كانت عجوزا ولكنها تحمل فى صدرها الحياة، لخصت وجودها منذ ميلادها حتى رحيلها فى كلمتين «فاعلة للخير» ولم يدر بخلدها أن مصيرها المشئوم سيكون على اليد التى دأبت فى مساعدتها والحنو عليها!! كانت انيس الوحشة والنور الذى يضئ الدروب المظلمة حتى اختطفها الموت الرهيب بيد غادرة آثمة وقلب ميت عليل وأصبح كل من كانوا حولها مثل جذور مقلوعة القى بها على جانب الطريق وأرض بور لم تزرع ولم تكن ثمارها مشتهاه!! احتشد الناس وكأنه يوم الحشر وعلى الاكتاف حملوا نعش «العجوز» ليتوارى جسدها الطاهر خلف الثرى وتسابقت خطوات الأهل والجيران مع خطوات كثيرة الكل يلهث الكل يبكى وفى وادى الازدحام ثارت التساؤلات.. واختلطت الافكار.. وتعددت الأقاويل لهذا الرحيل المفاجئ «لفاعلة الخير» كما لقبها أهل بلدتها بمدينة الباجور بمحافظة المنوفية. هى امرأة امتدت يدها لمساعدة الأهل والجيران وأنفقت أموالها على المحتاجين والفقراء فقد ورثت عن والديها الكثير من المال والأراضي، ثم ورثت عن زوجها العقارات والأراضي، وعندما انتهت من أداء رسالتها وتزوج أبناؤها الأربعة تفرغت لأعمال الخير حتى ذاع صيتها فى قرى ومدن المنوفية. ولأنها كانت تهتدى باخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه أوصى على سابع جار، اهتمت بجيرانها أكثر من نفسها، ودأبت على مساعدة ابن الجيران العاطل واشترت له شقة للزواج واستأجرت له محلا ليكتسب منه وينفق على زوجته ووالديه، وكانت تحنو عليه مثل أبنائها. فتحت ابواب منزلها لابن الجيران وزوجته وأمطرته من خيرها إلا أنه تلفح بالنذالة ووسوس له الشيطان فقتلها لسرقة مجوهراتها وأموالها. استغل النذل فرصة وجودها بمفردها داخل شقتها واستعان بزميليه من رفاق السوء، وتسللوا إلى شقة العجوز عبر تسلق المواسير، ودخلوا الشقة من شباك الحمام. وبمجرد أن وطئت أقدامهم غرفة نومها استيقظت العجوز وتوسلت إليهم أن يتركوها ويأخذوا مجوهراتها وأموالها. إلا أن الجار صمم على قتلها حتى لا تفضحه بين الجيران وانكفأت على قدميه تقبلهما وتتوسل إليه، وتقسم له أن فمها لن يبوح بكلمة واحدة إلا أنه تلفح بعباءة الشيطان، وقرر ازهاق روحها، وجثم على أنفاسها، ثم لف ايشارب كانت ترتديه حول رقبتها حتى فارقت الحياة، وحتى يتيقن من وفاتها كسر رقبتها، ثم قطع يدها حتى يسرق الأساور الذهبية منها، وسرق خمسة آلاف جنيه من دولاب ملابسها، وحتى لا ينكشف أمرهم سكبوا كيروسين على كل محتويات الشقة وجسد العجوز ثم أشعلوا النيران ولاذوا بالفرار. شاهد الجيران ألسنة اللهب تخرج من شقة جارتهم،وتمكنت قوات الاطفاء من إخمادها، وتم العثور على جثة العجوز متفحمة. نفى نجلها الطبيب وجود شبهة جنائية لأن قلبه الحزين منعه من رؤية أمه وهى متفحمة، ودون أن يوقع مفتش الصحة الكشف عليها، صرح بالدفن، مؤكدا عدم وجود شبهة جنائية رغم أن الجناة قاموا بقطع ذراع العجوز لسرقة مجوهراتها. ولأن السماء تقف للظالمين بالمرصاد، فقد اقتصت لفاعلة الخير حين تلقى زوج ابنتها مكالمة تليفونية من مجهول، أكد أن حماته ماتت مقتولة وأرشده عن القاتل وشريكيه. وفى تلك اللحظة أفاقت ابنة القتيلة من غيبوبتها، وتذكرت المجوهرات التى كانت تتحلى بها والدتها، وأين ذهبت والأشياء الثمينة فى المنزل وغيرها. تقدم أبناء القتيلة ببلاغ إلى النيابة وطالبوا باستخراج جثة والدتهم وعرضها على الطب الشرعى لفحصها، ومعرفة أسباب الوفاة، وبعد استخراج الجثة أكد الطب الشرعى وفاتها باسفكسيا الخنق، وأكدت التحريات أن جار القتيلة هو مرتكب الجريمة البشعة، وتمكنت المباحث من ضبطه واعترف بجريمته وأرشد عن شريكيه وتم ضبط مجوهرات القتيلة، وأحيل المتهمون إلى محكمة الجنايات وقضت المحكمة برئاسة المستشار محمود بريرى وعضوية المستشارين يحيى عادل عبد اللطيف ورضا أحمد إبراهيم وأمانة سر محمد طايل بإحالة أوراقهم إلى فضيلة المفتي.