جاء تقرير صندوق دعم السلام لهذا العام, يحوى الكثير من المفاجآت وأيضا ليدق لدى المجتمع الدولى نواقيس الخطر, حول دول إذا استمرت فى الانحدار على نفس المنوال فهى بلا شك تواجه فشلا كبيرا قد تعجز هى كما قد يعجز المجتمع الدولى عن مواجهته, الأخطر أن التقرير اظهر أن 17 فى المائة فقط من سكان العالم يعيشون فى دول مستقرة, فى حين أن أكثر من 83 فى المائة يعيشون فى دول" خطرة" أو دول "هشة" وفقا لوصف التقرير. وقبل الدخول إلى نتائج التقرير, ربما علينا أولا ان نوضح بعض النقاط حول أهميته ودلالته. تعمد تقرير هذا العام، الذى يأتى ليقدم نتائج أبحاثه ودراساته عن مجمل عام 2013، استخدام مصطلح الدول الهشة بدلا من الدول الفاشلة، الذى دأب على استخدامه على مدار السنوات العشر الأخيرة. وأوضحت كريستا هندري، المدير التنفيذى للصندوق، أن مصطلح الدول الفاشلة ربما لم يعد مرتبطا فعلا بمعدل ما يحصل عليه المواطن من حقوق فى نهاية الأمر ولذا تم استبداله ب "الدولة الهشة" أو "الرخوة" وهى تلك التى يستمر فيها المواطن فى المعاناة وعدم الحصول على كامل حقوقه ويستمر فقره، وفى النهاية ينفجر المجتمع ويزداد العنف الداخلى، حتى لو لم يتم تصنيف دولته على المستوى الدولى بأنها دولة فاشلة. ومصطلح الدولة الهشة أو الرخوة هو المصطلح الذى وضعه عالم الاقتصاد السويدى جونار ميردل عام 1970, وهو يعبر عن الدولة التى تتمتع فيها النخبة بقوة تمكنها من فرض إرادتها على بقية طبقات المجتمع, وهذه النخبة لا تدين بالولاء للوطن بل لمصالحها فقط, وهنا كما يقول ميردل " يكون البلاء الأعظم, حيث يستمر الفقر والتخلف" ويصدر التقرير عن صندوق دعم السلام, وهو مؤسسة بحثية مستقلة ومقرها واشنطن بالتعاون مع مجلة "فورن بوليسى" الأمريكية التى تقوم بنشره كل عام, وهو يعتمد فى تصنيفه على عدد من المؤشرات التى تركز فى مجملها على وضع المواطن داخل الدولة وهل تصله فى نهاية المطاف حقوقه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية, وحتى يتم الوصول الى هذا التصنيف يعتمد التقرير على 12 محورا توضح ما إذا كان المواطن يعيش فى دولة مستقرة أم لا وهل نجحت هذه الدولة فى أن تواجه التحديات الداخلية والخارجية من اجل أن توفر له سبل العيش الكريمة, ومن أهم المحاور: الضغوط الديموغرافية مثل سوء توزيع السكان والنزاعات بين فئات السكان, الهجرة واللجوء للخارج والمشاكل الناتجة عنهما, تحيز النظام السياسى لصالح أقلية على حساب الأكثرية, هجرة العقول من دولهم أو اغترابهم داخل مجتمعاتهم, غياب التنمية الاقتصادية وعدم المساواة بين السكان. ومن المفاجآت التى حملها تقرير هذا العام، كان استقرار تركيا على الرغم مما عانته طوال العام الماضى من قضايا فساد واحتجاجات شعبية عارمة، إلا أنها بالرغم من كل هذا نجحت فى أن تحرز تقدما ولو كان متواضعا فيما يخص محور الضغوط الديمغرافية والخدمات العامة. فى حين اظهر التقرير أن دول الربيع العربى ما زالت تواجه تحديات وجودية اكبر من مجرد تحقيق الديمقراطية المنشودة. فتحديات الإرهاب الذى خرج بكل جنون من عقاله أصبحت تهدد حياة المواطن وأمنه واستقراره, بحيث توارى حلم تحقيق الديمقراطية وراء الأمل الأهم بان يبقى المواطن العربى على حياته وحياة أسرته فى وجه مليشيات مسلحة تبنت التطرف الدينى. من المفاجئات أيضا أن إيران، حققت فى تقرير هذا العام تحسنا واضحا, فقد نجحت بالرغم من الضغوط الاقتصادية أن تنجو من الصراعات الداخلية. وعلى عكس ما هو متوقع فقد تأخر تصنيف سنغافورة التى تعد واحدة من اغنى دول العالم, وعلى الرغم من استمرار أدائها الاقتصادى على نحو جيد, الا انها واجهت ضغوطا فى جوانب اخرى اساءت لتصنيفها, منها ارتفاع معدلات التلوث لمستويات قياسية, وعدم حصول العمال الاجانب على حقوقهم الكاملة وتعرضهم للتمييز. اما دول البلقان البوسنة والهرسك, فقد كانت من المفاجآت السعيدة حيث ارتفع تصنيفها بشكل جيد بعد عشر سنوات من الكفاح كى تصل الى الاستقرار, فهى من الدول التى تحسن أداؤها اكثر من اى دولة اخرى فى تقرير هذا العام, خاصة فى مجال عدم التمييز بين فئات المجتمع والمؤشرات المرتبطة بالضغوط الديموغرافية ومنها تلك المتعلقة باللاجئين والمشردين داخليا. ووفقا للتقرير فقد تمكنت دولة سيراليون ان تكون الدولة الاولى التى تخرج من تصنيف الدول الهشة هذا العام, وهى تتجه نحو الدول المستقرة, مع قدرة على بناء متواصل فى مجال المعرفة والخبرات التنموية. واوضحت كريستا هندرى فى حوار مع مجلة فورن بوليسي, ان جنوب السودان ربما تكون الدولة التى ستحتل قائمة الدول الهشة فى تقرير العام القادم ، حيث انها عرضة لعنف هائل وعدم وجود مؤسسات يمكنها التصدى لهذا العنف. كما توقعت هندرى أيضا أن التطورات الدرامية فى العراق وأوكرانيا وتايلاند ترشحها لاحتلال اعلى قائمة الفشل فى التقرير القادم. أما عن سوريا, التى لم تحتل رأس القائمة هذا العام, كما كان متوقعا لدى الغالبية من متابعى التقرير, فقد اجابت هندرى ببساطة, هناك فرق بين دولة قوية لا ترعى شعبها أو تضر بمصالحه وبين دولة لا تستطيع حماية شعبها،حتى لو أرادت هى لا تستطيع، هذا هو حال سوريا.