قليل جداً فى مصر من يشك فى فوز المشير عبدالفتاح السيسى إذا ما رشح نفسه لرئاسة مصر حسب صندوق الانتخابات وبمراقبة دولية ومحلية صارمة. لكن نتيجة الرئاسة المصرية القادمة لن يحسمها صندوق الانتخاب، بل ستحسمها مظاهرات الشوارع والميادين ليس فى المدن المصرية وإنما فى مدن العالم وعلى شاشات التلفزة العالمية وفى فضاءات العولمة الجديدة المتمثلة فى الانترنت من فيسبوك وتويتر وغيرهما. شرعية الانتخابات وقبولها لن يكون فقط داخل حدود الدولة المصرية بل جزء كبير منها سيكون عالميا فى طبيعته وهذا هو التحدى الأكبر الذى يجب ان يجهز الجميع انفسهم له، وأولهم القائمون على إدارة حملة المشير. إنها معركة تحديد الأغلبية القانونية الهادئة مقابل الأقلية الزاعقة. اى كتلة من هاتين الكتلتين يعتبرها الخارج قبل الداخل ممثلة لنبض الوطن وروحه. وهذه الظاهرة ليست مصرية، حتى لا يتعجل البعض الحكم، بل هى ظاهرة عالمية من انتخاب بوتين رئيساً لروسيا الى أوكرانيا، ومن قبلها دول البلقان ووسط أوروبا بدرجات اقل. وبهذا تكون القصة ليست الانتخابات بل ما بعدها، وتصبح القصة ليست الصندوق بل من سيخلق الكتلة الأكبر ويسوقها لتبرر ما فى الصندوق وتشرعنه فيصبح رمزا للوفاق، او تعلنه مزورا فيصبح رمزا للشقاق، وهذا ما سأوضحه فى هذا المقال. إذن، التحدى الكبير بالنسبة لمصر ليس اجراء انتخابات نزيهة، ولكن ما بعد انتخاب الرئيس حيث تبدأ معركة شرعية هذه الانتخابات فى الداخل والخارج. أسئلة الانتخابات القادمة ليست فى الإجراءات وانما أسئلة اكبر، أولها والذى يجب ان نفكر فيه بهدوء هو السؤال التالي: هل شرعية الانتخابات وقبول نتائجها فى دول الربيع العربى عموما، وفى مصر على وجه الخصوص، شرعية محلية ام دولية؟ وأين تكسب الانتخابات، هل يكسب المرشح الانتخابات فى الصندوق، أم يكسبها فى ميادين مصر وشوارعها؟ من يتذكر كيف كسب الاخوان المسلمون انتخابات الرئاسة السابقة، لا ينسى لحظة خروج الاخوان فى الساعة الرابعة فجر الاثنين الأسود( 18 يونيو 2012)، عندما خرج أعضاء مكتب الإرشاد وكل من كانوا جزءا من حملة محمد مرسى الانتخابية وأقاموا مؤتمرا صحفيا فى شكل احتفالى وكرنفالى أعلن فيه الاخوان بصفة منفردة أن محمد مرسى هو الفائز فى الانتخابات، وتوالت الساعات وبعدها احتل الاخوان ميادين مصر احتفالا بالنتيجة ولم تكن هناك نتيجة قد أعلنت بشكل رسمي، ولكن الاخوان أوهموا الوطن كله وكذلك العالم بأنهم هم من فازوا بالانتخابات وأن اى نتيجة اخرى ستعلن هى تزوير لإرادة الأمة. وأمام حركة البوكر هذه كما فى لعب القمار، وضع الاخوان لجنة الانتخابات والمجلس العسكرى فى مأزق كبير أمام الرأى العالمى والمحلي. وامتلأ فضاء الفيسبوك وتويتر بتهديدات النشطاء الذين أعلنوها صراحة بأنهم سيحرقون مصر لو أعلنت لجنة الانتخابات ومعها المجلس العسكرى بقيادة المشير محمد حسين طنطاوى فوز الفريق احمد شفيق. الفضاءات الإلكترونية والصحافة والتلفزيونات العالمية أعلنتها صراحة: إما مرسى أو ان الانتخابات مزورة ولا شرعية لها لا محلياً ولا دوليا. هذا المشهد باعتقادى سوف يتكرر فى الانتخابات القادمة وربما بصيغة مضاعفة واكثر ذكاء وحرفية لأن القوم من أنصار الاخوان والدول الداعمة لهم شرقا وغربا يعدون العدة لهذا المشهد. مهم أن نتذكر أن ما حدث يوم الاثنين الأسود، يوم أعلن الاخوان فوزهم وبوضع اليد فى (وش الفجر)، لم يكن ابتكارا إخوانيا ولا عبقرية فريدة فى فن سرقة الانتخابات أو فى إيجاد بلبلة حول نتيجة الانتخابات وشرعيتها قبل ظهورها والضغط على الداخل والخارج بضربة استباقية لقبول فوز الجماعة. ما قام به الاخوان هو نسخة منقولة بحذافيرها مما فعله من قبل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى انتخابات الرئاسة فى روسيا فى 4 مارس 2012، اى قبل انتخاب محمد مرسى ببضعة شهور، ونحن فى مصر كما هو معروف، حكما ومعارضة، أساتذة فى النقل والنسخ وفى تمصير الأشياء. نقل الحالة الروسية لم يكن بداية النقل ولن يكون نهايته. فى الحالة الروسية التى نقلتها جماعة الاخوان فعل فلاديمير بوتين ما فعله الإخوان. فقبل ان تشكك لجان المراقبة الدولية أو المعارضة فى انتخابات 2012 ، أعلن الرئيس الروسى أمام جماهيره فى الميدان الأحمر وأمام الشاشات، أن الفائز بالانتخابات هو فلاديمير بوتين. بعد هذه الحركة ورغم تشكيك الصحافة العالمية والمراقبين فى النتيجة وحديثهم عن التزوير، كانت النتيجة قد حسمت محلياً فى الميادين الروسية وعلى شاشات التليفزيون الروسى بصور للحشود الكبيرة التى تحمل صور بوتين . الحالة المصرية فى الانتخابات القادمة ستكون اكثر تعقيدا، فالعالم على الأقل فى صيغته الإعلامية مازال منقسما (ربما بشكل غير متساو) فى تعريف ما حدث فى مصر فى 3 يوليو2013. البعض قبل نسخة الاخوان مثل قناة الجزيرة وصحيفة الجارديان البريطانية وسماه انقلابا، والبعض أذعن للرؤية المصرية التى تقول بأن ما حدث فى الثالث من يوليو هو انحياز الجيش المصرى للإرادة الشعبية ضد نظام الاخوان بنفس الطريقة التى انحاز بها للشعب ضد مبارك فى يناير 2011. بالطبع كسبت جماعة الاخوان كثيرا فى الاعلام العالمى وكانت انجح من الدولة فى الترويج لنسختها من القصة والأسباب كثيرة. وأولى هذه الأسباب هى قدرة تنظيم الاخوان فى توفير المعلومة للصحافة والتلفزة العالمية بشكل استباقى يحدد ملامح الحوار العالمى حول مصر قبل ان تصحو بيروقراطية الدولة من النوم. أما السبب الثانى وهو الأهم فهو نوعية من يسوقون الرسالة الإعلامية . فى حالة الاخوان يقاتل أعضاء الاخوان كل على طريقته فى الاعلام العالمى لإنقاذ سمعة التنظيم. التنظيم هو الأصل والأفراد مجرد أدوات كل هدفهم هو إنقاذ التنظيم. أما من يعملون فى بيروقراطية الدولة وخصوصا فى الخارج فعيونهم على احراز نقاط لمصلحتهم هم من اجل لفت نظر من يحكمون فى القاهرة فى ظل هذه التحديات الجديدة التى أكاد اجزم انها ستحدث بعد الانتخابات مباشرة، يجب علينا جميعا ان نتعامل مع أسئلة صعبة من نوع: هل تحسم نتيجة الانتخابات على شاشات التليفزيون المحلى ام على شاشات التليفزيونات العالمية ؟ أم أن نتيجة الانتخابات وشرعيتها ستصنع فى تويتر وفيسبوك والفضاءات الإلكترونية الحديثة؟ رئيس مصر القادم ليس خبرا صحافيا اليوم، ولكن مابعد انتخابات الرئاسة هنا ستبدأ الأسلة الصعبة والتحديات الأصعب. وهذا يفرض على السيسى تبنى استراتيجية جديدة لم يتعود عليها، اللعبة أكبر وأعقد، هى أشبه بإدارة أكثر من حرب على أكثر من جبهة.. على طريقة دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكى الأسبق الذى كان يرى بأنه على الإدارة الأمريكية أن تدير أكثر من حربين فى وقت واحد. هذه التحديات وطريقة التعامل معها يحب ان تكون محسومة قبل ان يعلن المشير ترشحه للرئاسة، وإلا فنحن امام مزيد مما نحن فيه الآن. لمزيد من مقالات د.مامون فندى