أفرزت ثورات الشعوب العربية نماذج رائعة من التضحية والفداء, فان يستشهد رجل او شاب في ارض المعركة, فهذا شئ عادي, أما ان تدخل المرأة ساحة الحرب وتتعرض للأهوال والتعذيب علي أيدي جلادي النظام, فهذا أمر يندي له الجبين, علي الأقل من الناحية الوطنية. انها امرأة كان بإمكانها ان تعيش حياة رغدة, ولكنها أبت لتشارك في معركة تحرير ليبيا من القذافي, فكانت اول سيدة يعتقلها أزلام النظام بعد الثورة. وذنبها الوحيد هو تحريض الشباب علي المشاركة في الثورة ثم المساهمة في تأسيس جمعية أحرار طرابلس في مدينة جربا التونسية علي الحدود مع ليبيا. وهناك شهدت بأم عينها مآسي ومعاناة النازحين الذين تركوا منازلهم وبلدانهم في برد الشتاء القارس بلا مأوي.. وعلي الفور فكرت مع أصدقائها في تأسيس جمعية اغاثية لتمكين بني وطنها المشردين من العيش بأقل قدر من مستلزمات الحياة أثناء تلك المرحلة العصيبة. ولم يهدأ بال لجميلة الكاديكي التي يصفونها بجميلة بوحريد الليبية, فواصلت السفر سرا من طرابلس مدينتها لتعمل مع شركائها علي الحدود, حتي خاب حظها يوما ووقعت في قبضة الجلادين, الذين جهزوا علي الفور ملفا يزن طنا من التهم كفيلة اقلها بلف حبل الاعدام حول رقبتها. تاريخ جميلة التي يصفونها أيضا ب المناضلة لم يكن وليد الثورة, فهو ممتد الي منتصف التسعينيات, بعد أن يئست من ان ينصلح حال نظام القذافي, فالفاسد والطاغية يرفض طرق الاستقامة. لقد شاركت جميلة بوحريد الليبية في ثورة الأحرار بليبيا وخرجت في أول مظاهرة بعد اندلاع ثورة17 فبراير بأيام وهتفت لا للظلم.. لا للاستبداد.. لا لحكم الطاغية.. نعم لإسقاط النظام نعم للحرية نعم للديمقراطية. اختارت جميلة طريقا وعرا وهو النضال, وهذا يظهر جليا علي كل وجهها, فالجلادون تعاملوا معها كرجل وأوسعوها ضربا وتعذيبا, إلا ان انقذها ضابط منشق من ايدي هؤلاء رفض ان يكون اقل منها وطنية. ولكن بعد فوات الأوان, فعلامات التعذيب تأبي ان تترك وجهها. بوحريد الجزائرية تخلت عن تاج المرأة وهو شعرها لتواصل نضالها أمام المستعمر الفرنسي الشرس, وابوحريد الليبية لم تبخل علي وطنها بجمالها, وتمسكت بحب الوطن والتضحية من اجله. المزيد من أعمدة محمد أمين المصري