمته اياد خفية..
ولا ينبغى أن يكون هناك خلاف بين قراءة ثورة يناير وقراءة ثورة يونيه لان الشعب واحد والغاية واحدة والمستقبل واحد .. هناك من يحاول فتح أبواب الصراعات والخلافات بل والفتن وهناك أطراف كثيرة تسعى لذلك ما بين الداخل والخارج .. أن النظام الذى خلعته ثورة يناير مازالت أياديه تمتد فى أكثر من مكان ومازال يملك المال ويحتل مواقع كثيرة فى الأعلام والسلطة وهو يرى ان لديه حسابات ينبغى أن يصفيها مع أطراف كثيرة .. والإخوان المسلمون وقد سلكوا طريق الموت والإرهاب لتصفية ثورة يونيه يعتقدون أنهم أصحاب حق فى هذا الوطن وهم واهمون لان القتل لا يقرر حقا ولا يبنى أوطانا ولا يمنح سلطانا.
أن أهم ما فى هذه التصفية هم جيل الشباب الذى انقسم على نفسه وتحول إلى فرق متنافرة .. نحن أمام جيل انسحب تماما من الساحة بعد كل ما لحق بثورته فى 25 يناير من مؤامرات .. منهم من يعيش الآن وراء القضبان ومنهم من انكفأ على نفسه وفضل الابتعاد .. ومنهم من سلك طريق العنف والإرهاب وما حدث فى الجامعات فى العام الماضى اكبر دليل على ذلك .. أمامنا أيضا فريق آخر لابد ان نجد له حلا فى صفوف الشباب وهم الذين عاشوا تجربة مريرة فى ظل الإخوان وخرجوا منها بمرارات وجراح كثيرة واذا كانت القيادات الاخوانية تلقى الآن جزاء ما فعلت سجونا او اغترابا فان اجيال الشباب لابد ان تجد حلا فكريا وانسانيا ووطنيا لمأساتها.
نحن هنا لا نستبعد الحلول الأمنية مع الإرهاب وقواعده فقد ثبت انه ظاهرة لاتخص مصر وحدها ولكن المطلوب هو حماية شبابنا من هذه اللعنة بكل الطرق والاساليب .. ان حالة الانتعاش فى سوق العمالة وتوفير فرص للشباب ستكون جزء من الحل .. والمبادرات الفكرية التى طرحها الأزهر الشريف جزءا من القضية والإجراءات الحاسمة التى اتخذتها وزارة الأوقاف لترشيد المساجد والزوايا وترشيد الخطاب الدينى مسئولية هامة .. وقبل هذا كله يأتى دور الجامعات والمؤسسات التعليمية فى ظل مناهج جديدة تؤكد الولاء للوطن والحرص على أمنه واستقراره . لايمكن هنا أيضا أن نتجاهل دور الأعلام بحيث يتحول إلى أداة حقيقية ترفع درجة الوعى وتمهد لظهور أجيال جديدة أكثر ولاء وانتماء وحبا لهذا الوطن . يأتى أيضا المناخ السياسى المترهل والذى وصل إلى درجة مخيفة من التشرذم والانقسامات وكيف نوفر مناخا صحيا يسمح بأحزاب سياسية حقيقية وقوى شعبية ومدنية قادرة على العطاء والفكر السليم .. ولا ينبغى ان ينفصل ذلك كله عن هدف أخير حول تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية للانسان المصرى بكل فئاته ومكوناته.
ان تهميش ثورة يناير وإخراجها من ذاكرة هذ الشعب يبدوا امرأ مستحيلا فى الحاضر والمستقبل وإذا كان البعض يتصور ان إنقاذ بعض الرؤوس يتطلب قطع رؤوس أخرى بالباطل فهذه سلوكيات لا تليق بشعب دفع ثمنا غاليا من اجل حريته .. سوف تبقى ثورة يناير صفحة مضيئة فى وجدان المصريين وبعيدا عن منطق المؤامرات والتسجيلات والقصص الكاذبة فأن الوجدان المصرى سوف يظل دائما وفيا للأحداث المضيئة فى حياته وتاريخه .. لا ينبغى أن يكون هناك صدام بين يناير ويونيه فقد خرجا من ارض واحدة وفى مسيرة شعب واحد وحافظ عليهما جيش واحد بكل الأمانة والتجرد أما تلك الأصوات التى تسعى إلى الفرقة والتخوين والإدانة فلا مكان لها أمام شعب يبحث عن حياة أفضل ..وحتى لا نجد انفسنا فى لحظة قاسية أمام التاريخ حين يحاسبنا فلابد أن نؤمن أن خروج المصريين يوم 25 يناير كان ثورة حقيقية وان هذه الثورة استكملت مسيرتها يوم 30يونيه وكلاهما كان انجازا عبقريا فى تاريخ المصريين.
هذه شهادة حق امام زمان جائر.

..ويبقى الشعر

لا تَطْلُبِى الغُفْرَانَ فِى مِحْرَابِى
كلُّ الَّذى قَدْ كَانَ.. وَهْمُ سَرَاب
كَفَّنْتُ وَجْهَكِ فِى عُيُونِى.. فَاهْدَئِى
لا تَسْأَلِينِى الآنَ عَنْ أَسْبَابِى
أَحْرَقْتُ خَلْفَكِ ذِكْرَيَاتٍ مُرَّةٍ
وَمَحَوْتُ رَسْمَكِ فَوقَ كُلِّ كِتَابِ
دَارِى دُمُوعَكِ وَاسْتَرِيحِى لَحْظَةً
أَنَا لا أُصَدِّقُ أَدْمُعَ الكَذَّابِ
هَذِى الدُّمُوعُ الكَاذِبَاتُ تَنَاثَرَتْ
مِثْلَ السِّهَامِ تَغُوصُ فِى أَعْصَابِى
هَذِى الظُّنُونُ الجَارِحَاتُ رَأَيْتُهَا
بَيْنَ الضُّلُوعِ تَحُومُ بِالأسْرَابِ
حُزْنِى عَنِيدٌ.. فَاتْرُكِيهِ لِحَالِهِ
مَا أَثْقَلَ الشَّكْوَى مِنَ الأَحْبَابِ
* * *
صَلَّيْتُ يَوْماً فِى رِحَابِكِ خَاشِعاً
وَجَعَلْتُ وَجْهَكِ قِبْلَتِى وَمَتَابِى
يَا قِطَّتِى البَيْضَاءَ.. عُودِى حُرَّةً
بَيْنَ الأَزِقَّةِ.. وَاتْرُكِى أَعْتَابِى
قَدْ صِرْتِ فِى صَخَبِ الشَّوَارِعِ دُمْيَةً
يُلْقِى بِهَا الأَصْحَابُ.. للأَصْحَابِ
إِنِّى حَزِينٌ أَنْ أَرَاكِ حَدِيقَتِى
فِى البَرْدِ عَارِيَةً بِلا أَثْوَابِ
إِنِّى حَزِينٌ أَنَّ قَلْبَكِ مَوْطِنِى
أَضْحَى كَبَيْتِ اللَّهْوِ لِلأَغْرَابِ
أَضْحَى مَشَاعاً.. كَالمَقَاهِى يَلْتَقِى
فِيهَا الجَمِيعُ الكَهْلُ وَالمُتَصَابِى
يَا أَيُّهَا النَّهْرُ الَّذِى كَمْ لاحَ لِى
عَذْبَ الجَدَاوِلِ كَالنَّدَى المُنْسَابِ
مَا لِى أَرَى المَاءَ النَّقِىَّ وَقَدْ غَدَا
بُؤَراً مِنَ الأَوْحَالِ.. وَالأَعْشَابِ
* * *
فِى القَلْبِ أَشْيَاءٌ يَضِيقُ بِسَتْرِهَا
وَلَدَىَّ أَسْئِلَةٌ بِغَيْرِ جَوَابِ
سَافَرْتِ فِى أَرْضِى.. وَزُرْتِ خَمَائِلِى
وَشَرِبْتُ خَمْرَكِ.. وَارْتَشَفْتِ شَبَابِى
مَا كُنْتِ مِثْلَ النَّاسِ لَحْماً أَوْ دَماً
بَلْ كُنْتِ طُهْراً ذَابَ فِى مِحْرَابِ
مَا جِئْتِ مِنْ زَمَنٍ قَبِيحٍ عَابِثٍ
بَلْ كُنْتِ نَبْضاً مِنْ صَهِيلِ عَذَابِى
مَا كُنْتِ أَرْضاً.. كُنْتِ آخِرَ فَرْحَةٍ
رَقَصَتْ عَلَى قَلْبِى كَضَوْءٍ خَابِ
هَلْ بَعْدَ هَذَا الحُبِّ نَخْدَعُ بَعْضَنَا
وَنُبَدِّلُ الأَثْوَابَ.. بِالأَثْوَابِ؟!
هَلْ بَعْدَ هَذَا العُمْرِ أَرْكُضُ عَائِداً
وَصَوَاعِقُ الدُّنْيَا عَلَى أَعْصَابِى
لَمْ أَدْرِ كَيْفَ تَبَدَّلَتْ صَلَوَاتُنَا
وَأَطَاحَ بِالكُهَّانِ كَأْسَ شَرَابِ
لَمْ أَدْرِ كَيْفَ تَكَسَّرَتْ أَوْتَارُنَا
وَغَدَا الكَمَانُ العَذْبُ بَعْضَ تُرَابِ
هَذِى العُيُونُ رَأَيْتُهَا فِى فَرْحَتِى
ضَوْءاً يُحَلِّقُ فِى جَبِينِ شِهَابِ
وَرَأَيْتُهَا بَيْتاً حَزِيناً.. صَامِتاً
يَبْكِى الأَحِبَّةَ بَعْدَ طُولِ غِيَابِ
* * *
عُصْفُورَةٌ زَارَتْ خَرِيفِى فَجْأَةً
فَاخْضَرَّ وَجْهُ الأَرْضِ بِالأَعْنَابِ
كَانَتْ تَطُوفُ عَلَى الغُصُونِ كَأَنَّهَا
دَمْعٌ تَسَاقَطَ مِنْ عُيُونُ سَحَابِ
شَىْءٌ عَجِيبٌ أَنْ أَرَى عُصْفُورَتِى
بَيْنَ الضُّلُوعِ تُطِلُّ بِالأَنْيَابِ
قَدْ كُنْتِ يَا دُنْيَاىَ آخِرَ خِدْعَةٍ
كَانَتْ بِدَايَةَ صَحْوَتِى وَصَوَابِى
كَانَتْ لَيَالِى العُمْرِ تَرْحَلُ خِلْسَةً
وَأَنَا أُبَدِّدُهَا بِغَيْرِ حِسَابِ
يَا جَنَّةً جَمَعَتْ خَمَائِلَ مُهْجَتِى
وَرَأَيْتُهَا قَفْراً.. وَصَمْتَ خَرَابِ
وَهْمٌ جَمِيلٌ لِلْوُجُودِ رَسَمْتُهُ
وَصَحَوْتُ مِنْ سُكْرِى.. وَغَىِّ شَرَابِى
وَبَنَيْتُ أَرْبَاباً أُصَلِّى حَوْلَهَا
وَتَكَسَّرَتْ فِى لَحْظَةٍ أَرْبَابِى
وَأَفَقْتُ مِنْ كَأْسٍ مَرِيرٍ سَاحِرٍ
فَوَجَدْتُ نَفْسِى فَوْقَ تَلِّ سَرَابِ
لا وَقْتَ لِلْغُفْرَانِ.. قُومِى وَارْحَلِى
لا.. لَنْ تُفِيدَكِ ثَوْرَتِى.. وَعِتَابِى
إِنِّى طَرَدْتُكِ مِنْ مَفَاتِنِ جَنَّتِى
وَعَلَيْكِ حُقَّتْ لَعْنَتِى.. وَعِقَابِى
يَا كِذْبَةَ الْعُمْرِ الجَمِيلِ تَمَهَّلِى..
وَلْتَقْرَئِى قَبْلَ الرَّحِيلِ كِتَابِى
سِطْرٌ وَحِيدٌ بِالدِّمَاءِ كَتَبْتُهُ
أَقْسَى الْجِرَاحِ.. خِيَانَةُ الأَحْبَابِ
« قصيدة لا وقت للغفران سنة 2002»
لمزيد من مقالات فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.