سعر الدرهم الإماراتي أمام الجنيه المصري اليوم الأربعاء 19-6-2024    أسعار السمك والجمبري اليوم الأربعاء 19 يونيو 2024    سعر الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 19 يونيو 2024 للتجار ولجميع الموزعين والشركات    إنترفاكس: زعيم كوريا الشمالية: سندعم السياسة الروسية "دون قيد أو شرط"    إعلام إسرائيلي: لأول مرة منذ نوفمبر الماضي طائرة مسيرة عبرت من غزة وسقطت في محيط القطاع    الجيش الأمريكى يعلن تدمير 9 ‬طائرات مُسيرة للحوثيين فى آخر 24 ساعة    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 19- 6- 2024 في أمم أوروبا يورو 2024 والقنوات الناقلة    خلافات أسرية.. تفاصيل التحقيق مع المتهم بقتل زوجته ضربًا في العمرانية    ارتفاع عدد ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات في جنوب الصين إلى 13 قتيلا    رابطة الأندية المصرية تنعى مشجعتي الأهلي نورهان ناصر ونرجس صالح    البرلمان السويدي يوافق على اتفاقية عسكرية مع الولايات المتحدة    الحرارة تخطت 52 درجة.. الشاي في السودان من مياه الصنبور مباشرة (صور)    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. رابع أيام عيد الأضحى 2024    اليوم.. مصر للطيران تبدأ جسرها الجوي لعودة الحجاج إلى أرض الوطن    محافظ الغربية يتابع إزالة 13 حالة تعدي على الأراضي الزراعية ومخالفات بناء    أثار الذعر في الساحل الشمالي.. ماذا تعرف عن حوت كوفييه ذو المنقار؟    المحافظ والقيادات التنفيذية يؤدون العزاء فى سكرتير عام كفر الشيخ    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خيام النازحين في المواصي شمال رفح    حسن الخاتمة.. وفاة الحاجّ ال 12من الفيوم خلال أداء مناسك الحج    الأعلى للآثار يكشف عدد زائري المواقع الأثرية والمتاحف خلال العيد    جوميز يستقر على بديل «زيزو» في مباراة الزمالك وفاركو المقبلة    أسعار النفط تصل إلى أعلى مستوياتها في أكثر من شهر    ترامب: بايدن جعل أمريكا أضحوكة العالم    انطلاق احتفالات دير المحرق.. بحضور 10 آلاف زائر يوميا    محمد رمضان يعلن غيابه عن دراما رمضان 2025    كريمة الحفناوي: الإخوان يستخدمون أسلوب الشائعات لمحاربة معارضيهم    هل الأموات يسمعون كلام الأحياء؟ دار الإفتاء المصرية تكشف مفاجأة    سورتان للمساعدة على التركيز والمذاكرة لطلاب الثانوية العامة    أجزاء في الخروف تسبب أضرارا صحية خطيرة للإنسان.. احذر الإفراط في تناولها    «المركزى» يعلن ارتفاع الودائع ل10.6 تريليون جنيه    ريال مدريد ينهي الجدل بشأن انتقال مدافعه لميلان    بعد 17 عامًا من طرحه.. عمرو عبدالعزيز يكشف عن مفاجأت من كواليس «مرجان أحمد مرجان»    «ثورة أخيرة».. مدينة السلام (20)    مؤسسة علمية!    مستشار الشيبي القانوني: قرار كاس هو إيقاف لتنفيذ العقوبة الصادرة بحقه    ملف يلا كورة.. انتصار الأهلي.. جدول مباريات الليجا وبريميرليج.. وفوز تركيا والبرتغال في يورو 2024    الحكومة الجديدة والتزاماتها الدستورية    مصرع مسن واصابة اثنين في انقلاب سيارتين بالغربية    إجراء عاجل من السفارة المصرية بالسعودية للبحث عن الحجاج «المفقودين» وتأمين رحلات العودة (فيديو)    في ثالث ايام عيد الاضحى.. مصرع أب غرقًا في نهر النيل لينقذ ابنته    احتفالية العيد ال 11 لتأسيس ايبارشية هولندا    لبيك يا رب الحجيج .. شعر: أحمد بيضون    عودة محمد الشيبي.. بيراميدز يحشد القوة الضاربة لمواجهة بلدية المحلة    «بايدن» يستنجد ب«المستنجد»!    مكتب الصحة بسويسرا: نهاية إتاحة لقاح كورونا مجانا بدءا من يوليو    حظك اليوم.. توقعات برج العذراء 19 يونيو 2024    أشرف غريب: عادل إمام طول الوقت وسط الناس    المراجعة النهائية لمادة اللغة العربية لطلاب الصف الثالث الثانوي.. نحو pdf    ليلى علوي تهنىء أبطال فيلم "ولاد رزق "    علامتان محتملتان للإصابة بالسرطان في يديك لا تتجاهلهما أبدًا (صور)    تصدُر إسبانيا وألمانيا.. ترتيب مجموعات يورو 2024 بعد انتهاء الجولة الأولى    أسقف نجع حمادي يقدم التهنئة للقيادات التنفيذية بمناسبة عيد الأضحى    بطريرك السريان الكاثوليك يزور بازيليك Notre-Dame de la Garde بمرسيليا    بعد وفاة العشرات خلال الحج بسببها.. كيف يمكن أن تكون ضربة الشمس قاتلة؟    بدائل الثانوية الأزهرية| معهد تمريض مستشفى باب الشعرية - الشروط وتفاصيل التقديم    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 عضو مهن طبية للدراسات العليا بالجامعات    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسن فؤاد
رواد التنوير
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 04 - 2014

من المصادفات التى لفتت نظرى، وأنا أهم بالكتابة عن الفنان التشكيلى المصرى حسن فؤاد، أن وفاته فى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى تزامنت مع وفاة عدد آخر من كبار أدبائنا وفنانينا العرب،
سواء بالموت قهراً وعذاباً روحياً، أم نتيجة لمرض استعصى علاجه، أم بالقتل غدراً بسلاح الظلاميين. أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر كلا من المفكرين اللبنانيين حسين مروة ومهدى عامل، والشاعر والروائى والكاتب المسرحى والباحث فى التراث المصرى عبد الرحمن الشرقاوى، والفنانة التشكيلية المصرية والمناضلة السياسية لتحرير المرأة أنجى أفلاطون، والروائى اللبنانى والناقد الاجتماعى الساخر محمد عيتانى.
فهل لتلك المصادفة دلالات تشير إلى شيء مشترك بين هؤلاء المثقفين العرب الكبار، أم أنها تشير إلى شئ مشترك فى الوضع العربى العام فى تلك الحقبة من تاريخنا الحديث؟ أغلب الظن أن للحقبة التاريخية تلك دوراً ما فى تلك المصادفة. والمصادفة، فى تحديد معناها عند الفلاسفة، هى التقاء ضرورتين. وفى الواقع فقد كانت حقبة الثمانينيات مليئة بالأزمات وبالانهيارات فى كل البلدان العربية. فلا غرابة إذن أن تترك أحداث تلك الحقبة تأثيراتها ومفاعيلها المأساوية فى حياة أكثر الأفراد إحساساً وأكثرهم تأثراً بالأوضاع القائمة، أعنى الأدباء والفنانين والمفكرين.
كان حسن فؤاد فناناً تشكيلياً رائداً فى مصر. مارس عمله الفنى منذ مطالع شبابه. وتحول فى فترة زمنية قصيرة إلى واحد من كبار فنانى مصر، فى الرسم والإخراج الفنى للصحف والمجلات والكتب.
كما كان كاتباً وناقداً وكاتب سيناريو للأفلام السينمائية ومخرجاً فنياً لأعمال مسرحية. ويجمع جمهور المثقفين من أهل اليسار وأهل اليمين من أصدقائه ومن خصومه على أنه كان ظاهرة مميزة فى تاريخ الفن التشكيلى المصرى الحديث. وجاء ذلك الإجماع فى وداعه يوم وفاته. إذ التقى فى رثائه عدد كبير من الكتّاب والفنانين والإعلاميين ومن أهل السياسة من كل الاتجاهات فى شكل إجماع نادر المثال على تقدير دوره فى حياة مصر الثقافية على امتداد ما يقرب من أربعة عقود تمتد بين منتصف الأربعينيات ومنتصف الثمانينيات من القرن الماضى.
حين تعرفت على حسن فؤاد فى عام 1954 كان قد أصبح فناناً كبيراً معترفاً به ومقراً بدوره فى الحياة الفنية.
ونشأت بينى وبينه صداقة حميمة استمرت حتى أواسط السبعينيات. وحين زرت مصر فى أواخر الثمانينيات كان قد غادر الحياة.
وكنت كلما زرت مصر بين عام 1954 وعام 1974 ألتقى به وبشلة من الأدباء والفنانين ممن أصبحوا كباراً فى عالم الأدب والفن وعالم السياسة فى موقع اليسار بتلاوينه المختلفة.
وكان من بين أصدقائنا المشتركين فى تلك الحقبة كل من عبد الرحمن الشرقاوى وعبد الغنى أبوالعينين وعبد المنعم القصاص وكمال عبد الحليم وصلاح حافظ وألفرد فرج.
وُلد حسن فؤاد فى عام 1926 فى حى شبرا فى القاهرة. كان والده مدرِّساً ثم مفتشاً فى وزارة المعارف. توفيت والدته وهو طفل. إلاَّ أنَّ زوجة أبيه احتضنته ولم تشعره باليتم. التحق بكلية الفنون الجميلة العليا بعد نيل الشهادة الثانوية. وتتلمذ على يد أساتذة فى الرسم هم من كبار الفنانين، كان أقربهم إليه أستاذ قسم الزخرفة عبد السلام الشريف الذى أصبح فيما بعد دليله إلى عالم الصحافة والكتاب. شارك فى عام 1947 فى هيئة تحرير المجلة التى أصدرتها كلية الفنون الجميلة العليا التى أسسها ورأس تحريرها أستاذه عبد السلام الشريف.
وأسهم هو فى الكتابة فى المجلة وفى الرسم وفى الإخراج. وكانت تلك المجلة مدخله إلى العمل فى الصحافة. وفى عام 1949، العام الذى تخرج فيه من الكلية، بدأ عملياً حياته الفنية فى الصحافة. فتنقل فى عدة صحف.
وأطلق العنان لفكرته الجوهرية التى عبَّر فيها عن مفهومه الخاص للإخراج الفنى للصحف والمجلات والكتب. وهى تتلخص فى أن الشكل الخارجى إنما يحدده الموضوع، ولا ينفصل عنه. وكان هدفه فى ذلك خدمة الفكرة وإبرازها وشرحها وتعميق وعى القارئ بها. وفى عام 1951 شارك مع بعض أصدقائه من أهل اليسار الذين اشرت إليهم فى إصدار عدد من المجلات هى "البشير" و"الملايين" و"الجماهير" و"الكاتب"، التى تميزت بأناقتها الفنية وبما حملته من أفكار تقدمية جعلت منها، بالنسبة لجيلى فى لبنان وفى بلدان عربية أخرى، مصدر إثراء ثقافى ومعرفى وكفاحى.
وشارك، أثر انتصار ثورة يوليو، مع كل من أحمد حمروش وعبد الرحمن الشرقاوى وصلاح حافظ ومصطفى بهجت بدوى، فى إصدار مجلة "التحرير" التى رأس تحريرها أحمد حمروش.
إلاَّ أن حسن فؤاد سرعان ما غادرها عندما تغيرت سياستها. ورسم فى الفترة ذاتها تحية لثورة يوليو ملصقين، الأول بعنوان "نحن نحمى الدستور" والثانى بعنوان "حددنا الملكية من أجل الفلاح". واشترك فى تأسيس "دار الفن الحديث". ورسم غلافاً لأول دواوين الشاعر المصرى "فؤاد حداد" الذى يحمل عنوان " أحرار وراء القضبان". وفؤاد حداد هو واحد من كبار شعراء مصر فى النصف الثانى من القرن العشرين. كما رسم صوراً لرواية "الأرض" لمؤلفها صديقه عبد الرحمن الشرقاوى، التى كانت تصدر فى حلقات فى جريدة "المصري" لسان الحال الطليعة الوفدية، الذى عرف بيسار حزب الوفد. وفى عام 1953 بالذات أصدر مع صديقه عبد الرحمن الشرقاوى مجلة "الغد".
وشكل صدور تلك المجلة حدثاً ثقافياً كبيراً فى مصر فى تلك الحقبة، سواء فى شكلها الفنى بإخراج حسن فؤاد بالذات أم فيما تضمنته من مواضيع أسهم فيها عدد كبير من مثقفى مصر. ولم تعش المجلة طويلاً.
إذ سرعان ما أقفلتها السلطات قبل أن تنهى عامها الأول، أى بعد صدور العدد الخامس. وهى كانت مجلة شهرية.وفى عام 1954 بدأ حسن فؤاد العمل فى مجلة "روز اليوسف" بكتابة زاويته الأسبوعية "الفن للحياة".
وفى عام 1956 شارك فى إصدار مجلة "صباح الخير" مع عدد من اصدقائه هم صلاح حافظ وأحمد بهاء الدين وجمال كامل وعبد الغنى أبوالعينين وفتحى غانم. وعندما وقع العدوان الثلاثى على مصر فى عام 1956 ذهب إلى بورسعيد ليشارك مع صديقه عبد المنعم القصاص فى إصدار مجلة "الانتصار" كمجلة سرية تنطق باسم المقاومة الشعبية.
وفى عام 1958، إثر إعلان قيام الوحدة المصرية السورية، شارك مع جمهور كبير من المثقفين فى مظاهرة تأييد للوحدة، وصمم "عروسة الوحدة" العملاقة التى سارت فى المظاهرة.
وفى عام 1959 أعاد إصدار مجلة "الغد" للمرة الثانية. لكنها أقفلت على الفور. وذهب حسن فؤاد بعد إقفالها إلى السجن مع عدد من زملائه المثقفين اليساريين، حيث بقى فيه حتى عام 1963. ولم يمنعه السجن من متابعة عمله الفنى.
فقد استخدم الخشب مادة للإبداع الفنى، يقول النقاد إنها كانت من روائع أعماله الفنية. وفى عام 1964 أشرف على إصدار سلسلة من الكتيبات المخصصة للأطفال كانت توزع كملحق لمجلة "صباح الخير".
كما أعدَّ برنامجاً تليفزيونياً بعنوان "الفن للحياة". ووضع سيناريو حوارياً لتمثيلية وتليفزيونية بعنوان "طرقات فى الليل".
وعُيِّن فى عام 1967 مديراً للمركز القومى للأفلام التسجيلية، وأصدر مجلة "الفن والحياة" كأول مجلة سينمائية ثقافية. وتولى فى عام 1971 رئاسة تحرير مجلة "صباح الخير". وكتب فى ذلك العام سيناريو رواية "الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوى التى أخرجها يوسف شاهين.
وفى عام 1979 سافر إلى لندن لقيادة مشروع لإنتاج أفلام رسوم متحركة للأطفال. وظهر فى عام 1981 أول فيلم للرسوم المتحركة بعنوان "مغامرت بادي".
وعند عودته من لندن فى عام 1982 عمل رئيساً لتحرير سلسلة "الكتاب الذهبي" الذى كانت تصدره مجلة "روز اليوسف". وفى عام 1983 أسس "دار الغد" تهيئة لإعادة إصدار مجلة "الغد" فى عام 1985 للمرة الثالثة.
إذ كانت تلك المجلة هاجسه الدائم. لذلك فحين رحل فى عام 1988 كان قد اطمأن، لكن من دون أوهام، أن مجلة "الغد" ستحاول أن تستقطب الكتّاب والقراء الذين سيعملون من أجل غد أفضل لمصر، غد مختلف عما كانت عليه حال مصر فى تلك الحقبة الصعبة من تاريخها. لكنه لم ير من المجلة سوى عددها الأول، قبل أن يغادر الحياة.
لم ينجب حسن فؤاد أولاداً. لذلك فقد انصبت عاطفته الإنسانية على تلامذته وعلى من حوله من أصدقائه المثقفين الذين كانوا يناضلون معه فى الجهة السياسية اليسارية التى اختار أن يكون جزءاً منها، من دون أن يفقد بانتمائه إليها شخصيته المستقلة. ومعروف أن حسن فؤاد كان يتميز بصفات إنسانية نادرة. كان يعتبر أنه فى طريقته فى الفن وفى فهمه للثقافة وللسياسة لا يمثل إلاَّ رأيه.
لذلك فهو كان يحترم مواقف الآخرين وآراءهم واجتهاداتهم، سواء كانوا من أقرب أصدقائه إليه أم كانوا من أكثر الناس اختلافاً وخصومة معه. وكان ذلك يفرض احترام الآخرين له.
ويشير إلى ذلك بوضوح الحشد الكبير والمتنوع من الشخصيات الثقافية والفنية والسياسية التى قدمت شهادات فى وداعه الأخير.
أذكر منهم على سبيل المثال أستاذه عبد السلام الشريف وفتحى رضوان وأحمد بهاء الدين وصلاح حافظ وعبد الرحمن الشرقاوى وسمير فريد وفتحى غانم وعبد السميع وزهدى ويوسف ادريس ومحمود السعدنى وعادل حمودة ومصطفى بهجت بدوى ومحمود أمين العالم وعبد الله الطوخى وزينب صادق وعبد الستار الطويلة ومحيى الدين اللباد.
لكن اللباد كان صاحب فضل كبير فى جعل هذا التقدير الكبير لحسن فؤاد يصدر فى كتاب خاص عنى هو بإخراجه وبالتقديم له مع صلاح حافظ.
ونشر فى الكتاب كل ما قيل عن حسن فؤاد من تقدير له من قبل عدد كبير من المثقفين. كما نشر فيه عدداً كبيراً من الرسوم التشكيلية للفنان مع نماذج من الكتب والمجلات التى برزت فيها طريقته الفنية الخاصة به فى الإخراج الفنى للكتب والمجلات والصحف. كما ضم الكتاب فيه ملخصاً مكثفاً لمراحل حياة الفنان استندت إليها فى عرضى لسيرة حياته فى هذه الصفحات، مضافاً إليها ما بقى فى ذاكرتى من معلومات تكدست عندى خلال لقاءاتى المتعددة معه على امتداد عشرين عاماً من الصداقة.
كان حسن فؤاد إنساناً بسيطاً أنيقاً قريباً من الآخرين. يدخل إلى قلب من يتعرف إليه من دون جهد ومن دون حاجة إلى واسطة أو إلى زمن. وهذا ما حصل معى أنا بالذات. كان أول لقاء بيننا عن طريق عبد الرحمن الشرقاوى.
وكان الشرقاوى شبيها له بصفاته تلك. لذلك لم يكن مستغربا أن تتوطد علاقتى بالإثنين فى الوقت نفسه وإلى آخر حياتهما. ويعرف أصدقاء حسن فؤاد أن مجلة «الغد» التى أنشأها مع صديقه الشرقاوى فى عام 1954 كانت وسيلته إلى التعبير، كتابة ورسماً وإخراجاً فنياً، عن نظرته إلى الحياة وإلى الفن. فقد جعل للمجلة شعاراً معبراً هو: "الفن فى خدمة الحياة".
وهو الشعار الذى كان شعار حياته فى الفن وفى السياسة وفى كل شأن من الشئون التى كانت من اهتماماته ومن ميادين نشاطه. فقد كان الشعار تعبيراً حقيقياً عن فلسفته فى الحياة، كما يقول عنه صديقه الأديب والصحفى صلاح حافظ. وبمقدار ما كان الفن، بالنسبة إليه، وسيلة للتعبير عن جوهر فكره وفلسفته وعن عقيدته فى الحياة، كانت السياسة، بالنسبة إليه، الوجه الآخر للتعبير عن كل من الفلسفة والفكر والعقيدة. فهو كان يرى بوضوح، كما يقول صلاح حافظ "خيوط السياسة فى نسيج الفن والثقافة والعلم والرياضة والطعام والحياة اليومية. وكان من تعبيراته الشائعة أن السياسة هى مخ المجتمع، وأنه لا يوجد فن ولا علم ولا حب ولا أسرة إلاَّ واصابع السياسة تلمسها، وتؤثر فيها، ولو من بعيد.
كان لكل ظواهر الحياة عنده مفهوم سياسى. ولكنه كان يؤمن بأن هذا المفهوم ليس الوحيد (كتعبير عن ظواهر الحياة). فالسياسة وجه من وجوه الظاهرة الاجتماعية. والسياسة برأيه صراع مصالح وصراعات أخرى: بين القديم والجديد، بين الخرافة والعلم، بين الموروث والطارئ، بين الانسان ونفسه، بين عقله ومشاعره، بين فكره وضميره...
وكان حسن فؤاد لهذا يستقبل نجاح الثوار فى أى مكان من العالم بقلق خفى وبابتسامة غير متفائلة. وكان يردد: ستصيبهم الآن أمراض السلطة، وينعزلون عن المجتمع، ويتركون مهمة التبشير والتنوير للثورة المضادة...".
وفى المعلومات المنقولة عنه أنه تأثر بالفنان الهولندى "فان كوخ". وكان يعيد قراءة كتاب "شهوة الحياة" الذى يروى حياة ذلك الفنان، ليستمد منه غذاءً روحياً. ويقول فى هذا الصدد عبد السلام الشريف أستاذ حسن فؤاد: "ولعلى أجد فى ريشة حسن فؤاد ملامح من "ريشة فان كوخ" ، مع فرق واضح بين دوافع اهتزازات ريشة حسن فؤاد واهتزازات ريشة "فان كوخ". فالاحتراق الوجدانى هو السمة المشتركة بين الريشتين".
على أن حسن فؤاد كان منذ صغره شغوفاً بالبحث عن المعرفة. فكان يبحث عن مصادرها فى الكتب. لذلك فقد كانت ثقافته الواسعة مصدر غنى لعمله الإبداعى. إذ هو كان يربط بين ما كانت تقدمه له تلك الثقافة المتعددة مصادرها وبين أهل بلده وحياتهم وطباعهم ومشاعرهم وأحوال حياتهم وأوجاعهم ومآسيهم. وهو ما تشير إليه النماذج البشرية المتعددة المتنوعة التى تحفل بها رسومه.
وكان أول الوجوه التى رسمها وجه زوجته. وكانت زوجته تشبهه ببساطتها وعفويتها وطيبتها.
إلاَّ أنَّ لمحيى الدين اللباد فضلاً آخر فى التعريف بحسن فؤاد. فهو قد اكتشف عبر رحلته الطويلة فى عالم هذا الفنان الكبير حقيقة اهتمامه بالإخراج الفنى للمجلات وللكتب. يقول اللباد فى الكتاب الذى كرسه لحسن فؤاد حول هذا الموضوع"... فى ذلك الوقت طرق الذوق البصرى المصرى طارق جديد هو حسن فؤاد. فقد اكتشف هذا الفنان الشاب، وهو دون الثلاثين، أن الموقف الفكرى والسياسى والثقافى لابد من ترجمته إلى الشكل اليومى المناسب، وأن العمل لإنجاز الشكل المطبوع ليس مجرد وصفه، ولا تزييناً.
وما هو إلاَّ تعبير (مثله مثل اللوحة والقصيدة والمقالة) عن موقف فكرى وسياسى وثقافى وعاطفى.. ومبكراً اختار الفنان الشاب، الذى درس الفن الأكاديمى على الطريقة الغربية، ألا يجعل مرجعه فى مشروعه الفنى أوروبا ولا أمريكا ولا الرسوم والكتب والمطبوعات الأجنبية. بل اكتشف وطنه وواقعه اليومى ووجدانه الشخصى. وجعل من كل ذلك مرجعه الأساسي".
ويضيف اللباد فى مكان آخر قائلاً:"... لقد فتحت رسوم حسن فؤاد فى الكتب والمجلات أعيننا على ذواتنا. فقد رسم لنا ما يجرى فى أيامنا العادية. ولم نكن ندرى أن هذا الذى يجرى فى أيامنا هو صالح ليكون "موضوعات للفن". فقد كان البعض قبله قد صور لنا أن الفن شئ آخر يأتى من موضع آخر..."
تذكرنى وجوه شخصيات حسن فؤاد كلما خطر لى أن أستعيد علاقتى بها فى دفتى كتاب أو مجلة، تذكرنى به وبشخصيته الجميلة. كما تذكرنى بتلك الحقبة الصاخبة بالجميل وبالموجع من الأحداث. لكنها تعيد إليَّ، فى أجمل صورة، ذكريات لا تنسى ربطتنى به وبأشخاص كبار فى تاريخ مصر الثقافى، الذين تركوا بصماتهم على مجمل الثقافة العربية المعاصرة.
لمزيد من مقالات كريم مروَّة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.