«عايزين ريس يحبنا».. هكذا قالت امرأة عجوز عندما سألها مذيع فى أحد البرامج التليفزيونية عن الصفات المطلوبة فى رئيس مصر القادم. بتلقائية قالت عبارتها الموجزة المدهشة دون أن تصدع رؤوسنا بكلمات ضخمة.. ودون أن تغرقنا فى دوامات الثرثرة كما يفعل بعض المتحذلقين. فقد أدركت المرأة بفطرتها أن أحلام البسطاء فى حياة أفضل لن تتحقق إلا فى حالة وجود رئيس يفيض قلبه عشقا لتراب هذا الوطن ولناسه الطيبين الفقراء عندئذ لن يتركهم يجرون فى كل مكان يبحثون بامكانياتهم الضئيلة عن مأوى فلا يجدون سوى عشة فى العشوائيات أو جحر فى إحدى الحارات لن يتركهم ينحشرون سبعة أو ثمانية أفراد داخل غرفة ضيقة كئيبة فوق سطح احد العمارات، بينما الاغنياء يعيشون فى منتجعات حولها أشجار وبحيرات. لن يتركهم يتصورون أن العدالة الاجتماعية وهم، أو أنها ستظل حلما عالقا فى الخيال أو شعارا يرفع فى بعض المناسبات أو فى أوقات الأزمات أو حين تندلع الثورات. لن يتركهم يرون ابناءهم الشباب وهم يلقون بأنفسهم داخل مراكب متهالكة لتبحر بهم ليلا أو فجرا ساعة أو ساعتين أو يوما أو يومين قبل أن تتسرب إليها المياه أو تطيح بها الأمواج ليتبخر حلم الهجرة خلال صراعهم المستميت من أجل البقاء بينما أجسادهم تتهاوى إلى قاع البحر ليصبح مشهد الهجرة المأساوى والذى يضم سماسرة نصابين ووسطاء محتالين وقوارب متهالكة وجثثا غارقة هو المشهد الدائم بتفاصيله المأساوية فى صفحات الحوادث فى الصحف اليومية. لن يترك شلل المنتفعين والمنافقين والمهرولين وأنصاف المواهب والمتسلقين الذين يجيدون فن الرياء، يجلسون فى الصفوف الأمامية، بينما يقف فى الساحات الخلفية ذوو الكفاءات الموهوبون المتميزون الذين فاتهم دراسة علم العلاقات العامة، ولم يتقنوا فن الدعاية والذين منعهم كبرياؤهم من دق الأبواب ولم يسعوا إلى الانضمام لشلة تفتح لهم بواباب المجد أو تقفز بهم إلى عالم السلطة، والأهم من كل ذلك أنهم استبسلوا من أجل الاحتفاظ بمبادئهم وبرؤيتهم المثالية للعالم وظلوا يصدقون كلمات آبائهم الطيبين الذين قالوا لهم وهم صغار، إن من جد وجد.. وإن من طلب العلا سهر الليالي، وحين اكتشفوا فى العقود الماضية أن من جد لن يجد فى نهاية المطاف شيئا وأن سهر الليالى لن يوصلهم إلى العلا.. اكتفوا بالانعزال والانزواء.. وأخفوا مشاعر اليأس والاحباط وانتظروا فى صمت الانصاف والعدل. المدهش أن المرأة التى قالت «عايزين ريس يحبنا» لم تكن تدرك أنها تتكلم كما يتكلم المؤرخون.. فالأوطان تزدهر وتتقدم بالحب والعدل وتتقهقر وتتأخر حين يتبادل الحاكم مع الشعب الكراهية والرفض.. هكذا قال المؤرخ الشهير ول ديورانت بعد أن تجول فى دهاليز العصور القديمة والحديثة واكتشف أن البشرية لم تشهد حكاما وضعوا سعادة شعوبهم فى قائمة اهتماماتهم إلا فى فترات قليلة جدا كانت هى أزهى فترات التاريخ. أيها الرئيس القادم.. كان الله فى العون.. المهمة ثقيلة جدا.. فالناس يريدون الحب والاهتمام ..يريدون منك أن تحنو على الفقراء المقهورين.. وأن تدلل كبار السن المهمشين وأن ترعى المرضى المحتاجين ولا تنسى أن تشيع الأمية إلى مثواها الأخير.. ليبدأ عهد جديد من التنوير.. هل هذا كثير.. على شعب عبقرى أصيل؟ لمزيد من مقالات عايدة رزق