حين تم الصلح بين حماس والسلطة عام 2007 تحت أستار الكعبة المشرفة برعاية سعودية مصرية، ما لبث أشهر قليلة حتى كانت زيارة لرئيس المكتب السياسى لحماس خالد مشعل لطهران، وفور عودته لدمشق انتهت المصالحة، وافتعلت حرب راح ضحيتها العشرات من أبناء غزة . وفى لقاء فى مايو الماضى بعيداً عن أضواء الاعلام فى احد فنادق العاصمة القطريةالدوحة كان طرفاه مساعد وزير الخارجية الايرانية للشئون العربية والإفريقية حسين امير عبداللهيان، ورئيس المكتب السياسى لحركة حماس خالد مشعل، كان موضوعه عودة حماس لمحور ايرانسوريا حزب «الله»، وكانت تلك العودة مقابل 200 مليون دولار سنوية تدفعها ايران لحماس اضافة الى أسلحة متطورة مثل التى تزود بها ايران حركة الجهاد الاسلامى فى غزة، وتدريب كوادر حماس على ايدى مدربين من الحرس الثورى الإيراني، وعاد الإيرانى لدولته بهذا الاتفاق وبقى مشعل فى الدوحة لتنفيذ بنوده بعد زيارة قام بها اسماعيل هنية فى نفس الشهر لطهران، وبعد عودته خطف ثلاثة فتيان إسرائيليين ، واشتعلت الاراضى المحتلة الى ان ركز لهب هذا الاشتعال على أهلنا فى غزة . إذن هى عملية لإراقة دماء الغزاويين نفذتها حماس بكل حماس لصالح ايران، لكن ماهو الهدف من ورائها بعد هدم المصالحة الوطنية وإعادة الخلاف الفلسطينى للمربع الأول ؟ أدركت حركة حماس عبر راعيها العربى قطر، ان ايران بحاجة لها فى هذه المرحلة اكثر من اى وقت مضى، فعادت للارتماء فى احضان طهران مجددا بعد ثلاثة أعوام من فتور أصاب العلاقة بينهما، وتكمن حاجة ايران لحماس فى ستة أسباب من وجهة نظري. وهى: الضغط على الرئاسة المصرية الجديدة، والسعودية وارباك تنسيقهما المشترك فى العراقوسوريا ضد الأجندة الايرانية . ومحاولة شغل الجيش المصرى عن مساهمته الكبيرة فى مشاريع التنمية التى تنفذ فى مصر الآن . كذلك سحب الضوء المسلط على ما يجرى فى العراقوسوريا لتنفرد ايران بالمشهد فيهما , والسعى لزيادة الضغط على السعودية نتيجة ما تواجهه ايران من سياسة السعودية فى المنطقة والعراقوسوريا واليمن على وجه التحديد. وفتح المجال لبروز نجم رموز تنظيم الاخوان مجددا بعد افوله وانكشاف خداع معظمهم لدى اغلب العرب. علاوة على محاولة إظهار طهران انها شريك أساسى فى معادلة الصراع الفلسطينى الاسرائيلى . هذه أهداف تكتيكية للسياسة الايرانية وهناك هدف استراتيجى وهو فتور المفاوضات حول برنامجها النووي، وربما أحست طهران ان هناك تبدلا لنوايا الغرب حول برنامجها بعد ان اقتربت من يقين إقناعهم بها كلاعب منفرد فى المنطقة، وأرادت من وراء ذلك الضغط على المجتمع الدولى . القضية الوحيدة فى العصر الحديث التى اجمع عليها الوجدان العربى والمسلم هى القضية الفلسطينية، ومن هنا تكمن أهميتها لإيران لاستغلالها لصالح مشاريعها السياسية والعسكرية التمددية والتسليحية، وقد قال بتاح حتب احد حكماء وزراء مصر القدماء «الظلم موجود بوفرة، ولكن الشر لا يمكن أبدًا أن ينجح على المدى الطويل» . تطلق حماس العشرات من الصواريخ التى تعتبر بحجم الرد عليها من آلة القتل الإسرائيلية ألعابا نارية، فحجم الفعل لا يقارن من حيث التأثير فى صفوف الإسرائيليين بحجم ردة الفعل الإسرائيلية فى صفوف الغزاويين على مدار اليوم . إذن هناك اتجار بدماء أهلنا فى غزة، وآخر بمشاعر المسلمين فى جميع أنحاء الارض ، وقيادات حركة حماس تقوم بدور البطولة فى هذه اللعبة. الأكيد انه لولا غض الطرف الإسرائيلى حينها على الأقل لما تأسست حركة حماس مع اقتراب منظمة التحرير الفلسطينية حينها لحلول مع اسرائيل بعد ان استطاعت احراج تل ابيب فى جميع المحافل الدولية ، وهذا يجعل اسرائيل ترحب بهذه العملية وتقسو فى ردة فعلها لتضغط اكثر على السلطة الفلسطينية لتحصل على تنازلات اكثر بعد قيام مفاوضات جديدة، او ربما انها ترى فى هذه العملية محاولة لقبول الرئيس عباس بدخول جولة مفاوضات جديدة بتنازلات لصالح اسرائيل، واعتقد انه لن يحصل لا هذا ولا ذاك لانه لم يبق سوى ثوابت لن يستطيع أيا كان التنازل عنها . ما من شك ان ايران تسعى لإشعال المنطقة وقد فعلت فى اكثر من مكان والتقى مسعاها مع رغبة اسرائيل فى تحريك المياه بعد ركودها على طاولة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وجاءت حركة حماس لتنفيذ هاتين الرغبتين الدمويتين ، وكما قال الروائى الفرنسى اونوريه دى بلزاك « القوة ليست أن تضرب بقوة أو بكثرة، لكن أن تصيب الهدف»، والمنطقة غارقة فى فوضى استعراض القوة الدموي، ولكن ما من احد أصاب الهدف حتى الآن .
رئيس مركز التحليل والدراسات الاستراتيجية لمزيد من مقالات محمد بن سعود الملفى