الوقت فى حياة الإنسان هو عمره الذي يقضيه فى هذه الدنيا، ثم يلقى الله سبحانه وتعالى بعد ذلك ويحاسب عليه، فكل أعمال وأقوال الفرد تتم من خلال الوقت، ومع ذلك نتعامل معه باستخفاف وعدم اكتراث، فلا أحد يستغل الوقت كما ينبغي، ولعل ذلك ما أدى إلى حالات الركود والضعف التى تعيشها مجتمعاتنا حاليا، مقابل تقدم غيرنا ممن عرفوا للوقت قدره. ولأن إدارة واستثمار الوقت بشكل صحيح من الثقافات الغائبة عن المجتمعات والشعوب الإسلامية، طالب علماء الأزهر بتعميقها ونشرها من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات الدعوية والتعليمية وتخصيص برامج وحملات توعية لنشر تلك الثقافة، حتى تصل الى جميع طبقات وفئات الشعب، وتكون نواة للعمل الجاد وزيادة الإنتاج، فضلا عن كونها قربة إلي الله عز وجل. ويقول الدكتور نبيل السمالوطى أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، إن الدين الإسلامي قد أعلى من أهمية الوقت فى حياة الإنسان، وحث على استثماره فيما ينفع به نفسه وأيضا الآخرين فى الدنيا والآخرة، ويكفى الاستماع الى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث »لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ»، موضحا انه عند النظر إلى معنى كلمات هذا الحديث، نجد أن جميعها مرتبط بتوظيف الوقت، فالعمر هو مجمل حياة الإنسان فى هذه الحياة الدنيا والشباب مرحلة زمنية فى العمر، والعلم أيضا مرتبط بالوقت تحصيلا وتعليما، والمال يجمع عن طريق العمل الذى يشغل زمنا من الوقت. وأشار إلى أن الوقت فى حياة الإنسان ليس ملكا شخصيا له، فالفرد مسئول عن توظيف هذا الوقت بما ينفع ويخدم نفسه وأهله ومجتمعه والإنسانية كلها، موضحا ان الوقت هو وسيلتنا الى الفوز بالدخول الى الجنة، إذا تم توظيفه واستغلاله استغلالا حسنا نافعا، وعلى العكس قد يكون هذا الوقت إذا تم هدره وعدم الانتفاع الصحيح به، سببا الى الدخول فى النار والعياذ بالله، ومما يدل على ضرورة تنظيم وقت الإنسان فى حياته والانتفاع بكل ثانية من العمر فيما يخدم ولا يهدم، علينا النظر الى أركان الإسلام، فإننا نجد ان جميع العبادات مؤقتة بتوقيت محكم، فالصلاة المكتوبة لها أوقات معينة مؤقتة، قال تعالى «فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا»، وأيضا الزكاة المفروضة يتم إخراجها بعد مرور الحول اى عام كامل على نصابها الشرعى، وكذلك صيام الفريضة له شهر كامل هو شهر رمضان، وأداء فريضة الحج فى وقت معين دون غيره من أيام السنة، قال تعالى «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقونِ يا أولي الألباب». ترتيب الأولويات وطالب بضرورة ان يرتب كل إنسان وقته على حسب أولوياته النافعة له فى هذه الحياة، سواء ما يتعلق منها بأمور الدين او الدنيا، حتى يتمكن من انجاز ما يريد فى أسرع وقت ممكن، ويستفاد ذلك حين نقرأ سيرة رسول الإنسانية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث نجد انه فى نحو ثلاثة وعشرين عاما، كيف بنى النبى صلى الله عليه وسلم أعظم دولة فى العالم، يعيش فيها الجميع، ويهنأ الكل بالعدل والمساواة والحرية بمفهومها الصحيح بما فيها حرية العبادة وحرية الاعتقاد، والمحافظة على حقوق الإنسان، موضحا ان النبى صلى الله عليه وسلم ضرب المثل والقدوة فى كيفية استثمار الوقت فيما ينفع، مقدما فى كل أفعاله ما له أولوية فى عمله على غيره من الأعمال، وانك لتجد ما من يوم بل ولا من ساعة او دقيقة، إلا والنبى الكريم صلى الله عليه وسلم يعمل عملا أو يغزو غزوة فى سبيل الله او يعلم أحدا من أصحابه، او يقول قولا او يقر شيئا فيه منفعة للإنسانية كلها، وقد سار من بعده على هذا الدرب باقتدار الخلفاء الراشدون، وسائر الصحابة الكرام، حتى انتشر دين الله تعالى فى كل أرجاء المعمورة ودخل الناس فيه أفواجا. وفى سياق متصل، أكد الدكتور عطية مصطفى أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، ان الوقت هنا لا يعنى فقط الاقتصار على العبادات المفروضة، وذلك لأن مفهوم العبادة فى الإسلام يشمل كل وقت فى حياة الإنسان، فطلب العلم وإتقان العمل وتحقيق التنمية وإعمال العقل والإحسان إلى الآخرين ورعاية الأسرة والمشاركة فى بناء المجتمع وإسعاد البشرية، كل هذه الأشياء وغيرها عبادة عملية تتم عن طريق استثمار الوقت استثمارا حقيقيا نافعا. وحذر من إهدار الوقت وعدم استغلاله الاستغلال النافع، متسائلا: لماذا تخلفنا وتقدم الآخرون؟ الإجابة لا تحتاج الى تفكير كثير، اننا جعلنا الوقت ليس له قيمة عندنا، نعيش حياة عشوائية، دون اهتمام، وأصبح التسويف القاعدة الأساسية فى منهج حياتنا، مما أدى إلى ما نحن فيه الآن من فساد وخراب ذمم وتخلف وجهل فى كل المجالات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والتنمية والسياسية والاجتماعية. الثقافة الصحيحة ويطالب الدكتور عطية مصطفى، بضرورة نشر ثقافة كيفية استثمار الوقت استثمارا صحيحا لتحقيق التقدم فى كل المجالات، وذلك من خلال إحياء منظومة الأخلاق والقيم فى المجتمع، وفى ذلك الشأن تقع مسئولية كبيرة على عاتق المؤسسات الدينية فى نشر تلك الثقافة من خلال عقد ندوات وقوافل دعوية علي مستوي المحافظات في المساجد والأندية وأماكن تجمع الشباب، لتوضيح اهمية المحافظة على الوقت، والتحذير من خطورة إهداره. وأشار إلى ضرورة أن تتضمن المناهج التربوية فى المدارس وأيضا الجامعات الثقافة الصحيحة لاستثمار الوقت، وفى البيت على جميع الآباء والأمهات أعمال القدوة الحسنة كنموذج لتربية النشء والأطفال، وبالمثل فى المدرسة، كما يجب على الدعاة والوعاظ تناول مثل هذه القضايا فى خطبهم ودروسهم فى المساجد، موضحين لهم أهمية المحافظة على الوقت و كيف أن الأمم تتقدم وتحقق التنمية لها من خلال الاستثمار الحقيقى لعامل الزمن فى كل برامجها التعليمية والإنتاجية.