.. وهل يمكن أن تتصور كيف تعيش في دنيا ليس فيها إبراهيم أصلان!!إبراهيم أصلان الصديق دائما لكل من عرفه حتي ولو لم يكن صديقا بالفعل . يكفي أن يبتسم ويعبث في شاربه الكثيف ويهز رأسه ثم يزوم زومة من فهم الأمر كله.. همم.. وعامل إيه الولد ده؟! يا سلام.. ازاي كده؟! زارني ذات يوم شتوي في مبني المجلة بشارع عبد الخالق ثروت ناصية شريف الدور الرابع. هكذا كنا نصف عنوان المجلة لمن لا يعرفه.. كان اليوم قد جاوز منتصفه وخلت المجلة تقريبا من زوارها الذين انصرفوا بانصراف الأستاذ يحيي حقي رئيس التحرير. قال وهو يشرب فنجان قهوته الذي صنعته له كما صنعت لنفسي واحدا آخر إذ كان شعبان البرعي ساعي المجلة المسئول عن قهوتها وشاريها طول النهار لكل المترددين عليها قد غادرنا إلي بيته في ميت عقبة. هو إذن أحد جيران إبراهيم أصلان باعتبار أن ميت عقبة هي الشقيقة الصغري لإمبابة والأقرب إليها من كل ما يتبعها من مدن وقري وكنت أنا الجار الأقرب لشارع فضل الله عثمان حيث كان إبراهيم أصلان يسكن في تلك الفترة فبين الشارع الذي أسكن فيه وهو إبراهيم نصار وبين فضل الله عثمان شارع واحد لا يستغرق عبوره دقيقة واحدة اسمه شارع سماحة. كان إبراهيم أصلان يسأل عن موعد نشر إحدي قصصه في المجلة وبدا انه يستعجل نشرها فطمأنته علي النشر قريبا وقال هو: آه وحياتك أحسن الحالة.. ثم رفع فنجان القهوة ليتناول آخر ما فيه وقام واقفا يسألني حتروح دلوقت نروح سوا؟ فقلت إنني سأتأخر قليلا لأرتب موضوعات العدد الجديد. سألني: وفيها القصة؟ فقلت: ربنا يسهل لكنه فيما بدا تذكر شيئا فجلس يحكي بين ضحكاته وصوته الذي تصاحبه بحة محبوبة تجعل له طعما خاصا به وحده. قال مندهشا وهو يعبث بشاربه من جديد: يا أخي حصلت امبارح حكاية غريبة قوي. خير؟ فوجئت بزفة عيال قدام البيت وزحمة.. أنا بصيت من الشباك والاقيلك بنت خواجاية زي القمر يا جدع والعيال بيشاوروالها وبينادوا عليا.. أنا من جوه سألتهم: في إيه ياد إنت وهو؟ عيب كده.. فواحد كبير منهم أعرفه قال يا عم إبراهيم ودي بتسأل عليك.. عليا أنا؟ قالوا: آه. خرجت. أهلا وسهلا. هي بتتكلم شوية فرنساوي وأخوك زي ما أنت عارف. انجليزي آه ممكن يعني. فشوية فرنساوي علي شوية إنجليزي علي شوية عربي مكسر عرفت منها انها قاصداني أنا وفهمت انها داخت لحد ما لقتني وقالت إن واحد في المجلة.. ولم يكمل لكنه نظر إلي نظرة من أدرك فجأة أنه ربما أكون أنا.. ضحك مرة ثانية وقال: همم.. يبقي إنت يا ولد اللي وصفت لها العنوان. إزاي أنا ما فكرتش كده من الأول؟! قالها مندهشا ثم طلب فنجانا آخر من القهوة إن كان ممكنا يعني.. حكيت لإبراهيم ما غاب عنه من الحكاية وكيف إنني فوجئت بها تدخل المجلة قرب العصر تسأل عن أصلان. مسيو إبراهيم اصلان وقالت إنها بحثت عنه في كل مكان محتمل وجوده فيه كما قالوا لها.. في مقهي ريش وفي اتحاد الكتاب وفي المجلس الأعلي للفنون والآداب حتي دلوها أخيرا علي المجلة. حظها بقي يا إبراهيم انها لقتني. مين يعني كان حيعرف يوصف لها شوارع إمبابة وازاي حتوصل لفضل الله عثمان غيري!! صحيح.. تصدق؟! أكملت أنا.. قلت لها ان التاكسي من هنا.. من عبد الخالق ثروت أو من شريف إلي الكيت كات سهل جدا لكن التاكسي ربما لا يستطيع الدخول بك في مياه المطر والطين. انزل واسألي عن شارع مراد ثم سماحة ثم فضل الله عثمان بهذا الترتيب وستصلين إليه. صرخ إبراهيم ضاحكا: آه يا ولد.. دا كان يوم طين يا جدع. البنت صعبت عليا.. تصدق.. هدومها كلها مبلولة والبوت الأبيض كله طين والعيال حواليها عمالة تتنطط وتزيط وفضيحة يا جدع. البنت دخلت وواحدة من الجيران قاعدة قدام الطشت تغسل وتبحلق في الخواجاية. طب يا ست شوية كده عشان الضيفة تعرف تفوت وأنا يا جدع ما عنديش لا مكان تقعد فيه ولا حاجة تقعد عليها.. ما إنت عارف وهي كانت مندهشة ما تعرف ولا سعيدة وكأنها بتشوف تراث ما شافتوش.. وإيه الحكاية يا ولد.. فهمت إنها بتعمل كتاب عن جيل كتاب الستينيات عندنا وحتسافر سوريا بعد كده وانها جاية من المغرب والجزاير.. يعني عاملة مسح للمنطقة كلها.. لكن تصور يا أخي.. يقولها إبراهيم ومازال اندهاشه لم يفارقه.. البنت صغيرة قوي علي كده.. شوف.. مستشرقة عمرها حاجة وعشرين سنة تقريبا.. عالم عجيبة يا جدع. وضع فنجان فهوته الثاني ثم فجأة: سلام.. ما تنساش وحياتك.. طبعا يا إبراهيم ما إنت حتشوف القصة في المجلة وأنا حأبقي أعدي عليك لما الفلوس تيجي.. طب سلام بقي.. سلام .................... في آخر اتصال بيننا أرسلت له رسالة مسجلة علي المحمول أهنئه فيها بمكتبة الأسرة وأتمني له التوفيق ورد هو برسالة أخري قال فيها: آهي تجربة يا عم سمير.. نجحت خير ما نجحتش نقول لهم السلام عليكم فأسرعت أرسل إليه رسالة أقول فيها: أنا سامي يا إبراهيم ورد هو بسرعة: طبعا يابو السام. أنا آسف. لكنني لم أستطع أن اتفاءل..