أغلب الظن أن مجلس الشعب الجديد قد يواجه تحديات ضخمة تتمثل في محاولة القفز من فوقه. والذين سيحاولون ذلك أقوياء وسوف يستعينون في هذه المحاولات بتخويف الرأي العام من الإسلاميين في المجلس. (1) لايستطيع المرء أن ينظر بشكل محايد إلي محاولة إيجاد أو خلق هيئات كثيرة داخل المجتمع تجعل لنفسها مكانة متميزة, بحيث تتجاوز صلاحيات مجلس الشعب. فالقانون الجديد لإعادة تنظيم الأزهر ينص علي انه هو المرجع النهائي في مصر والعالم الإسلامي في كل مايتعلق بشئون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة, وينص ايضا علي البت في النوازل والمسائل المستجدة التي سبقت دراستها, ولكن لا ترجيح فيها لرأي معين. إذن هل نحن أمام محاولة لإنشاء سلطة دينية بهذه النصوص الجديدة رغم أنه لاتوجد مثل هذه السلطة في الإسلام السني, أم أن المسالة كلها هي الإلحاح علي وجود مرجعية دينية بقوة القانون تبعث رسالة لأعضاء مجلس الشعب الجديد بان هناك قوة فوقكم وأعلي منكم عليكم الاحتكام إليها؟! ألم يكن من الأفضل بدلا من هذه الصياغات الشائكة الانتظار؟!. فهناك لجنة شئون تشريعية في المجلس ستتطرق بالضرورة في عملها إلي تعديل القوانين أو وضع قوانين جديدة, وبذلك تصبح في حالة اشتباك قوي ويومي مع مبادئ الشريعة المنصوص عليها في الدستور. وبديهي أن نفترض أن هذه اللجنة ستستدعي أهل العلم والاختصاص في عملها عند النظر في أي قانون, وقبل هؤلاء جميعا علماء الأزهر وربما الإمام الأكبر والمفتي. ألم يكن من الأفضل الانتظار حتي تبدأ مختلف اللجان عملها في أجواء من حسن النيات بدلا من ان نحاصرها بالشكوك فندفعها بذلك للسير في طريق لم تكن تريده. ولذلك فالأغلب أنه لم يكن هناك داع لهذه الصياغات الجديدة. لاحظ أن هناك أحاديث قوية تتردد منذ حين عن ان القوات المسلحة تريد أن يكون لها وضع خاص في الدستور يتجاوز أي رقابة برلمانية. فهل سنجد أنفسنا غدا أمام قطاعات أخري في المجتمع تطالب بأن يكون لها مكانة خاصة في الدستور كأن يهدد رجال الأعمال والأطباء والمدرسون ورجال الشرطة بعدم القيام بأعمالهم مالم يتم استثناؤهم. (2) يتردد الآن أن مجلس الشعب سوف يعدل لائحته قريبا, ونطالب بهذه المناسبة ان تنص اللائحة الجديدة علي قرار حاسم يحظر نهائيا التصفيق في المجلس إلا بموجب قرار يتم التصويت عليه لممارسته في جلسات محددة بذاتها وينقضي أثر القرار بانتهاء الجلسة. فالمفروض ان المجلس هيئة رقابية, ولذلك فليس من المستحب ان يصفق لرئيس الجمهورية أو لرئيس الوزراء أو لوزراء الدفاع والداخلية والإعلام.. إلخ فكل هؤلاء موضع رقابة فكيف يمكن للمجلس ان يصفق لمسئول يقدم معلومات للأعضاء هي موضع دراسة وفحص منهم. إذا كان هذا المجلس يريد ان ينافس إسرائيل فعليه ان يعلم أن الكنيست لايسمح بأي تصفيق في جلساته, ومن المرات النادرة التي سمح فيها بالتصفيق كانت بمناسبة خطاب أنور السادات أمامه في نوفمبر.1978 وسوف نجد الشئ نفسه في البرلمانات المحترمة في العالم مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة. كذلك من البديهي ان يحظر المجلس علي عضواته الزغردة بمناسبة أداء الرئيس لليمين القانونية. ومن الأمور المهمة أن يتوقف نهائيا تقليد إرسال برقية شكر أو تهنئة لرئيس الجمهورية. هذه كلها أمور قد تبدو تافهة لكنها رسائل جوهرية يفهم منها الناس أن هذا المجلس مختلف عما عداه. (3) في كل برلمانات العالم يتولي الحزب الفائز بأغلبية الأعضاء أو أحزاب الائتلاف الذي يحوز الأغلبية رئاسة جميع لجان البرلمان فما هو الغريب أن يحدث هذا في مجلس الشعب المصري؟!. ومما يلفت النظر في الأعضاء العشرة المعينين بالمجلس أن منهم عضوا قيل إنه يمثل المصريين المقيمين بالخارج( وهو مقيم بالولايات المتحدة), لماذا يتم اختيار مثل هذا العضو بالرغم من أن الكتلة الرئيسية للمصريين بالخارج توجد بدول الخليج والسعودية؟ ألم يكن الأوقع والأوفق والأهم والأكثر إنصافا أن يكون العضو الموقر من هؤلاء, خاصة انهم هم الذين يحولون مليارات الدولارات كل عام إلي مصر, إلي جانب انهم يضعون علي رأس أولوياتهم العودة إلي الوطن في حين أن المقيمين بالبلاد الأوروبية وأمريكا يستبعدون العودة ويحملون في أغلبيتهم الساحقة جنسية البلاد التي يقيمون فيها ولايحولون من أموالهم إلي مصر إلا أقل القليل. ثم انه يتردد وبكل أسف أن السيد العضو الذي وقع عليه الاختيار ليس فوق مستوي الشبهات, وربما تصور من اختاره أنه سيكون همزة وصل مع الإدارة الأمريكية, في حين أن الواقع يشير إلي أن تلك الشبهات لن تجعل الإدارة الامريكية تتعامل معه علي الإطلاق. فياتري أيهما أهم بالنسبة للشعب المصري: المحاولة الفاشلة لإرضاء أمريكا وأقباط المهجر, أم الاطلاع علي مشكلات وتطلعات أبنائنا بالخليج الذين يقدر عددهم بالملايين؟!. المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن