فى محاولة لتهدئة حالة الغضب العارمة التى اجتاحت الأوساط البحرينية فى اعقاب الكشف عن وثائق سرية أمريكية تفضح مخططا أمريكيا لتغيير الكثير من أنظمة الحكم فى منطقة الشرق الأوسط، عقد مجلس الوزراء البحرينى برئاسة عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة جلسة لاتخاذ اجراءات حاسمة تجاه ما كشفت عنه تلك الوثيقة. وقرر مجلس الوزراء خلال الجلسة التحقيق فيما ذكر عن تلقى بعض الأفراد والمؤسسات مساعدات خارجية للتدريب على ما لا يتفق مع القوانين ورفع تقرير بذلك لمجلس الوزراء، والمحاسبة القانونية لمن ثبت تورطه فى ذلك حتى لا تعود مثل هذه الأمور إلى الظهور بأى وجه آخر. وكانت الوثيقة ،التى صدرت مؤخراً، قد أشارت إلى قيام إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما منذ عام 2010 بحملة نشطة لتغيير أنظمة الحكم فى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما فيها البحرين، ودعم حركة الإخوان المسلمين، فيما استبعدت الادارة الأمريكيةإيران من حملة تغيير الأنظمة وكشفت الوثيقة، التى يعود تاريخها إلى 22 أكتوبر 2010 وعنوانها مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط: نظرة عامة، أن هناك أولوية خاصة ومبكرة لليمن والسعودية وتونس ومصر والبحرين، وأن مقار "مشروع الشراكة" فى أبوظبى وتونس كانت مراكز لتنسيق البرنامج الإقليمى بأكمله، وأنه خلال سنة من إنشائه، أضيفت ليبيا وسوريا على قائمة الدول ذات الأولوية" لتدخل المجتمع المدني. ويتضح من مضمون الوثيقة التى تضم خمس صفحات أن الهدف من «المبادرة» هو تعزيز وتوجيه التغيير السياسى فى البلدان المستهدفة، حيث تؤكد الوثيقة أن مشروع الشراكة مع الشرق الأوسط هو برنامج إقليمى يهدف إلى تمكين المواطنين فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تطوير مجتمعات أكثر تعددية وتشاركيه، وازدهارا. وحددت الوثيقة ثلاثة عناصر أساسية لتنفيذ البرنامج وهي، برمجة على صعيد المنطقة وبلدان متعددة، والمنح المحلية، والمشاريع الخاصة بكل بلد، وقالت إن البرنامج يهدف إلى "بناء شبكات من الإصلاحيين تتعلم من تجاربها المتبادلة ويساند بعضها بعضاً، وإلى تحفيز التغيير التدري جى فى المنطقة". وأشارت إلى أن المنح المحلية أو الدعم المباشر لجماعات مدنية، تمثل أكثر من نصف مشاريع مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، وكشفت أنه تحت بند الجانب الخاص بكل بلد من البرنامج، يقوم أعوان معينون بسفارات الولاياتالمتحدة بإدارة التمويل والاتصال المباشر مع مختلف المنظمات غير الحكومية المحلية الممولة ومنظمات المجتمع المدنى الأخرى. ووفقاً للوثيقة فإن نائب رئيس البعثة بالسفارات الأمريكية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هو المسئول عن برنامج مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، ويعطيها أولوية مطلقة واضحة، فيما أكدت أن المبادرة ليست منسقة مع الحكومات المضيفة، فهى تعمل فى المقام الأول مع المجتمع المدنى. وكانت الوثيقة قد صدرت من وزارة الخارجية تنفيذا لحكم قضائى اثر دعوى رفعت بموجب قانون حرية المعلومات، وركزت على توجيه "الدراسات الرئاسية 11"، التى لا تزال مصنفة «سرية»، ولم يفرج عنها حتى الآن للجمهور. وأوضحت "وثيقة الدراسات الرئاسية 11" أن إدارة أوباما كانت تعتقد أن مخططاتها لدعم جماعة الإخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسى الأخرى المتحالفة معها كانت متوافقة مع أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة فى المنطقة. وكشفت المعلومات أن من يدير مبادرة الشراكة الشرق أوسطية هو بول ساتفين مدير مكتب إسرائيل والشئون الفلسطينية فى مكتب وزارة الخارجية لشئون الشرق الأدنى، وكان يشغل من قبل منصب القنصل الأمريكى العام فى أربيل بالعراق، ونائبته كاترين بورجوا، فيما أشرف اثنان آخران من كبار مسئولى وزارة الخارجية على تطوير وتوسيع البرنامج منذ صياغة الوثيقة فى أكتوبر2010 وهما اللذان حددا تحويلها إلى قوة تغيير الأنظمة. من جانبه أكد السفير الأمريكى فى البحرين توماس كراجيسكى عدم وجود أى وثيقة سرية حول مخططات أمريكية ضد النظام فى البحرين، وقال أن ما نشر هى برامج تنظمها بلاده منذ عشرات السنين وبموافقة وتعاون مباشرين من الحكومة البحرينية وأنها منشورة على الإنترنت. ونفى السفير كراجيسكى وجود أى برامج سرية خلاف ذلك سواء مع أفراد أو مؤسسات بحرينية، وأبدى إستعداده للتعاون مع أى لجنة تحقيق برلمانية فى هذا المجال، كما رحب بتشكيل لجنة التحقيق الحكومية فى هذه المعلومات، مؤكدا ثقته فى عدم توصل هذه اللجنة لأى مشروع سرى مدعوم من السفارة الأمريكية. وأيا ما كانت الحقيقة التى مازال الكثير من جوانبها خافيا، فان الأيام القادمة وكشف المزيد من الوثائق، فى عالم لم يعد فيه مجال لإخفاء أو التستر على شىء، سيزيحان الغموض الذى يكتنف ما حدث بالمنطقة فى السنوات الثلاث الماضية، وسيميط اللثام وسيسقط الأقنعة عن وجوه كثيرة ربما أسهمت ومازالت فى هذه الفوضى التى ضربت أبرز الدول فى العالم العربي.