تساءلت سؤالا أعرف أن اجابته مستحيلة! هل من عودة لشهداء الثورة الي الحياة لنحتفل بهم ولو لدقائق وساعات, ثم يعودون من جديد إلي السماء! تساءلت سؤالي هذا وأنا أتذكر كلمات امرأة عجوز قد بلغت من العمر أرذله, كانت تسير علي عصاة هي السند الوحيد لها في الحياة, قالت بعد الثورة مباشرة لاحدي المحطات الفضائية والتي كانت تجوب وسط القاهرة وتسأل المواطنين عن رأيهم فيما يحدث, فقالت السيدة: أين هم مفجرون تلك الثورة أين هم من استشهدوا فيها حتي اقبل اقدامهم علي ما فعلوا, وجعلت تكرر مرارا وهي باكية من الفرحة رغبتها في تقبيل اقدامهم شهيدا شهيدا. عاشت مصر في داخلهم, كانت تناديهم ويستجيبون فيمنعهم عنها المانعون الفاسدون, فيعودوا الي ديارهم خائبين, وتعود اراداتهم الي أدراجها في يأس وحيرة, وعاودت مصر نداءها لهم من جديد, ان هلموا ابنائي وانقذوني من اسري, ومن سجني المديد الذي ظننت من طول أمده انه لن ينتهي وان الحرية قد برحتني للابد, ولن تزورني ثانية سوي بين غيابات احلامي. فلبوا النداء علي الفور وهذه المرة مجتمعين يدا واحدة, مجموعة ثم مجموعات ثم آلاف, ثم ملايين, وملأوا الميادين في كل ربوعها, واعلنوا من ميدان التحرير انهم يرغبون في التحرير, فرحت وقالت هكذا هم ابنائي عندما اناديهم واحتاج اليهم, يتركون كل غال ونفيس من أجلي, بل يتركون حياتهم من اجلي, لانهم يعلمون ان من مات دفاعا عن وطنه وارضه فهو شهيد. وقفوا ووقف الخوف امامهم متحديا لهم من جديد, كما كان يفعل من قبل, ولكن هيهات فإرادتهم هذه المرة كالطوفان الجارف لكل شر, فقضوا علي الخوف ودمروه تدميرا, فجاءهم المستحيل يخبرهم انهم لن يستطيعوا الفوز في تلك المعركة الخاسرة فاعدموا المستحيل, وأفشلت ارادتهم كل محاولات القمع لهم ولفكرتهم الاساسية التي نطق بها لسانهم الشعب يريد اسقاط النظام. وسقط النظام ارضا وارتفعوا سماء محلقين علي أجنحة الملائكة, فرحين ومبتسمين, يودعون حبيبتهم الغالية مصر, ويقولون لها, أمي لقد اعطيناك حياتنا ولن ننساك أبدا, فودعتهم بكل حب وكتبتهم في كتاب التاريخ بالدم. ودعوا أحباءهم, وألقوا عليهم ورود السماء, وكتبوا بالدم فوق الجدران ان تحيا مصر للأبد, وقال الشهيد لأمه لاتحزني فانت ام البطل, بل افتخري أمام الجيران وأمام كل البشر انك قد انجبت مناضلا, وقولي لأبي ولإخوتي وأصدقائي الا يحزنوا وان يستجيبوا لنداء مصر عندما تناديهم, فلا حياة لبشر يبكي له وطن. وكتبنا نحن علي قبورهم, انكم تعيشون في داخلنا, تذكروننا دائما كيف يكون للانسان قيمة بحبه لوطنه, لن ننسي أنكم كسرتم حاجز خوفنا, وأشرقتم الشمس التي غابت لثلاثين عاما عن سمائنا. تحية كل التحية لكل شهيد ولكل عائلات الشهداء قاطبة. طبيبة وروائية