لا أتذكر آخر مرة شاهدت فيها فيلما سينمائيا أسرنى أثناء مشاهدته وبعدها كما حدث بعد مشاهدتى فيلم (الفيل الأزرق) والذي دفعنى الشغف به إلى قراءة الرواية التى تحمل الاسم ذاته.. لا اختلاف جوهرى فى الأحداث والتفاصيل بين الرواية والفيلم ...التماسك فى الحبكة وتسلسل الأحداث كما هو ..لكن يضاف إلى الفيلم القدرة الرائعة على التجسيد من جانب الممثلين والتصوير المتقن والإضاءة التى تتفق ونقلات الأحداث الدراماتيكية. فى الواقع نحن أمام تجربة فريدة وجديدة تطهرنا من التلوث البصري والسمعى الذى أصابنا عبر سنوات بفعل أفلام السبعينيات وأفلام المقاولات ثم أفلام الكوميديا المعجونة فى الغلاسة والسماجة لنجم أوحد يوسعنا نكاتا لا تفلح فى انتزاع مجرد البسمة من الشفاه . نجاح (الفيل الأزرق) كرواية ثم كفيلم أمر يجدر التوقف عنده فوراءه العديد من النجوم بدءا من مؤلف الرواية أحمد مراد هذا الشاب الذي لم يتعد الثلاثينات الذى استطاع أن يقف بقوة فى مصاف كتاب الصف الأول منذ نشرت روايته الأولى (فيرتيجو) 2007 وتحولت إلى مسلسل تليفزيونى بالاسم نفسه ثم جاءت روايته الثانية تراب الماس 2010 ثم الفيل الأزرق الرواية التى وصلت الة القاءمة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2014 . نجاح أحمد مراد يثبت أن الموهبة تفرض نفسها كضوء الشمس حتما . الحبكة فى الفيلم جديدة تتطرق إلى عالم السحر والشغف بالجنس الذي يدفع بالبعض إلى اجتياح عالم الجن من أجل البحث عما يرضى هذه الحالة من الهوس . ومن خلال الحبكة يطرح فكرة الحب الأول الذي تبقي ظلاله تطل على حياة الكثيرين ممن اضطروا إلى التخلى عن هذا الحب وربما تظل تنغص على المرء حياته وتدفعه حتما إلى الفشل كما حدث مع يحيي بطل الفيلم الذي سمح له القدر فى نهاية الرواية بفرصة أخرى يستعيد فيها حبه الأول وتجعلنا رغما عنا نستعيد مقولة إحسان عبد القدوس (فى حياة كل منا وهم كبير اسمه الحب الأول ) لنتمعن فيها مرة أخرى. أما عن التمثيل فأنت أمام طاقة جبارة اسمها خالد الصاوى يذكرك بيوسف بك وهبي وهو يزأر كالأسد على المسرح ..وفى إطلالته تشاهد ملامح زكى رستم بجبروته أمام كاميرا السينما .شخصيتان قدمهما خالد الصاوى باقتدار الدكتور شريف الذي ساقه ولعه وزوجته بالوشم إلى حافة الهاوية حين قامت خديجة خبيرة التاتو برسم طلسم على فخد زوجته يستدعى الجن ليلبس جسد شريف. شريف الذي يبدو شاخصا واهنا لينقلب فجأة إلى الشخصية الأخرى (نائل) الجن الذي يحتل جسد شريف ويراوغ يحيي ليقرر أن شريف هو الذي قتل زوجته بسمة . أما كريم عبد العزيز فقد خرج من جلباب أدواره التقليدية كدون جوان أوابن بلد يتعرض للظلم والقهر ويقاومه ويتغلب عليه فى النهاية ، ليقدم نفسه بنكهة جديدة ومذاق مختلف يثبت قدراته الفنية وهو يجسد عذابه الذى لا ينتهى بعد أن تسبب فى وفاة زوجته وابنته ، وعذابه لفقد ( لبنى ) حبه الأول وشقيقة شريف الذي رفض قصة الحب تلك رفضا باتا ... الفيل الأزرق بالفعل حالة فنية رفيعة المستوى فى ظل أفلام لا تقدم سوى النكتة الرخيصة وهز الوسط . لمزيد من مقالات سهير عبد الحميد