مسدس فى اليد اليسرى.. وقلم فى اليد اليمنى.. وبخط ردىء وعلى ورقة بيضاء كتب هذه العبارة: «تحت معطفى قلب حزين.. ولكنه رقيق وعطوف. . قلب لم يؤذ أحد أبداً».. طوى الورقة.. ووضعها داخل ظرف بعد أن كتب عليه: «إلى من يهمه الأمر».. ثم واصل إطلاق النارعلى رجال الشرطة من خلف نافذة غرفة تقع فى طابق علوى.. فى مبنى بمدينة نيويورك التى ظل سكانها لمدة تزيد على الساعة يسمعون صوت دوى طلقات رصاص دون أن يعرفوا أن مائة وخمسين شرطياً يحاصرون أحد أجمل مبانى مدينتهم.. حيث يختبئ فيه مجرم اسمه كراولى وشهرته ذو المسدسين.. كان مطلوبا للعدالة بعد أن ارتكب عدة جرائم آخرها جريمة قتل الشرطى الذى أوقفه فى الطريق السريع وطلب منه رؤية رخصة قيادته.. وحتى آخر لحظة ظل كراولى الذى يعد أحد أخطر المجرمين فى تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية.. رافضا الاعتراف بذنبه.. مصمما على أنه يملك قلبا مملوءا بالحب والحنان.. مؤكداً أن الناس الذين أزهق أرواحهم كانوا يستحقون القتل. أما آل كابونى زعيم أشهر عصابة فى تاريخ شيكاغو.. فكان يرى أنه لم يحصل على التقدير الذى يستحقه.. لأنه لم يقابل خلال رحلة حياته شخصاً استطاع أن يفهمه. ذو المسدسين وآل كابونى.. وآخرون من القابعين خلف جدران السجون لم يشعروا للحظة واحدة بالندم.. ولم تؤرقهم ضمائرهم على الجرائم التى ارتكبوها.. فلديهم فى عقولهم أفكار غريبة يبررون بها أعمالهم المنافية للقانون.. حالهم لا يختلف كثيراً عن حال ارهابيى هذا الزمان.. الذين يتصورون أنهم وحدهم المؤمنون الأخيار.. بينما باقى أفراد المجتمع كفار أشرار.. وهكذا يستطيع كل من يشد الزناد ويطلق النار على الأبرياء.. أو يصنع قنبلة ويلقيها على الأحياء.. أو يأتى بسيارة مفخخة لتنفجر بعد الفجر أو مع بداية المساء.. أن يعود إلى بيته سعيداً بجريمته الشنعاء. المأساة الكبرى.. أن شبابا فى مقتبل العمر وقعوا فى براثن هذه الجماعات التى تتاجر بالدين.. التى تطالب رعاياها بأقصى درجات الطاعة والولاء.. والكف عن طرح الأسئلة أو الإدلاء بالآراء.. ولا فائدة من قول أين كان علماء الأزهر وأساتذة علم الاجتماع والنفس والمسئولون فى مجال التعليم وأين كان الآباء والأمهات.. بينما كانت عمليات غسيل المخ تجرى لهؤلاء الشباب الذين تحجرت عقولهم.. وتصلبت مشاعرهم.. وماتت ضمائرهم.. وباتوا مثل »ذا المسدسين وآل كابونى« لا تخونهم أعصابهم أبداً وهم فى طريقهم لقتل الأبرياء. أما الطامة الكبرى فهى إصرارهم على أنهم هم وحدهم الذين يفهمون فى أمور الدنيا والدين.. هكذا كانت تعتقد «بيلى ستار» التى وضعت الشرطة الأمريكية فى عام 6881 صورتها فى كل مكان.. ووعدت بمكافأة مالية مقدارها عشرة آلاف دولار من الذهب لمن يعطى معلومات تساعد فى القبض عليها.. بعد اتهامها بارتكاب جرائم تهدد أمن أمريكا واستقرارها.. وقبل مصرعها على يد أحد أفراد عصابتها.. وصفت نفسها بأنها امرأة تمكنت أكثر من الآخرين من فهم المزيد من أمور الحياة وخصائص البشر. المهم الآن أن الحرب مع جماعات الارهاب ستكون طويلة ومريرة وعنيفة.. حرب ستترك وراءها ميراثاً ثقيلاً من الكراهية والمرارة.. ونأمل أن تحدث معجزة أخرى ويفهم هؤلاء الذين ينتمون لتلك الجماعات ويفكرون كما يفكر رجال العصابات.. أن الوطن ليس ساحة للحرب.. أنه محراب.. من يعيش فيه عليه أن ينشر الخير والحب فى طرقاته.. وأن يضىء شموع الأمل فى أرجائه.. ومن لا يريد لا مكان له فى هذا الوطن البديع. لمزيد من مقالات عايدة رزق