يسئ البعض استخدام مصطلح "فقه الواقع".. فتشعر وكأنه يحاول لى أعناق النصوص لتناسب الأهداف التى يسعى لتحقيقها حتى يُلبسها ثوبا دينيا بينما هى فى الحقيقة أبعد ما تكون عن الدين.. ومن بين الأحداث التى يستغلها هؤلاء فى دعواهم الكاذبة تمسك الخليفة الراشد عثمان بن عفان بالخلافة رغم الفتنة التى تعرض لها والتى أدت إلى مقتله فى حادث لا تزال الأمة الإسلامية تعانى تبعاته حتى الآن، فيدَّعون أن موقفهم من التمسك بالسلطة نابعٌ من موقف عثمان رضى الله عنه، غير عابئين بالدماء التى تسيل أنهارا ولا الفتن التى تنتشر وتتسع فى ربوع البلاد.. إلى هؤلاء أقول "ولا أبغى إلا وجه الله تعالى": إن ما تقولونه هو حق يراد به باطل، فإن تمسك الخليفة الراشد عثمان بالخلافة كان مرجعه إلى سببين رئيسين: الأول: وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم له ألا يستجيب لدعوات خلعه أو نزعه، فقد أخرج أحمد والحاكم والترمذى عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "يا عثمان إنه لعلّ الله يقمصك قميصا، فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم"، وروى الترمذي بإسناده إلى أبي سهلة قال: "قال لي عثمان يوم الدار: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلي عهداً فأنا صابر عليه". الثانى: حقن دماء المسلمين، فإن أحد أسباب تمسك عثمان بالخلافة هو منع الفتنة من الوقوع، بحيث يقتتل المسلمون وتسيل الدماء، فأراد أن يحقن الدماء ولو بقتله هو نفسه، ففى "الطبقات الكبرى" لابن سعد أن عثمان قد قال: "والله لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أخلع أمة محمد بعضها على بعض"، كذلك فقد نهى عثمان الصحابة عن الدفاع عنه حتى لا يُراق دم بسببه، ففى الطبقات وأيضا فى العواصم من القواصم أن زيد بن ثابت جاء إلى عثمان، وقال له: "هذه الأنصار بالباب يقولون إن شئت كنا أنصارا لله مرتين. فيقول له عثمان: أما القتال فلا". وقال رضي الله عنه يوم حوصر في الدار: "إن أعظمكم عني غناء رجل كف يده وسلاحه" ، وقال لأبي هريرة لما طلب منه الإذن بقتال هؤلاء الخارجين عليه المحاصرين له، قال: يا أبا هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعا وإياي؟ قال: لا، قال: فإنك والله إن قتلت رجلا واحدا فكأنما قتلت الناس جميعا، فرجع أبو هريرة ولم يقاتل. وهكذا فإنه ليس هناك وجه للشبه بين الحالتين، فإن الخليفة الراشد تمسك بوصية النبى صلى الله عليه وسلم، والتى حملت له أيضا بشرى بالجنة، وسعى إلى حقن الدماء، بينما فى حالتهم فإن تمسكهم بالسلطة لم يولد إلا الفتنة والدماء، أما المتشدقون بالعلم الذين يرون أن موقف عثمان من التمسك بالخلافة هو الموقف المطلق الذى يجب أن يفعله كل من يتولى السلطة، فإن الدليل الواضح على خطأ قولهم هو موقف الحسن بن على رضى الله عنه الذى تنحى عن الخلافة حقنا للدماء ومنعا لاقتتال المسلمين، وكانت له التزكية والبشرى من المعصوم صلى الله عليه وسلم بسبب هذا الموقف، فقد جاء فى البخارى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". فهل أخطأ الحسن بناء على قولكم الباطل؟ وما قولكم فى بشرى النبى صلى الله عليه وسلم له فى ضوء رفضكم للفعل؟ وهلا ضحى الحاكم بنفسه من أجل رعيته كما فعل عثمان، او ضحى بكرسيه من أجل رعيته كما فعل الحسن؟ ملحوظة أخيرة: إن كتاب "العدالة الاجتماعية" لمُنَظِّر جماعة الإخوان "سيد قطب" ملئ بالأخطاء الجسام فى حق عثمان رضى الله عنه، وبالرفض المطلق لفترة خلافته إلى حد إسقاطها من الخلافة الراشدة، حتى أنه يقول –من بين ما قال- فى صفحة 172: "ونحن نميل إلى اعتبار خلافة على رضى الله عنه امتدادا طبيعيا لخلافة الشيخين قبله، وأن عهد عثمان الذى تحكم فيه مروان كان فجوة بينهما".. بل أنه يثنى على حركة البغاة التى قُتل فيها عثمان، ويسميها بالثورة فيقول: "وأخيرا ثارت الثائرة على عثمان... تلك الثورة فى عمومها كانت ثورة من روح الإسلام" وبناء على تعاليم سيد قطب، فقد تشبعت آذاننا لأكثر من عام كامل بأخطاء فى حق عثمان رضى الله عنه، فمنهم من وصف حركة البغاة ضده بالثورة، ومنهم من حذر الرئيس السابق من السير على هديه حتى لا تضيع البلاد –بزعمه-... فيا أيها القوم بأى وجه تدعون التمسك الآن بسنة عثمان؟! لمزيد من مقالات عماد عبد الراضى