يقول فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أن الإنصاف معناه العدل في المعاملة، بمعنى أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، فإذا كنت تحرص على أن تأخذ حقوقك من الناس.. فمن الإنصاف أن تعطيهم حقوقهم أيضًا، وهذا هو المعنى الصعب الذي يغيب عن الناس جميعًا، فمن الناس إذا كان له حقٌ عند الآخرين أخذه، أو يستريح إذا أحد أثنى عليه أو مدحه، لكنه في المقابل لا يعطي الآخرين حقوقهم بسهولة، ولا يقول كلمة ثناء، أو كلمة مدح في شخص آخر، لأنه ليس على وفاق معه، أو لأنه يستثقله ، فهذا ليس من الإنصاف، وإنما الإنصاف أن تعطي مثل ما تأخذ، وأن تثني على الآخرين مثلما يثنون عليك، فإذا كنت تحب الثناء ولا تبذله ولا تعطيه، فأنت لا تتخلق بخلق الإنصاف، وهذا الخُلق هو بالضبط العدل الذي أمرت به الأديان، وتأمر به كل الحضارات الإنسانية الراقية. وأضاف الطيب أن الدرجة العظمى للإنصاف، هي: أن ينتصف الإنسان من نفسه لنفسه، بحيث تكون لديه الشجاعة والقوة على أن يقول: إنني أخطأت، وما كان لي أن أفعل هذا الخطأ، وماذا أفعلُ الآن لأُصلِح هذا الخطأ؟ ويأخذ في علاج الخطأ الذي وقع فيه، هذا هو الإنسان القوي الذي يمكن أن ينصف الآخرين، وفي مقابل هذا نجد من لا يمكنه أن ينتصف من نفسه لنفسه، فإذا اقترف خطأً - بدلا من أن يعترف بهذا الخطأ، ويستغفر الله عليه، أو يسارع إلى إعطاء الآخرين حقوقهم؛ ليصلح هذا الخطأ - تجده يبرر لنفسه الوقوع فيه، ويختلق الأعذار والأكاذيب، والحقيقة أن هذا السلوك هو نوع من الهروب من تأنيب الضمير؛ لأن الإنسان مهما كان مؤمنًا أو كافرًا، ظالمًا أو مظلومًا، لديه ضمير يؤنبه حين يظلم الآخرين، فمن يختلق لنفسه المعاذير؛ ليشعر بأن هذا الذي صنعه أمر هين - فإنه غير قادر على الانتصاف من نفسه، وبالتالي سيكون عاجزاً عن إنصاف الآخرين.