حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جيش مصر الذى لانعرفه
فصول من ملاحم البطولة والفداء فى مجال الخدمة المدنية
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 09 - 2014

حقائق التاريخ القديم والحديث ووقائع ومعطيات الحاضر تؤكد صدق من لا ينطق عن الهوى «سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم» الذى شهد لجند مصر - قبل أربعة عشر قرناً من الزمان - بأنهم خير أجناد الارض وأنهم فى رباط إلى يوم الدين ، وما أن يشكك البعض فى ذلك حتى تأتى الوقائع المتساندة لتؤكد تحقيقها ومصداقيتها. وجاء موقف الجيش المصرى العظيم المساند والمؤيد والحامى ثورة الشعب المصرى العظيم فى 25 يناير 2011، وثورة 30 يونيو 2013 ، ليثير دهشة البعض ممن لا يعرفون طبيعة هذا الشعب وخصائصه وممن يجهلون عقيدته، بل أن البعض ذهب إلى طرح الأسئلة حول طبيعة موقف الجيش وهل هو «تكتيكي» أم «استراتيجي» .
وهل هو موقف أملته الظروف والملابسات على الأرض، أم هو موقف أصيل يتفق مع ثوابت الجيش المصرى ومبادئه التى تشكلت وترسخت وصقلت عقيدته على مدى آلاف السنين. والواقع أن هؤلاء وغيرهم لا يعرفون أن الجيش المصرى على مدار تاريخه منذ توحيد القطرين على يد الملك مينا عام 3200 ق.م نذر نفسه للدفاع عن الحق والعدل والتراب المصري، ولا يعرفون أن الجيش المصرى على مدار تاريخه جزء لا يتجزأ من شعب مصر العظيم. وأن من أسباب قوة هذا الجيش أنه لم يعتمد يوماً على المرتزقة الأجانب وإنما اعتمد على المصريين أبناء الأرض الطيبة.. فهو جيش الشعب ومن الشعب وإلى الشعب، فالجيش الذى قاده «أحمس» لطرد الهكسوس بعد احتلالهم مصر عام 1789 ق.م، كان جله من المصريين والجيش الذى قاده «تحتمس الثالث» لتأمين حدود مصر كان من المصريين، والجيش الذى قاده «رمسيس الثانى» وهزم به الحيثيون فى معركة «قادش» كان فقط من المصريين، وهى المعركة التى فتحت الطريق لتوقيع أول معاهدة سلام فى التاريخ المدون عام 1270 ق.م. بين المصريين والحيثيين.
وفى العصر الحديث أسس محمد على باشا أول مدرسة حربية تقوم بإعداد الجنود والضباط من أبناء مصر فى مدينة أسوان، وبأيدى المصريين الصناع المهرة أقام البنية الأساسية للصناعات الحربية لتزويد الجيش باحتياجاته من البنادق والمدافع والبارود والسفن، وخاض بهذا الجيش العديد من الحملات العسكرية الناجحة إلى أن تحالفت القوى الدولية آنذاك لتدمير الأسطول المصرى فى موقعة «نفارين».
واكتسب الجيش المصرى على مدار تاريخه قدرات هائلة على الصمود والنهوض مجدداً بعد كل كبوة، ولا أدل على ذلك مما حدث فى 5 يونيو 1967م وهزيمته فى معركة لم تتح له فيها فرصة القتال الحقيقى.. ومكن الميراث التاريخى جيش مصر من الصمود وظهر معدن المقاتل المصرى بعد أيام قليلة من النكسة وبالتحديد فى أول يوليو 1967م ، كما ظهر فى ملحمة «رأس العش» وتدمير المدمرة الإسرائيلية «إيلات» قبالة سواحل بور سعيد باستخدام لنشات الصواريخ لأول مرة فى التاريخ العسكرى البحري، وملحمة بناء حائط الصواريخ بأيدى المصريين مدنيين وعسكريين عمال ومهندسين وفنيين وفلاحين، ومهدت حرب الاستنزاف الطريق لجيش مصر لخوض أعظم معاركه فى التاريخ الحديث معركة العبور العظيم يوم السادس من أكتوبر عام 1973 والتغلب على أكبر مانع مائى فى تاريخ الحروب وإهالة الساتر الترابى وتحطيم خط بارليف الحصين الذى وصف بأنه أقوى من خط «ماجينو».
وأثبتت حرب أكتوبر عظمة شعب مصر والتحامه التام مع قواته المسلحة فقدم أولاده فداءً لمصر ولا أدل على ذلك من أنه لا تخلو قرية مصرية فى طول البلاد وعرضها من مدرسة تحمل اسم أحد الشهداء، وبرهنت حرب أكتوبر على تحضر شعب مصر إذ لم تسجل محاضر الشرطة جريمة واحدة طوال أيام الحرب التى جعلت الكل على قلب رجل واحد من أجل مصر. نحن فى العادة نسمع كثيرا عن إنجازات القوات المسلحة فى الاكتفاء الذاتى النسبى من إحتياجاتها المعيشية، ولكننا فى الوقت نفسه لاندرك حقيقة البطولات العسكرية الخلاقة والمبدعة فى القطاع الخدمي، والذى أصبح عنوانا بارزا للقدرة والكفاءة، وهو لايحظى إلا بالقدر الشحيح من الترويج الإعلامى عبر قليل من الأفلام التسجيلية والنشرات المطبوعة، والبرامج الدعائية القاصرة، التى لاتعبر بالقدر الكافى عن روعة الإنجاز من جانب القوات المسلحة المصرية فى وقت السلم تماما كما هو دورها المعروف فى وقت الحرب.
ربما كانت الحروب التى خاضها المقاتل المصرى أكبر برهان عملى على كفاءته وبطولات الأسطورية فى الدفاع والذود بالنفس من أجل الوطن، انطلاقا من عقيدة إيمانية بقيمة هذا التراب المقدس، تماما كما وصفهم الرسول (عليه الصلاة السلام) بخير أجناد الأرض قاطبة، ولعل محاضرة اللواء أركان حرب » صفوت صادق » مدير كلية الحرب العليا، كانت كاشفة للعديد من أوجه الخدمات المدنية التى تقدمها القوات المسلحة، عبر مشاريع «الهيئة الهندسية»، و«جهاز مشروعات الخدمة الوطنية»، جهاز الخدمة المدنية، وغيرها من مؤسسات، عملت بشرف فى تغطية الاحتياجات السياسية للجيش، وطرح الفائض منها فى الأسواق المحلية، بنصف ثمنها، وهو ما أسهم إلى حد كبير فى كسر حدة الاحتكارات، ورفع العبء الأكبر من على كاهل المواطن البسيط فى وقت الأزمات.
ولقد أسهمت جهود القوات المسلحة فى فترة ما بعد ثورة 25 يناير، وحتى الآن، فى صنع مظلة من الرعاية الاجتماعية الشاملة فى جميع المجالات، ما جعل المواطن المصرى مطمئنا على قوت يومه ، آمنا فى مسكنه، وعلى أهل بيته ، مادامت هناك عيون ساهرة على هذا الوطن.
هذا التاريخ العريق لجيش مصر وتلاحم شعب مصر الدائم معه هو ما يفسر موقف الجيش المساند والمدافع والحامى لثورة 25يناير 2011 ومطالب شعب مصر فى الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وهو الذى يفسر الثقة المتبادلة بين الشعب والجيش كما ترجم فى 30 يونيو 2013، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ابن المؤسسة العسكرية ، مدرسة الوطنية المصرية، وهو ما يفسر حرص الجيش وقيادته الممثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة على توفير أفضل السبل للوصول إلى حكم مدنى ديمقراطي، وهو الذى يفسر جهود القوات المسلحة لتوفير جميع أنواع الأمن لشعب مصر بتصديها لمثيرى الفتن ومن يبغونها عوجاً ووقوفها بجوار الشرطة فى التصدى لكل من يحاول الإفساد فى الأرض وترويع شعب مصر ونشر الفوضي.
دورة الإعلام العسكرى
لقد أتيح لى أن ألمس كل تلك الأدوار عن قرب من خلال حضورى الدورة رقم 24 للمحررين والإعلاميين ، بأكاديمية ناصر العسكرية، وعلى قصر مدة الدورة (4 أسابيع) إلا أنها استطاعت غرس مفاهيم جديدة حول الدور الحيوى والمهم للقوات المسلحة المصرية فى أوقات السلم والحرب، من خلال استعراض علمى للمفاهيم النظرية عبر المحاضرات فى مختلف اتجاهات الأمن القومى وتفكيك المصطلحات والمفاهيم الاستراتيجية، فضلا عن زيارات ميدانية حية، كشفت لنا جوهر الجهود الوطنية التى يقوم بها الجيش فى هذه الفترة المفصلية من تاريخ مصر الحديث.
كانت فترة انعقاد الدورة بالنسبة لنا نحن الدراسين 40 دارسا من مختلف المؤسسات الصحفية والإعلامية - نوعا من المتعة الذهنيةوالعلمية العميقة، عبر ما كنا نتعرض له من معلومات حول »الجيش المصرى الذى يقوم بعمل واجبه بشرف من أجل هذا الوطن، وتلك حقيقة ربما لايعرفها كثيرون، إلا إذا اقتربمن تلك الجهود الميدانية التى تقوم بها قواتنا المسلحة، والتى واكبت ذلك الفصل الدراسى من أول يوم حتى نهايته.
ولعل انعقاد هذه الدورة فى دهاليز «أكاديمية ناصر العسكرية العليا» ما بين جدران «كلية الدفاع الوطنى» و«كلية الحرب العليا»، وسط نخبة الدارسين العسكريين العاملين بالجيش المصري، ومن مختلف دول العالم العربى والدول الصديقة، فى أجواء تسودها روح النقاش الجاد، الذى يلخط العسكرى بالسياسى والاستراتيجى فى آن واحد، كان فرصة للتعرف على ما تقوم به هذه القلعة العلمية العريقة من جهود فى مجالات الدراسة والتأهيل، وهو يعكس أهمية وجود هذه الأكاديمية الرائدة فى منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
سعدنا بوجودنا هنا نستقى العلم والمعرفة بواسطة عقول العسكرية المصرية النابهة، الذين جمعوا بين خبرة الميدان، وتلقى الفرق والدورات التخصصية فى معاهد وجامعات وأكاديميات الدنيا، ليقدموا لنا خلاصة هذا النوع من الفكر الإنسانى الجاد،الذى مكننا بالضرورة من التعرف بشكل احترافى على كيفية حفاظ الجيش على أمن الوطن والمواطن الذى يعد يعد جزءا لايتجزأ من الأمن القومى المصرى على مستوى الجغرافيا والتاريخ. وقد برع عدة محاضرين فى توصيل تلك المفاهيم الجديدة، وضخ كم من المعلومات الموثقة بالأدلة والبراهين ولقطات الفيديو، حول المخاطر التى تعرضت لها مصر، وماتزال تتعرض لها باعتبارها «قلب العالم» النابض بالحيوية، وصاحبة الريادة فى عالمها العربي، الذى يظل طوال الوقت ينظر لها بعين الاعتبار فى سبيل حماية مصالحه الاستراتيجية.
«الناتو» ومفهوم الدولة
ومن بين تلك المحاضرات اللافتة محاضرتى» الاستراتيجية الأمنية للاتحاد الأوروبى و«مفهوم الدولة» للواء أركان حرب محمد صلاح الدين مدير كلية الدفاع الوطني، والذى استطاع بحسه الوطنى العالى وعلمه الغزير والمتجدد، أن يضع أيدينا على دور »الناتو« فى تنفيذ مطامع أمريكا والغرب فى ثروات المنطقة، بحجة الدفاع تارة ، وأخرى بدافع الحرب على الإرهاب، وغيرها من المبررات التى لا تهدف إلا لتفكيك هذا الوطن، الذى لايزال يحظى بالقدر الأكبر من موارد النفط والمعادن، وغيرها من الثروات الطبيعية، التى نضبت فى الغرب، وقد عرج على «مفهوم الدولة» بشكل يشبه السهل الممتنع فى توصيف الحالة المصرية الحالية، وما طرأ عليها من تقلبات خلال سنوات ما قبل 25 يناير 2011 وما بعدها، وصولا للحالة الراهنة، ليضع ملامح المستقبل الآمن طبقا لخارطة الطريق التى أقرتها ثورة 30 يونيو 2013، كل ذلكفى حدود العقل والمنطق والفهم الدقيق لمقومات الدولة المصرية.
عظمة جيش مصر
وحول «عظمة مصر» ممثلة فى جيشها وشعبها، غاص معنا اللواء أركان حرب «فؤاد فيود»، رئيس اتحاد علماء مصر، فى عمق التاريخ القديم، باستعراض شيق مزج بين السخرية اللاذعة التى تعد «ملح حياة المصريين»، وبين الجدية العلمية النابعة من جينات الحضارة الفرعونية، وبحديثه العذب قدم لنا صورة عن قرب عن مصر التى ذكرت صراحة فى القرآن خمس مرات، وذكرت ضمنيا 28 مرة أخري، وكيف كان ل «القوات المسلحة عبر التاريخ» - عنوان محاضرته من أدوار مهمة فى الحياة المصرية كلها، وليس فى جانب الحماية على الحدود فقطكما يتصور البعض، أو كما يذهب به خياله المريض إلى أن يقتصر دور الجيش عند حدود مصر فقط. لقد كان هذا الجيش هو العمود الفقرى فى حياة المصريين، كما يؤكد «فيود»، وكما ذكرنا فى المقدمة منذ نشأة أول جيش فى التاريخ على أرض الكنانة (2696 قبل الميلاد) فى عهد الملك «زوسر»، مرورا ب «أحمس تحتمس.... وغيرهما من القادة العظماء بناة المجد التليد على ضفاف النيل»، ليظل الجيش حامى الديار ومبعث فخرها، حتى «سنة 525 قبل الميلاد«، مع دخول جيوش الفرس، وتبقى مصر محتلة طوال (2481 سنة حتى 23 يوليو 1952)، ومازال الجيش يلعب الأدوار المحورية فى عمر الوطن، حتى أصبح سجله حافلابأكبر ملاحم التاريخ العسكرى فى الصمود والتصدي، مرورا بهزيمة 67 وما أعقبها من عمليات فى حرب الاستنزاف، حتى فتح بوابات النصر فى أكتوبر 73، وتبقى بصماته واضحة فى مجال الخدمة المدنية ، وحماية المواطنين فى ثورتى 25 يناير 2011، وثورة 30 يونيو 2013.
ومن ملفات الأطلنطي، ومفهوم الدولة، والجيش المصرى عبر التاريخ، والمصطلحات العسكرية، ومفهوم الإعلام العسكرى كما قدم لنا اللواءان أركان حرب «عبدالمنعم كاطو» و«حسين عبد الرازق»، والأخير قدم لنا تجارب حية لدور الجيش المصرى فى حفط السلام العالمي، عبر تجربتين قضاهما قائدا لقوات حفظ السلام المصرية فى «الكونغو»، و «قائدا لقوات حفظ السلام الدولية فى» كوسوفا، وألحقهما العميد مختار كامل بمحاضرة مهمة حول «الأمن الإعلامي».
الصراع العربى الإسرائيلي
وما أروع اللواء أركان حرب دكتور «محمد الغباري»، فى تفكيكه لمصطلح الصراع العربى الإسرائيلى، حين قدم لنا الحجج والأسانيد الواهية، التى يعتمد عليها اليهود فى تفسير التاريخ من الناحية الدينية،ومدى اعتمادهم على أكاذيب يدعون أنها مستمدة من تعاليم «الكتاب المقدس» أو«التلمود» وغيرها من أسفار العهد القديم، باعتبارها تعاليم سامية لاتقبل التشكيك، فى حين أنهم صنعوا الأساطير حولهابزعم أنهم «شعب الله المختار» على الأرض، ومن هنا فقد برعوا فى تزييف تاريخ العالم ، ووضعوا بروتوكولات واهية تؤكد حقهم المزعوم فى أرض فلسطين كوطن أبدى لليهود.
حقائق كثير شرحها الغبارى بسلاسة لا تخلو من عمق، حول صناعة الأكاذيب اليهودية التى جعلت إسرائيل واحدة من الولايات المتحدة الأولى بالرعاية فى المنطقة، كى تظل الإبن المدلل للغرب رغم عدم شرعيته والشك فى نسبه ذلك الذى يسمح له دون شعوب الأرض باختلاق الأكاذيب، وابتكار أساليب المراوغة لإثبات حق مسلوب للفلسطينيين، ليصبح وطنا لشراذم متناثرة من سائر بلدان العالم. وعلى الدرب نفسه جاءت محاضرة «إسرائيل من الداخل» للواء أركان حرب نصر سالم رئيس جهاز الاستطلاع السابق، كى توضح لنا ملامح المجتمع الإسرائيلى فى مراحل التكوين الأولى للنشأ، وكيفية إعداد الشاب فور إدراكه سن البلوغ، وعمليات التأهيل الدراسى التى تواكب ذلك، وصولا إلى مرحلة التجنيد3 سنوات للشاب سنتان للفتاة، وما بعد ذلك من عمليات تعليمية فى المستوى الجامعى، وكيفية التعامل مع النابغين من الطلاب لإعدادهم علماء للمستقبل. وعلى الرغم من كراهيتنا لهم، يقول «سالم»، لكن الجدية والتعليم، وعدالة التوزيع فى الحقوق والواجبات من سمات نظامهم، ولعل تخصيص 10% من الدخل القومى الإسرائيلى هو الفيصل فى تفوقهم على كثير من الدول العربية التى تحيط بهم.
ملفات المياه الشائكة
فى ملف المياه كانت لنا ثلاث محطات مهمة، مع محاضرتى » المتغيرات والخلافات المؤثرة على الأمن المائى المصري، و«الوجود المصرى الإسرائيلى فى القارة الأفريقية وأثره على الأمن القومى المصري»، وهما للواء أركان حرب «سمير بدوي»، والذى قدم رؤية متكاملة لكيفية التعامل مع الأزمة التى تهدد حياة المصريين، ومن خلال فهم عميق لمعطيات هذه الأزمة، تعرض بدوى للاتفاقات التاريخية التى تضمن حق مصر فى الحصول على المياه، باعتباره دولة المصب من ناحية، ومن ناحية أخرى هى الأهم والدولة المحورية ضمن دول حوض النيل.
وكذا تعرض «بدوي» بذكاء يحسد عليه لنقاط الضعف والقوة لدى المفاوض المصري، ترتيبا على حقوق مصر التاريخية، والالتفاف حول الاتفاقيات وأبرزها اتفاقية »عنتيبي« الطارئة، بعدما أحدثت خللا جوهريا تسبب فى الجور على حقوق مصر العادلة فى المياه، خاصة بعد أن رواح الموقف السودانى مكانه أخيرا، وأيضا دخول إسرائيل فى معترك الحرب على المياه، فى محاولة للإمساك بورقة ضغط على مصر لحساب مصالحها فى الأرض المحتلة. أما المحطة الثالثة فى قضية المياه فكانت حول العلاقات المائية مع دول حوض النيل ومشروع سد النهضة الأثيوبي، وقد وضع فيها اللواء دكتور «نورعبد المنعم نور» أيدينا على مصادر المياه من «البحيرات الاستوائية»، ومنابع أثيوبيا عبر «النيل الأزرق»، و«بحر الغزال» فى جنوب السودان، وكلها تصب بما يزيد على (1600 مليار متر مكعب) تهدر غالبيتها، ولا يصل إلى بحيرة السد سوى 55.5 مليار متر معكب، و23 مليارا غيرها للسوادن مع أن مصر والسودان دولتا مصب. ترتيبا على ذلك يضرب «نور» ناقوس الخطر بناء على بناء سد النهضة، الذيسينتقص ثلث حصة مصر من المياه الحالية، وهو ما ينذر بخطر داهم ينعكس على الزراعة التى تعد شريان الحياة المصرية، وحتى مياه الشرب التى قد يصيبها الجفاف.
حروب الجيل الرابع
وليست المياه هى الحرب الوحيدة التى نواجهها، بل أن «حروب الجيل الرابع القوة الذكية» للمحاضر اللواء طيار أركان حرب «هشام الحلبي» ربما تكون هى الأخطر فى تلك الدورة، خاصة أنه تم تدشينهامع ثورات الربيع العربى، وتمتد آثارها فى «العراق سوريا ليبيا»، وتبقى مصر هى «الجائزة الكبري» فى قلب معادلة «الشرق أوسط الكبير»، بحسب السيناريو الذى وضعه المفكر الأمريكى «جوزيف ناي» فى شرحه ملامح تلك الحرب، والتى جربت القوة الناعمة فى الربيع العربي.
ويشير «ناي» فى مقطعى فيديو إلى هوية تلك الحرب، وكيف استعملت مايسمى «القوة الصلبة» فى العراق، وتجهز الآن لتنفيذ المخطط الاستعمارى الكبير لتفتيت الدول العربية ضمن «مشروع الشرق أوسط الجديد»، عبر ما يسمى «القوة الذكية»، تلك القوة التى لم تعد تستهدف المواجهة التقليدية للجيوش، لكنها تستهدف الشعوب فى المقام الأول ، بل إنها حرب بالإكراه تهدف لإفشال الدولة، وزعزعة الاستقرار ، وفرض واقع جديد يراعى المصالح الأمريكية. لقد كانت هذه المحاضرة هى الأخطر فى كل ماسبق كما ذكرت سالفا - جراء توضيح أهداف ذلك الجيل الجديد من الحروب، التى يسعى من خلالها المنظرون فى مجال الإستراتيجية العسكرية الأمريكية إلى إيجاد دولة فاشلة، والتى تركز على مقولة » لابد أن ترغم العدو فيها على تنفيذ إرادتك«، ومهما يطل أمدها ستظل تسير «حتى يستيقظ عدوك ميتا» بحسب قول «ناي» نفسه وهى تستخدم فى ذلك أدوات غير تقليدية، فهى ليست نمطية كغيرها من أجيال الحرب السابقة، وإنما تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة،لاتستخدم الأسلحة التقليدية بل الذهنية » القوة الذكية«، وتحويل الدول من حالة الثبات إلى الهشاشة، بحيث لاتكون هناك خطوط فاصلة بين الحرب والسياسيين والعسكريين والمدنيين. أما محاضرة التوازن الاستراتيجى فى منطقة الشرق الأوسط« للواء دكتور «مصطفى كامل» فكان لهاأكبر وقع على أسماعنا من خلال شرح أبعاد مايجرى على ساحة السياسة العالمية الآن، ومن ثم وجود مصر فى قلب هذا العالم الجديدالذى يستلزم أن تكون فى يقظة دائمة ، ولعل ما أعقبه من محاضرة أخرى غاية فى الأهمية للواء دكتور «طلعت موسي» حول مخططات تقسيم الدول العربية وثورة 25 يناير 2011، وتماسها مع محاضرة غاية فى الخطورة أيضا، للواء طيار أركان حرب «هشام الحلبي» تحت عنوان «منظمات المجتمع المدنى»، وما لعبته تلك المنظمات من أدوار فى تنفيذ المخططات الأمريكية ، من خلال الدعم والتدريب والتمويل ، وتقديم المنح، وغيرها من أساليب خرجت عن السياق الحقوقى إلى ساحة التشكيك والخيانة على حساب مصلحة أمن مصر القوي.
أطماع القوى الكبري
ومن خيط الأمن القومي، نلتقط لنا خيطا آخر عبر لقاء يبدو ودودا جدا مع اللواء أركان حرب دكتور «محمود خلف»، الخبير الاستراتيجى الشهير، والذى لم يتخذ شكل محاضرة أكاديمية تقليدية حول توجهات القوى الكبرى فى منطقة الشرق الأوسط ، بقدر ما كان تركيزه منصبا على ترسيخ مفاهيم الأمن القومي، وتداعيات مايحدث على ساحة الإعلام الحالية، فى ظل خارطة طريق تفرض علينا جميعا ضرورة التماسك، كل فى ميدانه، خاصة الإعلام باعتباره اللاعب الرئيسى فى نهضة الأمة ودفعها نحو مستقبل أكثر إشراقا. د. خلف أجاب على كثير من الأسئلة الشائكة فيما يتعلق بضرورات وكيفية فهم «أمن مصر القومي» وكيفية الحفاظ فى هذه اللحظة الفاصلة من عمر الوطن، وترك المجال للمتحدث الرسمى للقوات المسلحة العميد أركان حرب «محمد سمير» الذى بدأحديثا بنبرة متفائلة، وفى ثقة وقوة قال «لا أحد يجرؤ على الاقتراب من مصر، اطمئنوا على جيشكم وعلى أمنكم، نحن منكم ولكم، والشهادة هى غايتنا وحلمنا الأبدي».
مشروعات الخدمة الوطنية
ومن الدرس النظرى إلى تلك الملحمة العظيمة فى القطاع الخدمي، تلك التى لاتسلط عليها أضواء كاشفة بالقدر الكافي، كما شاهدنا ورأينا ولمسنا بأصابعنا جوانب من تلك الملحمة ، التى تبرهن على الكفاءة وسرعة الإنجاز بأقل تكلفة ممكنة.
«ليس من قال أو سمع كمن رأى»
تلك المقولة تلخص لك مجمل الرحلة التى قمنا من خلالها بزيارة» جهاز مشروعات الخدمة الوطنية» بالقوات المسلحة المصرية، وعلى وجه الخصوص» مصنع البصريات« أحد روافد مشروعات الجهاز.
أنت هنا كمن يدخل » مغارة على بابا»، وذلك ليس من قبيل الخيال الذى لايرقى إلى الواقع، بقدر ما تغرق فى تفاصيل الرحلة الممتعة، تلك التى تشبه نوعا من «التحقيق الاستقصائي» بالغ الدقة على مستوى التفاصل المفعمة بالمعلومات والانجازات التى تعكس بالضرورة جوهر عمل القوات المسلحة المصرية الحالي، والذى يتسم بالدقة والانضباط وسرعة الإنجاز - رغم مايصيبها من كثير من شرر معلومات التشكيك المتطايرة- وهو ما نحتاجه اليوم فى جميع مناحى الحياة المصرية الحالية.
ولعل أهم ما فى تلك الزيارة الكشف عن حقيقة هذا الجهاز العملاق الذى يوفر المأكل والمشرب من خلال مزارع نموذجية ، ومصانع تعمل بكفاءة عالية فى مجالات البنية الأساسية، من خلال أفضل الكوادر والعقول المصرية القادرة على صنع المستحيل، كما تجلى لنا من خلال شرح القادة القائمين على تلك المشروعات بروح تتسم بالمصداقية عبر عروض حية بالأرقام والاحصاءات وكيفية التشغيل بأحدث أساليب العصر من تكنولوجيا. نحن أمام خلايا نحل تعمل فى غياب تام، بل صمت مريب غلب على جميع الوسائل الإعلامية المصرية التى تحدث صخبا وضجيجا يوميا مقيتا ، بينما تغض الطرف عن كفاءة العقول المصرية القادرة على الابتكار وصناعة المستحيل، كما شاهدنا على الطبيعة فى مصنع » البصريات« الذى يوفر جميع أجهزة الرؤية الليلية والنهارية الخاصة بميادين القتال ، وأجهزة المراقبة والإنذار، وغيرها من مستلزمات الحرب الإلكترونية الحديثة، جنبا إلى جنب مع الكفاءة القتالية التى لاتخور فى زمن السلم، وهى فى ذلك تواكب العصر، ليكون الجيش المصرى دوما فى مصاف جيوش العالم، ويظل يضرب أكبر الأمثلة فى القدرة والتحدى على المواجهة فى حالتى الدفاع والهجوم.
فضلا عما سبق يبدو فى مصنع البصريات إنجازات بطولية أخرى فى مجالات إنتاج الطاقة المتجددة من أشعة الشمس، وصناعة اللمبات الموفرة ، والتلسكوبات المستخدمة فى الأغراض الطبية، وجميع أنواع العدسات المستخدمة فى التصوير، وغير ذلك من الأجهزة الاستراتيجية الكفيلة باستخدام وسائل المراقبة والإنذار التى من شأنها أن يكون المقاتل المصرى فى وضع الاستعداد الدائم، وهى فى ذلك تؤمن له الوسائل الرادعة لعمليات الاختراق، إذا قدر لأى مغامر أن يقترب من حدود الوطن.
التفاصيل كثيرة والأرقام والإحصاءات مذهلة، وبلاشك تلك السطور لاتعكس كفاءة العسكرية المصرية فى القيادة والنماذج العملية فى توظيف الكوادر المدنية، ناهيك عن الوقوف على أسباب عصر التكنولوجيا المحفوف بالمخاطر، لكن قصورا كبيرا يبدو من جانب وسائل الإعلام فى الدخول نحو تلك الميادين التى لا تقل فى أهميتها عن ساحات الحروب والوغي.
الصاعقة .. مصنع الرجال
التضحية والفداء هما السبيل الوحيد لبلوغ المجد الذى يعكس أسطورة قوات الصاعقة المصرية ، والتى ضربت أروع الأمثلة فى التضحية بالنفس والجسد فداء للوطن لتستحق بجدارة أن تنال المجد فى عليائه، وفى قلب قلعة البطولات المستحيلة« الصاعقة يمكنك أن تدرك كيف يعمل مصنع الرجال الشدائد؟ ، حماة مصر فى ساحات الوغي، وسط الظروف الصعبة والأجواء الميدانية القاسية، حتى سطروا بحروف من نور تاريخا مشهودا لها خلف خطوط العدو فى لحظات الانكسار والهزيمة، واستطاعت أن تزلزل العدو الإسرائيلى وتدخل الرعب بين صفوف جنوده فى عز خيلائه فى أعقاب نكسة 67 القاسية. كنا نسمع يوما تلو الآخر عن كفاءة وقوة وشدة بأس مقاتلى «الصاعقة» من حيث مستوى التدريب والكفاءة القتالية فى أعقد الظروف وأصعبها، لكنا زيارة واحدة تمكنك من أن تلمس بأصابعك وتدرك عينك، ذلك الواقع المشرف لجنود وضباط وقادة هذه المدرسة العريقة فى الإقدام، وكيف كان دروها البطولى فى التصدى للإرهاب على مستوى الجبهة الداخلية خلال السنوات الثلاث الفائتة، ومازالت ماضية على الدرب ذاته، وهنا لابد للمرء أن يطمئن على هذا البلد الذى حباه المولى عز وجل بميزات نسبية أهمها جنوده الشرفاء وعلى رأسهم رجال الصاعقة الأكفاء، بما لمسناه من قدرة وتحمل للمسئولية من جانب تلك النوعية من المقاتلين الذين يتمتعون بضبط النفس والسرعة فى تلقى التعليمات، وتنفيذ المهام بدقة متناهية تفوق ساعة » بيج بن« الشهيرة.
وفى مصنع رجال »الصاعقة« لابد لك أن تفخر بسجلها البطولى ، ويقشعر بدنك بمدى قدرة المقاتل وتحمله إلى حد الذهول، فى قلب الظروف الضاغطة التى يوضع فيها ، ومع ذلك لاتلمح من علامات وجهه المغطى بالطين أو الغبار، سوى فيض من تلك الروح المعنوية المغلفة بالهدوء النفسي، ويعلو جبينه ذلك الفخار الذى يوصله دوما إلى المجد.
وعلى قدر ما مضى من كفاءة وإبهار فى التدريب والأداء تبقى فى القلب غصة جراء ذلك القصور الإعلامى الذى لا يدير الكاميرا نحو هؤلاء الأبطال، ويضع أضواء كاشفة على تلك البطولة، التى تتسم بالندرة فى جيوش الأرض جميعا ، فقد جاء الفيلم التسجيلى الذى عرض علينا عن قوات الصاعقة المصرية بشكل لايليق أبدا بمكانة من ضحوا بالغالى والنفيس لأجل رفعة بلدهم وأقصد هنا المستوى الفني.
الإنقاذ والانتشار السريع
وفى رحلة نحو عالم واقعى يكشف قدرة الجندى المصرى عندما يوضع فى أصعب المواقف، وكيف تبرز براعته فى الاستجابة السريعة لنداء الواجب على المستوى العسكرى والمدنى على حد سواء، فى قلب صرح جديد من صروح القوات المسلحة المصرية، الذى يؤكد الشعور بالحماية ويؤكد الانتماء ، كما شاهدنا على الطبيعة فى زيارة خاطفة ل وحدة الانتشار السريع والإنقاذ التابعة ل «هيئة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة»، التى تعنى بمواكبة العصر فى أساليب الانتشار السريع والإطفاء للحرائق وإنقاذ المواطنين من تحت المبانى المنهارة بفعل الزلازل والكوارث الطبيعية فى أصعب الظروف. شاهدنا فى تلك الوحدة أساليب وطرق الإنقاذ والانتشار والتفاعل مع الحدث فى خلال ثلاث دقائق فقط يمكن من خلالها بدء مهمته على مستوى المعدات، والأداء، ويبدو فى كل حدث من هذا النوع حرفية الضابط المصرى وضباط الصف والجنود ، والعمل بروح جماعية تستند إلى عقيدة قوامها الإيمان بالله والوطن ، ووضع نفسه ك«شهيد تحت الطلب» من أجل بلده، وهو غاية ما يتمني.
وقد اتضح لنا أن قواتنا المسلحة لاتقبل بأى تطور من شأنه حماية الإنسان المصرى فحسب، بل لابد من البحث والتقصى وجلب أفضل التكنولوجيا التى تمكنه من التفوق فى ميادين الحماية والإنقاذ، وهى نفسها العقيدة الراسخة لدى أبناء الجيش بأن المواطن المصرى يستحق أن يشعر طوال الوقت بالأمن والحماية اللازمة.
تقرير المشاهدة الأولية ل »وحدة الانتشار السريع والإنقاذ » التابعة ل »هيئة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة«، ليس سوى فصل صغير من فصول الرصد لجهود وكفاءة قطاع من مئات القطاعات التى تحظى بها قواتنا المسلحة للحفاظ على الوطن والمواطن، وهى تعكس الروح المعنوية العالية لأبناء الجيش فور نجاح كل عملية من عمليات الإنقاذ، ولعل من الشواهد الكثيرة من واقع سجلات القوات المسلحة المصرية التى تشهد بالكفاءة والاحترافية، وهو ما يدفع المصريين للفخر بجيشهم الرابض فوق جمر السياسة الملتهبة الآن، رغم أن التاريخ يشهد له بالكفاءة من فجره حتى الآن ، ليؤكد صدق قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بأنهم «خير أجناد الأرض».
إضاءة وجه الحقيقة
فى كل مكان ذهبنا إليه طوال فترة الدورة كان فخرنا بجيش مصر يزيد يوما بعد يوم ، ونحن نستكمل زيارات المناطق الحيوية فى إطار دورة تثقيفية استطاعت من خلالها المشاهد الحية والاحتكاك بفكر وعقل وجهود أبناء الجيش المصرى إزالة الكثير من اللغط والالتباس حول كفاءة أبناء القوات المسلحة، الذين يعملون فى صمت متحدين عناصر الجغرافيا الصعبة -وهو ما يحتاج من إعلامنا إضاءة وجه الحقيقة - لتظل صفحات الفخار من عمر قواتنا المسلحة » برا وبحرا وجوا« مكتوبة بحروف من نور ، وتؤكد حقيقة أن »جند مصر هم خير أجناد الأرض« ، وتعلو جباههم دوما بكرامة الوطن، لسان حالهم جميعا يقول: مصر باقية بفضل جيشها القوى ومواطنيها الذين سيظلون فى العين والقلب، رغم عواصف وأنواء السياسة المجحفة.
وفى النهاية لايسعنا إلا قول : إلى كل الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم الزكية حتى تظل رايات مصر عالية خفاقة عبر العصور.. إلى الأحياء عند ربهم يرزقون، بعد أن منحونا الكرامة والعزة والأمل فى غدٍ أكثر إشراقاً ننعم فيه بالحرية والكرامة والعدالة،وإلى فخر مصر وضميرها، من أبناء الجيش تحية تقدير واحترام،وعاشت قواتنا المسلحة فخر الوطنية المصرية، ووفقنا الله جميعا لخدمة هذا البلد صانع الحضارة والمجد على ضفاف النيل العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.