"هذا الامتزاج بين الدين والدنيا هو الذي جعلني أومن بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو أعظم الشخصيات أثرًا في تاريخ البشرية كلها" هذه كلمات سجلها مايكل هارت صاحب كتاب "الخالدون مائة.. أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم"، وليت السادة والكبراء ينتهجون منهج رسول الله؛ لأن فيه الفوز والنجاح، ولا نجاح لهم ولا فوز إلا باتباعه والسير على هداه. فلم تكن دعوة الإسلام مثالية تُحلِّق في الخيال، بل كانت واقعيةً ممثلةً في الحياة العملية التي مارسها الرسول الكريم، وكان يعلِّمها لأصحابه رضي الله عنهم، إننا مثلا في موضوع الاستهلاك والإنفاق وكيفية المعيشة نقرأ عددًا من الأحاديث التي تصف حياته - صلى الله عليه وسلم - بكل تفاصيلها، ومن يقرؤها ويحاول التمثل والاقتداء، فسيجد نفسه بعيدًا عن شره الاستهلاك، فمن تلك الأحاديث مثلا: - عن أبي هريرة قال: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من طعام ثلاثة أيام حتى قبض". - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قَدِمَ المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعًا حتى قبض". - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير". وعن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: "ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟"، قالا: الجوع، يا رسول الله، قال: "وأنا، والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوموا" فقاموا معه فأتى رجلا من الأنصار… فانطلق فجاءهم بعذق فيه بُسْر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياك والحلوب"، فذبح لهم فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: "والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوعُ، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيمُ". وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبًا، قلت: لا، يا رب، ولكن أشبع يومًا، وأجوع يومًا"، وقال ثلاثًا أو نحو هذا: "فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك". والأحاديث السابقة لا تشير إلى فضل الفقر أو الفاقة الممقوتة، بل تشير إلى الحالة التي كان يعيشها رسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإذا كان لا نعيش هكذا في هذا الزمان، فعلى الأقل ينبغي أن نتذكر مثل تلك الأحوال، فنشكر الله عز وجل على نعمه، ولا نسرف في الاستهلاك، وأن نكون على قدر من الزهد في حقيقته، وهو الاعتدال في الإنفاق. ويروى أن طبيبًا مسيحيا قال لهارون الرشيد إثر حوار دار بينهما عن منهج الإسلام في الاعتدال في الطعام والشراب: "ما ترك كتابُكم ولا نبيُّكم ل (جالينوس) طبًّا". لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر