إذا تتبعت صفات عباد الرحمن, الكرام البررة الأوفياء, أدركت أن هؤلاء المؤمنين المتقين المخلصين يمقتون الإرهاب وعنفه , كما يمقته الذين يبغضون وجهه القبيح, ويكرهون شره الوخيم, الذي يمزق أواصر الأخوة, ويفسد وحدة الأمة, ويضرب الدين الصحيح, وتماسك الصفوف, واجتماع الكلمة, وآمال الناس. إنه حريص علي سفك الدماء, والعدوان والظلم, وبشاعة التخريب والتدمير والحرق, وانتهاك الحرمات, وسعيد بالانشقاق والفرقة, والانفصال عن الخلق, ومفارقة الرحمة والمودة. وجميع الذين يبغضون الإرهاب يعرفون أن رسول الله صلي الله عليه وسلم حاربه ولعنه, وأكد أن من استخدمه ليروع به غيره تلعنه الملائكة, ومن استعمله لإخافة المؤمنين أخافه الله يوم القيامة, فعن المصطفي صلي الله عليه وسلم أنه لا يحل لمسلم أن يروع مسلما, إن الإسلام رسالة خير وسلام وعطف وعدل وتعاون وتكافل, يرضي عن الأفئدة النبيلة, والمشاعر المرهفة المستقيمة, وينكر الجفوة والجور والقسوة, ومنهجه في الدعوة واضح يقول: ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن.... وعباد الرحمن لم يخرجوا علي هذا المنهج, والذي يدلك علي أنهم يمقتون الإرهاب والعنف والشر قوله تعالي في وصف عباد الرحمن في سورة الفرقان: وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما, والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما, والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما, إنها ساءت مستقرا ومقاما, وقوله تعالي: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون, ومن يفعل ذلك يلق آثاما, يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا... والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما. إن مسلكهم كما ترشد الآيات هو السلام, فهم يمشون في الأرض بسكينة وتواضع, وإذا خاطبهم الجاهلون السفهاء بما يكرهونه من السوء, قالوا سلاما, أي نطلب منكم السلامة, أو قالوا سدادا من القول يحمي من الضرر والإفك, أو تسلما ومباركة, فلا خير ولا شر. وهم بهذا يسلمون من الأذية والإثم, ويلوذون بالأدب والمروءة, ويصونون العرض والشرف, ويبغضون الإرهاب والسفه, الذي تنكر للعدل والأمن والرحمة والصفح والحنان. إن موقفهم هجر جميل, وصفح حميد, وعدم مقابلة السفهاء بالعنف والجهل, وهؤلاء المتواضعون يبيتون لربهم سجدا وقياما, ولا يسلكون مسلك الإرهاب الذي يفضل النقص والكيد, والفساد البشع, والشرود عن الصراط المستقيم, ويؤثر الهياج والفرقة والعدوان, والله يرعي تلك العبادة الطاهرة, والطاعة الخاشعة التي تحملها صلاتهم بالليل, والصلاة فلاح وتقوي, وذكر المولي صاحب النعم والمنن والفضل, وبما يقومون به يحسنون معاملتهم لخالقهم ليلا ونهارا, وأمثال هؤلاء لا يقدمون علي أي عمل إجرامي, فهم يفرون من الشر والعذاب, مؤمنين بأن العنف والترويع شر دائم, أما الصلاة فهي خير واستقامة, تصرف عنهم السوء والفحشاء. وأولئك المتواضعون المصلون المتقون يوحدون الله, ويجتنبون المعاصي, فلا يدعون مع الله إلها آخر, ولا يقومون بقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, ولا يزنون, فمن يفعل ذلك يلق عقوبة كبيرة, فيضاعف له العذاب, ويكون مهانا ذليلا محتقرا, جامعا للعذاب الجسماني والروحاني, ومن أشرف مواقفهم البعد عن اللغو, وهو الفحش, وكل ما ينبغي أن يلغي ويطرح من الكلام القبيح وغيره, مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه, والخوض فيه, أو مكرمين أنفسهم بالإعراض عنه, والواقع أن عباد الرحمن بما صنعوه من الأعمال الصالحة, والنأي عما يغضب الله, وكراهية العنف والإرهاب والفظاظة والسوء, يجزون الغرفة بما صبروا, والغرفة هي الدرجة العليا في الجنة, وهي أعلي منازل الجنة وأفضلها, تحييهم فيها الملائكة, ويدعون لهم, لقد صبروا علي المشاق في الطاعات, ورفض الشهوات, وتحمل المجاهدات, وهم جديرون بالتحية والسلام, إن مقتهم للإرهاب نور ورحمة, ورفق وأمن, واجتنابهم للمعاصي تقوي واستقامة, وطهر وفضيلة, وإقبال علي البناء والتعمير, وتنمية الحياة, وارتقاء بالمجتمع إلي مستوي رفيع, ونهج كريم, حافل بالأمن والرخاء, والكرامة والعدل. لمزيد من مقالات د. حامد محمد شعبان