يلاحظ المتابع لحملتى المرشحين الرئاسيين فى مصر المشير عبدالفتاح السيسى والسيد حمدين صباحى عدم التركيزعلى قضايا السياسة الخارجية المصرية عموما. ولعل ذلك يعكس طبيعة الجدل السياسى فى مصر منذ الاطاحة بنظام مبارك، حيث تسيطر عليه ملفات الأمن والاقتصاد واعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس حديثة. ومع ذلك فان طرح بعض إشكاليات حركة مصر الخارجية يكون عادة مرتبطا بتأثيرها على مسار الثورة المصرية مثل علاقة مصر بكل من الولاياتالمتحدة وروسيا والعلاقات المصرية الخليجية وكذلك العلاقة مع إثيوبيا. ويبدو واضحا من خلال المؤتمرات الانتخابية ووثائق البرنامج الانتخابى لكلا المرشحين أنهما يعطيان أولوية كبرى لأزمة سد النهضة وضرورة التوصل لحل تفاوضى لها بما يحمى المصالح القومية العليا لمصر. وقد أكد السيسى بوعى واضح أهمية تغيير الخطاب الاعلامى السائد تجاه إفريقيا والبدء فى «حوار متوازن ومسئول مع الدوائر الإفريقية والعربية والدولية. كما أنه أكد ضرورة تحقيق أمن ووحدة الاشقاء السودانيين».وقد عبر السيسى فى مناسبة أخرى عن ايمانه العميق بالتوجه جنوبا صوب إفريقيا من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية. من جهة أخرى فإن حمدين صباحي، وهو سياسى مخضرم ، قد اعتمد بشكل واضح على جهود بعض الخبراء والمتخصصين فى صياغة وبلورة برنامجه الانتخابي، إنه يتحدث عن كرامة مصرية يحميها الاستقلال الوطني، وهى تتضمن ثلاثة محاور: «تبدأ بتحديد مباديء السياسة الخارجية الجديدة التى تتيح لمصر أن تتبوأ مكانتها ومكانها المستحقين، والثانى هو وضع منهج جديد يقيم علاقات شراكة حقيقية مع دول العالم دون تبعية أو تفريط فى مقدرات مصر القومية مع اهتمامنا الخاص بدول الجنوب الناهض ويرتبط المحور الثالث ببرامجنا لأمن مصر المائى». من الواضح تماما أن إفريقيا تحظى باهتمام قليل فى أجندة كلا المرشحين .لقد تم اختزال إفريقيا فى أزمة سد النهضة وقضية عودة مصر لمقعدها فى الاتحاد الإفريقى أو ماشاكل ذلك، وهو ما يعنى غياب الرؤية الكلية التى تحدد شبكة التفاعلات والمصالح المصرية فى دائرتها الإفريقية. فماهى أسباب هذا التجاهل وماهى تأثيراته وعواقبه؟، ولماذا يتعين على الرئيس القادم الاهتمام بإفريقيا وعدم تقزيمها واختزالها فى مسألة محددة أو النظر إليها باعتبارها مصدر تهديد؟ لماذا علينا الاهتمام بإفريقيا إذن؟ وما هى مسئولية الرئيس القادم؟ نستطيع الاشارة إلى ثلاثة مجالات كبرى للحركة المصرية تجاه إفريقيا: أولا بناء التحالفات وكسب الأصدقاء. وهنا يمكن الحديث عن ثلاثة دوائر فرعية للحركة هي: السودان بدولتيه، ومنطقة حوض النيل، والكتلة الاسلامية فى غرب أفريقيا، والدول الإفريقية الصاعدة مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا وإثيوبيا. ويتحتم علينا فى المرحلة المقبلة تبنى اقتراب الدبلوماسية الشعبية مع التوظيف الأمثل لقوى مصر الناعمة بهدف تجاوز سلبيات فترة الانقطاع المصرى عن محيطها الإفريقي. ولعل هذا التوجه الجديد بحاجة ملحة إلى تبنى خطاب اعلامى وسياسى جديد تجاه إفريقيا يعلى من قيم الشراكة والمصالح المتبادلة للطرفين. ثانيا الاقتصاد. على القيادة السياسية الجديدة فى مصر أن تدرك الأهمية الاقتصادية المتصاعدة لافريقيا . وطبقا للغة الأرقام والمؤشر شهدت إفريقيا زيادة فى الدخل الحقيقى بنسبة تتجاوز (30%) وهو ما يصحح التراجع الذى شهدته بلدانها خلال العقدين السابقين. كما تبلغ نسبة النمو المتوقعة فى اجمالى الدخل القومى نحو (6%) خلال السنوات العشر القادمة. ويوجد فى إفريقيا سبع دول تعد بين الدول العشر الأسرع نموا من الناحية الاقتصادية فى العالم. وعليه توجد فرص اقتصادية حقيقية للاستثمار والتعاون المصرى مع الدول الإفريقية. ثالثا الأمن. لاشك أن ثمة عمليات إعادة تشكيل جيواستراتيجية لبعض الاقاليم الكبرى فى أفريقيا مثل الساحل والصحراء والقرن الإفريقى والبحيرات العظمى ، وهى مناطق ذات ارتباط وثيق وبشكل مباشربقضايا الأمن القومى المصري. ولعل مكمن الخطورة هنا يرتبط بأن قوى دولية واقليمية كبرى تقوم ولاتزال بالتخطيط والتنفيذ لعملية اعادة الهندسة الجيوستراتيجية تلك فى ظل غياب مصرى واضح. ونذكر على سبيل المثال وليس الحصر تسوية القضية الصومالية بمشاركة إفريقية وليس عربية بما فى ذلك وجود قوات خمس دول إفريقية على الأراضى الصومالية. كما أن أديس أبابا أضحت قبلة الوسطاء والمتفاوضين فيما يتعلق بأزمة دولتى السودان . أين نحن من كل هذا؟ وما هى الآثار المترتبة على عدم الاهتمام المصرى بإفريقيا ؟ إنه فى الوقت الذى يركز فيه صانع السياسة فى مصر سواء قبل ثورة 25 يناير أو بعدها على قضايا الداخل المصرى وقضايا الشرق الأوسط والعلاقات مع الولاياتالمتحدة والغرب ، فان ذلك يعنى ببساطة أننا نخسر المعركة من أجل عقول وقلوب وأسواق الأفارقة. ومن الواضح أن التنافس الغربى الصينى فى إفريقيا قد يمثل فرصة وتحدى للدور المصرى المتوقع فى أفريقيا. ولايخفى أن فشل التخطيط الاستراتيجى المصرى فى إدراك أن إفريقيا تعد سوقا ناشئة حيوية، وليس مجرد مصدر قلق أمنى أو هدفا للأعمال الخيرية والمساعدات المصرية النبيلة، قد يكلفنا غاليا فى السنوات المقبلة، سواء من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية أو من حيث النفوذ السياسى الذى تراجع بالفعل منذ ثمانينيات القرن الماضي. فهل يقوى رئيس مصر المنتظر على تحويل هذه التحديات إلى فرص وامكانيات بغرض استعادة مصر لمكانها ومكانتها فى قارتها الإفريقية. لمزيد من مقالات د. حمدى عبد الرحمن