عاد الجامع الأزهر الشريف إلي المشيخة بعد22 عاما من تبعيته لوزارة الأوقاف, ليستكمل دوره التاريخي والدعوة في نشر المنهج الإسلامي الوسطي المستنير في مصر والعالم. وجاءت موافقة وزارة الأوقاف واستجابتها لطلب تقدمت به مشيخة الأزهر باستعادة الإشراف الدعوي علي الجامع في إطار ثورة التصحيح التي قادها الأزهر عقب ثورة يناير والتي تجلت في النص علي استقلال الأزهر بالدستور الجديد وأنه وحده المسئول عن شئون الدعوة ليمثل ضربة للتيارات الدينية المتشددة التي سيطرت علي المنابر طوال حكم النظام المعزول. وأنهي القرار تبعية منبر الأزهر الذي خضع لوزارة الأوقاف منذ عام1992 في إطار خطة الدولة للحرب علي الإرهاب والعنف المسلح التي اجتاحت مصر في التسعينات, سيطرة التيارات الفكرية المتشددة علي المرجعية الأولي للمسلمين في العالم. دور تاريخي هو المسجد العتيق, الذي عمر النفوس بالإيمان وهداها سواء السبيل, وقاد الأمة وصنع العلماء وربي المجاهدين, منذ أكثر من ألف سنة, وهو الذي تغني به أمير الشعراء أحمد شوقي قائلا: قم في فم الدنيا وحيي الأزهرا.. وانثر علي سمع الزمان الجوهرا. ولم يتوقف دور الأزهر منذ إنشائه قبل ألف عام ويزيد, وكان الأزهر علي الدوام يمثل المعارضة الحقيقية للسلطة الحاكمة سواء كانت هذه السلطة أجنبية استعمارية أو وطنية تميل للعسف وظلم المصريين وكان بمثابة القائد الحقيقي للشعب المصري في سعيه نحو الحرية علي مر العصور. وقد شكلت ثورة الخامس والعشرين ثورة مماثلة داخل المؤسسة الأزهرية, وتصدر المشهد جماعات العنف والتشدد التي دفع بها النظام المعزول إلي أماكن لم يكونوا بالغيها, وكانت خصما من رصيد الأزهر. ثم جاءت ثورة30 يونيو, فقال الأزهر كلمته وشارك في صياغة الدستور الجديد الذي خرج المصريون للاستفتاء عليه, والذي نص علي استقلال الأزهر وانه وحده المسئول عن شئون الدعوة. وبادر الإمام الأكبر الدكتور احمد الطيب, شيخ الأزهر, بقيادة ثورة تصحيحية بالمؤسسة الأزهرية بتشكيل هيئة كبار العلماء, ثم استرداد إشراف المشيخة علي الجامع الأزهر, وانعقدت, أمس الأول, أولي اجتماعات مجلس إدارة الجامع بعد عودته إلي المشيخة, وتمكين الأزهريين الذين تم إقصاؤهم عن الجامع طوال عام كامل من حكم الإخوان. واستردت مشيخة الأزهر الإشراف علي الجامع بعد22 عاما من نزع ولايتها عليه عقب صدور قرار جمهوري بإخضاع جميع المساجد إلي إشراف وزارة الأوقاف في إطار حرص الدولة علي مواجهة الإرهاب المسلح التي اجتاح مصر في التسعينات. واجتمع مجلس إدارة الجامع الأزهر برئاسة الدكتور عباس شومان, وكيل الأزهر, وقرر قصر التدريس بالجامع الأزهر علي الأزهريين المتخصصين من أصحاب الفكر الأزهري الوسطي دون سواهم, من أعضاء هيئة كبار العلماء والالتزام بالتخصص العلمي الدقيق للعلماء الذين يقومون بالتدريس وإعادة الدروس للمتخصصين من علماء الأزهر ابتداء من بعد غد السبت. وحول دوافع القرار قال الدكتور شومان: ان تلك الخطوة تهدف إلي قصر التدريس به علي الأزهريين المتخصصين من أصحاب الفكر الأزهري الوسطي دون سواهم, ومحاربة الأفكار الهدامة والمتطرفة, فالجامع الأزهر هو عنوان الأزهر الشريف وأصل الدعوة في مصر, مضيفا أن وزارة الأوقاف امتداد للأزهر, ولذلك فإن تبعية الجامع الأزهر لأي هيئة تستمد قوتها من الأزهر أمر غير منطقي, ومنذ زمن والجامع يدرس به كبار العلماء, ولذلك لا يمكن أن يكونوا تابعين إداريا إلا للأزهر. كما أراد الأزهر الشريف بهذا القرار أن يخفف عن الأوقاف ويتولي هو إدارة المسجد, ونحن عندنا وعاظ علي كفاءة عالية جدا وكبار أساتذة الجامعة القادرين علي تحمل هذه المسئولية الكبيرة, ولذلك كان نقل تبعية الجامع الأزهر أو عودتها بمعني أصح, وهذا ما طلبناه من وزير الأوقاف ومشكورا وافق عليه. وأضاف: إن هذا القرار ترتب عليه عمل الاجتماعات لتنظيم إدارة المسجد, وتوفير العمالة البديلة, وأيضا توفير أمن مدني تابع لمشيخة الأزهر لمنع المظاهر السلبية, بالإضافة لتنظيم آلية الدروس وأخذ قرار باستئنافها, وقد انضم الكثير من كبار العلماء وعددهم12 عضوا من هيئة كبار العلماء غير الموجودين أصلا, وهذا بالطبع مكسب كبير للتدريس, وسيتم التدريس بأكثر من لغة أجنبية أيضا للمغتربين. فالجامع الأزهر سيعود كما كان في سابق عهده بإذن الله, وهو لم يبعد كثيرا عن وزارة الأوقاف, فالدكتور محمد مختار جمعة عضو في مجلس إدارة جامع الأزهر وهو أيضا العضو الفني المسئول عن الدعوة بالأزهر. علي أن يكون التدريس تحت إشراف هيئة كبار العلماء ورعاية فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر. إنصاف للأزهر ويقول الدكتور الأحمدي أبو النور, عضو هيئة كبار العلماء ووزير الأوقاف الأسبق, ان هذا القرار يمثل تصحيحا لوضع خاطئ ظل معمولا به لعدة سنوات. أما الدكتور احمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء, فيؤكد أن القرار جاء منصفا للأزهر الشريف لاستكمال دوره المعروف في الدعوة إلي الوسطية والاعتدال في الدين والدعوة وباعتباره منبرا للإسلام الوسطي واستكمالا لاستقلال الأزهر الشريف بجميع مؤسساته وهيئاته ليؤدي دوره المنشود وفقا لما يراه الأزهر الشريف. وأضاف: إن ارتباط الجامع الأزهر بالمشيخة ارتباط عام في كل أموره فكان هذا القرار صائبا وجاء مكملا ومنصفا لدور الأزهر في التنوير وعودة لحق الأزهر وتكميلا لمسيرته الدعوية والعلمية. ويؤكد الشيخ متولي الصعيدي إمام الجامع الأزهر, ان هذا قرار صائب كان يجب ان يتم منذ فترة طويلة لتتحد كلمة الأزهر ولا يصبح هناك فصل بين المشيخة والجامع, ونحن نأمل ان يتم الله عز وجل النعمة بهذا القرار, ويعود الجامع الأزهر في أزهي صورة كسابق عهده. ويقول الدكتور حسن إبراهيم يحيي, عضو المجمع الفني بمجمع البحوث الإسلامية: ان مشيخة الأزهر الشريف سعت إلي استرداده من وزارة الأوقاف حتي يصبح تحت سيطرة كبار العلماء ويعود لسالف مجده وعظيم أثره, حتي يكون بعيدا عن غمرة السياسة وتكون دعوته خالصة لله عز وجل, ووافقت وزارة الأوقاف مشكورة علي تلبية طلب الأزهر الشريف, بعودة الجامع إلي المشيخة, لأن الأزهر جامع وجامعة, لنشر المنهج الوسطي بعيدا عن العصبية الممقوتة والتحزب المشئوم. من جانبه قال الدكتور علوي خليل أمين عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق ان التوقيت جاء مناسبا الآن لأن الدستور نص علي استقلال الأزهر الشريف فعليا بدءا بأول خطوة وهو عودة الجامع الأزهر ليكون تحت إشراف المشيخة معنويا وماديا وإداريا مؤكدا أن هذا القرار من شأنه تمكين الأزهر الشريف من أداء دوره في نشر الوسطية والاعتدال وصحيح الدين. وأضاف: إن تبعية الجامع للمشيخة ستحميه من الزج به في الأمور السياسية, ويجعل الأزهر يستكمل مسيرته العلمية والدعوية من خلال تحقيق استقلاله الكامل عن الدولة ليتمتع بكل الصلاحيات التي تمكنه من آداء دوره المنشود.