"فى كل المناسبات أنظر إليك يا أخى المواطن فأرى نفسى كأننى أنظر فى مرآة"؛ هكذا قال مثلث الرحمات البابا الأنبا شنودة الثالث. فهذا هو جوهر الوِحدة الوطنية: انعكاس متبادَل فى تفاعل وحب بين متساويَين ومتماثلَين ومتناظرَين فى الوطن والمواطنة. ومن أجل تعزيز قوة الوِحدة الوطنية، لا بد من توحيد الهدف الوطنى وإن تعددت وسائل بلوغه؛ وهنا يحضُرنى أيضًا قول لقداسته: "يكون لدى جميع المواطنين هدف واحد وفكر واحد؛ فمن الممكن أن تتعدَّد الوسائل المؤدية إلى الهدف، ولكنْ وِحدة الهدف يجب أن تظل قائمة". ولا أنسى عندما حل شبح عدو الوِحدة الوطنية الأول "الإرهاب" بمِصر؛ أن وقفت كل القيادات الفكرية وكل الرُّموز السياسية وكل أصحاب الأقلام الكبيرة ضده؛ كظاهرة شاذة فى أرض الكنانة؛ لا يوافق عليها لا رجل الدين ولا أيّ عاقل أو صاحب فكر؛ فالجميع مهدد من ويلات هذا الإرهاب. ومن بين المبادرات التى كانت ناجحة جدًّا فى تقوية أواصر الصلة مع إخوتنا المسلمين مآدِب الإفطار الرمضانية التي كان صاحب المبادرة الأولى لها البابا شنوده الثالث؛ فكان يُعدها فى رمضان داخل البطريركية حيث جمعَت المأدُبة الأولى قرابة 150 من القيادات و500 من المدعوِّين؛ حتى إن القاعة الكبيرة المخصصة لذلك صارت غير كافية فأعد قداسته قاعة أخرى تتسع لكثيرين. وأُضيف أيضًا إلى كل ذلك رِحلات قداسته إلى الخارج والدُّول العربية. وأذكر من بينها رحلة لُبنان الشقيق حيث التقى قداسته هناك قرابة 70 من كبار رجال الدين الإسلاميّ؛ أذكر من بينهم: مفتي السنة، وشيخ عُقُل الدُّروز، وأئمة الشيعة، ورجالاً كبارًا آخرين. وقد صادق قداسته "الشيخ محمد مهدي شمس الدين". ولا أنسى كلمات قداسته الخالدة: "إن العَلاقات الأخوية الطيبة بيننا وبين إخوتنا المسلمين ناتجة من موقفنا الموحَّد تجاه الوضع السياسيّ العربيّ، والموقف في الشرق الأوسط. والحق إنني قد شعُرتُ بكثير من المودة الخالصة من قِبل إخوتنا المسلمين". ولا يفوتني علاقة قداسته المتميزة جدًّا بفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر؛ فقد أرسل إلى فضيلته رسالة تهنئة عند اختياره لمشيخة الأزهر كما ذهب إلى مقر المشيخة لتهنئته مرة أخرى. ومن الجدير بالذِّكر أنه حين عرض فضيلة الإمام الأكبر على قداسته فكرة إنشاء بيت العائلة المِصرية فى يناير 2011م، بعد أحداث كنيسة العذراء سيدة النجاة بالعراق وكنيسة القديسين بالإسكندرية، وافق وعضَّد وأيد فكرة الإمام الأكبر، وحضر بنفسه بعضًا من جلساته التمهيدية والتأسيسية في مشيخة الأزهر. وكان آخر تلك اللقاءات الخميس ال12 من يناير 2012م. وكان قداسة البابا وفضيلة الإمام الأكبر على اتصال دائم متبادَل وبخاصة فى أسفار قداسته العلاجية ليطمئن كل منهما على الآخر. وهكذا تعلمنا خبرات حية معاشة من المتنيح البابا الأنبا شنوده الثالث الذي أطلق عليه الدكتور مصطفى الفقي "رمانة الميزان".