المتغيرات المتسارعة التى شهدتها المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة، وحجم التدخلات الخارجية، وما آلت إليه الأوضاع فى بعض الدول التى شهدت ثورات الربيع العربى وظاهرة انتشار المجموعات الدينية المسلحة وسيطرتها على بعض المناطق العربية، ناهيك عن تفسخ النظام الرسمى العربى وفشله فى مواجهة التحديات التى تجابه الأمة العربية، كل ذلك يؤكد الحاجة إلى نظام عربى جديد يعبر عن الأوضاع الجديدة فى المنطقة ويستطيع الحفاظ على المصالح العليا للأمة العربية، وحمايتها من عوامل الانهيار الداخلية والخارجية. لقد نشأ النظام العربى الحالى عقب الحربين العالمية الأولى والثانية وفى ظل تواجد مباشر للاستعمار فى معظم الدول العربية، التى تم تقسيمها وترسيم حدودها طبقا لمعاهدات سايكس بيكو، ورغم اعتبار إعلان قيام جامعة الدول العربية عام 1945 أهم حدث فى التاريخ الحديث على طريق العمل العربى الوحدوى، فإن بعض المفكرين القوميين يرون العكس، فالدول العربية اصبحت ملتزمة بميثاق الجامعة كإطار عام للعلاقات العربية العربية والذى ينص على ضرورة احترام حسن الجوار ورعاية الحدود وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، وهذا الشكل يعنى حسب رأى استاذنا الدكتور عصمت سيف الدولة أن وجود الجامعة العربية يعد اعترافا صريحا بمعاهدات سايكس بيكو وكل مشاريع التقسيم التى تعرض لها الوطن العربى، ذلك أن وجود مؤسسة بهذا الشكل هو فى نهاية الأمر عملية تقنين لحالة التفتيت. ورغم بروز قيادات وحدوية بعد ذلك قادت ودعمت حركات التحرر الوطنى فى الوطن العربى، لم يستطع حلم الوحدة العربية أن يفرض نفسه، نتيجة ارتباط بعض الدول العربية بقوى دولية تساعدها فى الحفاظ على مصالحها القطرية، والصراع بين القوى الاجتماعية والسياسية العربية المختلفة، والتدخلات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، والتى ساعدها صورية الاستقلال السياسى لبعض الدول العربية والذى كان فى بعض الأحيان مقابل التنازل عن أى تفكير فى الوحدة، وعلى حد تعبير المفكر القومى معن بشور فإن الاستقلالات القطرية فى العديد من الأقطار لا سيما فى المشرق العربى لم تكن فى حقيقتها أكثر من تسوية نصفية قبل فيها المستعمر بمنح الأقطار العربية استقلالها السياسى مقابل أن تتنازل القيادات الوطنية عن مطلبها بالوحدة مع أقطار أخرى، وكانت تجربة سوريا ولبنان فى مطلع الاربعينيات هى التعبير الصريح عن هذه التسوية حيث تنازل الوحدويون فى البلدين عن الوحدة مقابل أن ينال البلدان استقلالهما. وإذا كانت قضية فلسطين القضية المركزية الأولى للعرب قد استطاعت فى بعض مراحل النظام العربى أن تجمع شتات العرب على كلمة واحدة لمواجهة الاحتلال الصهيونى، وبلغ النظام العربى ذروة نجاحه خلال حرب 1973، ولكن الخلاف حول التوظيف السياسى لهذه الحرب نتيجة تضارب المصالح القطرية، وانفراد بعض القيادات العربية بالسير فى طريق التسوية مع اسرائيل بعيدا عن الموقف العربى، أدى إلى أن تكون نفس القضية أحد اسباب تفسخ النظام العربى، الذى لم يستطع بعد ذلك ذ لأسباب متعددة التوصل إلى حل للصراع العربى الإسرائيلى حتى بعد الاتفاق على رؤية موحدة للتسوية مع اسرائيل من خلال مبادرة السلام العربية التى تم إقرارها فى قمة بيروت عام 2002 ولم تر النور حتى الآن. كما جاءت حرب الخليج بكل تداعياتها لتدق مسمارا جديدا فى نعش النظام العربى، بعد أن فتحت الباب بعد ذلك أمام الغزو العسكرى الامريكى للعراق، وتدمير جميع قدرات واحدة من أكبر الدول العربية، وتقسيمها على اساس طائفى وعرقى. ولأن فشل النظام الرسمى العربى لم يكن فقط على المستوى القومى، ولكن حتى على المستوى القطرى حيث كرست معظم الأنظمة لديكتاتوريات وصلت إلى حد توريث الحكم فى نظم جمهورية، كما حدث فى سوريا وكان يتم التمهيد له فى مصر وليبيا واليمن، فى ظل استمرار عوامل التخلف الاجتماعى والاقتصادى، وهو ما أدى فى النهاية إلى انفجار الأوضاع فى بعض الدول فيما عرف بثورات الربيع العربى. لكن النظام العربى الرسمى الذى فشل فى التعامل مع احتياجات وتطلعات الشعوب العربية، هو نفسه الذى استسلم للتدخلات الأجنبية لتغيير الأنظمة كما حدث فى ليبيا والعراق وتورط كطرف فى الصراعات الداخلية كما يحدث الآن فى سوريا. ويواجه هذا النظام الآن عدة اشكاليات يقف عاجزا عن التعامل معها، فلم تعد الوحدة العربية هى الحلم، بل أضحى مجرد الحفاظ على شكل الدول العربية طبقا لتقسيم سايكس بيكو وعدم تقسيمها مرة أخرى هو الهدف الآن، وهى كارثة توضح مدى الانهيار الذى وصل إليه النظام العربى. لقد اثبتت التجارب المختلفة على طول تاريخنا أن التأسيس الصحيح للنظام العربى يبدأ من من قيام أنظمة معبرة عن شعوبها فى كل دولة عربية، ولن يتحقق ذلك إلا بمرحلة طويلة من النضال من أجل قيام نظم عربية ديمقراطية، تملك استقلالا حقيقيا بعيدا عن التدخلات الخارجية التى تطاردنا الآن من المحيط إلى الخليج. لمزيد من مقالات فتحي محمود